سر مصر المحروسة

السبت، 10 يونيو 2023 08:09 م
سر مصر المحروسة
عصام الشريف

 
قبل أيام التقيت صديقا لم أره منذ فترة، وصادف أن كان معه صديقا من السودان يبلغ من العمر 60 عاما تقريبا، وبالطبع انحنى الحديث للأوضاع في السودان، وماذا يحدث في هذا البلد الغني بالموارد، ولماذا امتلأت مصر بالسودانيين في غضون الأزمة الأخيرة، والحقيقة أن القراءة عن الأحداث في السودان شيء، وأن يشرح لك أحد السودانيين ما يحدث على الطبيعة شيء آخر مختلف تماما.
 
استمر الحديث لنحو ثلاث ساعات كاملة، اكتشفت خلالها أن الرجل عاشق لمصر، فلم يأت هنا منذ شهور، لكنه كان دائم التردد على مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما كان يدرس في القاهرة، وقد بدأ الحديث بجملة عابرة قالها النادل على المقهى الذي جمعنا في وسط البلد، عندما قال له "أهلا بيك في المحروسة" ليسألني السوداني أنا وصديقي المصري، ماذا تعني "المحروسة" ولماذا يطلقون هذه الصفة فقط على مصر؟.
 
صمت عندما تحدث صديقي وقال له ربما تكون مجرد مبالغة من المصريين، لكن فوجئنا به يتحدث بعصبية، كما لو كان تحول إلى مصري يدافع عن بلده، ليقول لنا: لا يا سادة إن مصر فعلا محروسة، أنت لا تدرون الخير الذي أنتم فيها، فرغم كل الأزمات التي تعيشونها ورغم كثرة الشكاوى التي سمعتها من الجميع هنا، لكنكم في أي وقت في اليوم تجدون الشوارع مليئة بالخبز والفاكهة والأطعمة المختلفة، ولم يحدث أبدا أن خرج مواطن ليتسوق ثم عاد دون أن يجد حاجته.. أنتم هنا لا تعرفون أننا في السودان ربما تبقى المخابز لمدة شهور دون أن يتوافر فيها الدقيق لإنتاج الخبز، رغم الفارق الكبير بين موارد السودان الزراعية غير المحدودة وبين موارد مصر الزراعية المحدودة التي لا تقارن بالسودان، مؤكدا أن بلاده رغم أنها يطلق عليها "سلة غذاء العالم" وفق تصنيف البنك الدولي، إلا أن سوء إدارة الموارد تجعل من الصعب العيش فيها.
 
وأضاف الرجل قائلا: اليوم كنت أستقل تاكسي، وتطرق الحديث مع السائق إلى أحد الكباري الرائعة الذي كنت أسير عليه، لأخبر السائق أن هذا الكوبري لم أره في دول خليجية عديدة زرتها، ليرد السائق عليّ قائلا "ماحنا مش هاناكل كباري"، فأجبته: "يا أخي ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، ثم وجه حديث لنا قائلا: أتعلمون أن أكبر أزمة في السودان هي غياب البنية التحتية والطرق التي تساعد على التنمية.. فمثلا لدينا ملايين أشجار المانجو التي تتساقط ثمارها على الأرض في المستنقعات وتتعفن دون أن يكون أحد قادر على الاستفادة منها، أتعلمون لماذا؟ لأنه لا يوجد طريق وسط المستنقعات لانتشال هذه الثمار، وهذا ينطبق على كل زراعات السودان!.
 
وبعد الكثير من الأمثلة والمقارنات بين مصر والسودان، قال إن مصر محروسة لأن أهلها طيبين بفطرتهم وجذورهم الحضارية، فهم يستوعبون أي وافد جديد، مدللا بعدد الجاليات في مصر التي يقدر أعدادها بالملايين، ورغم ذلك لا يوجد بينها مواطن يطلق عليه لاجئ، ليختم كلامه بقوله إن مصر "معدة حضارية" يذوب فيها كل الجنسيات ليخرج منها في النهاية نسيج واحد مصبوغ بالصبغة المصرية، وهذا هو سر مصر المحروسة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق