عدسة الهاتف تحت المساءلة.. خصوصية المواطنين خط أحمر

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 11:53 ص
عدسة الهاتف تحت المساءلة.. خصوصية المواطنين خط أحمر
إيمان محجوب

في ظل الانتشار الواسع للهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح التصوير ممارسة يومية لدى الكثيرين، خاصة من غير المتخصصين والساعين إلى تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة، دون إدراك للضوابط القانونية أو الاعتبارات الإنسانية المرتبطة بهذا السلوك.
 
ورغم ما يوفره التطور التكنولوجي من سهولة في توثيق اللحظات، إلا أن استخدام الكاميرا تجاوز في كثير من الأحيان حدوده المشروعة، ليتحول إلى أداة لانتهاك خصوصية الآخرين، لا سيما في المناسبات والأماكن الخاصة التي تستوجب الاحترام ومراعاة المشاعر الإنسانية.

العزاءات والأفراح.. خصوصية لا تحتمل الانتهاك
تتجلى خطورة التصوير دون إذن بشكل واضح في مناسبات العزاء والجنازات، حيث يعيش ذوو المتوفى لحظات إنسانية مؤلمة لا تقبل التوثيق أو النشر. كما يمتد الأمر إلى الأفراح والمناسبات العائلية الخاصة، التي قد يرفض أصحابها بطبيعتها تصويرها أو تداولها خارج نطاقهم الشخصي.
 
ورغم ذلك، يلجأ البعض إلى تصوير الأشخاص أو الأحداث دون استئذان، غير مدركين أن هذا السلوك قد يعرّضهم للمساءلة القانونية.

القانون يتصدى لانتهاك الحياة الخاصة
تعامل القانون المصري بحزم مع ظاهرة التصوير دون إذن، باعتبارها اعتداءً صريحًا على حرمة الحياة الخاصة التي كفلها الدستور وحماها القانون. ولا يقتصر التجريم على نشر الصور أو المقاطع المصورة، بل يمتد إلى فعل التصوير ذاته متى تم دون موافقة صريحة من الشخص المعني، خاصة إذا وقع في مكان خاص أو مناسبة ذات طابع إنساني أو عائلي.
 
وتنص أحكام قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على توقيع عقوبات بالحبس والغرامة على كل من يلتقط أو يسجل أو ينقل صورًا أو مقاطع فيديو لأشخاص دون رضاهم. وتُشدد العقوبات في حال نشر المحتوى أو تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو استخدامه بقصد الإساءة أو التشهير أو تحقيق منفعة غير مشروعة.
 
كما أن إعادة نشر محتوى ينتهك الخصوصية تُعد جريمة قائمة بذاتها، حتى وإن لم يكن الناشر هو من قام بالتصوير.
 
ويؤكد خبراء قانونيون أن الجريمة لا تشترط توافر نية الإضرار، إذ يكفي وقوع الفعل المخالف للقانون لقيام المسؤولية الجنائية، مشددين على أن الرضا لا يُفترض ولا يُستنتج من مجرد التواجد في مكان عام أو مناسبة اجتماعية، بل يجب أن يكون واضحًا وصريحًا.

البعد الإنساني قبل القانوني
لا تتوقف خطورة التصوير دون إذن عند الجانب القانوني فقط، بل تمتد إلى البعد الأخلاقي والإنساني، فالتقاط صورة لشخص في لحظة حزن أو ضعف، أو نشر مشاهد من جنازة أو عزاء، يمثل انتهاكًا للمشاعر الإنسانية قبل أن يكون مخالفة قانونية.
 
كما أن تصوير الأفراح دون موافقة أصحابها قد يسبب لهم حرجًا أو أذى نفسيًا، خاصة في ظل سرعة انتشار المحتوى عبر الإنترنت وصعوبة السيطرة عليه.

الاستئذان.. خط الدفاع الأول
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التنسيق المسبق وطلب الإذن قبل التصوير، باعتبارهما خط الدفاع الأول لحماية الخصوصية وتجنب المساءلة القانونية. فالحصول على موافقة صريحة لا يحمي المصور فقط، بل يعكس احترامًا لحقوق الآخرين وحقهم في التحكم في صورهم وحياتهم الخاصة.
 
كما أن الامتناع عن التصوير في بعض المناسبات، حتى مع وجود موافقة ضمنية، يظل سلوكًا راقيًا يراعي طبيعة الموقف وحساسيته.

نحو ثقافة تحترم الخصوصية
ومع تزايد القضايا المرتبطة بالتصوير دون إذن، تتجدد الدعوات إلى تعزيز الوعي القانوني والمجتمعي، خاصة بين الشباب، بخطورة هذا السلوك وتداعياته. فاحترام الخصوصية ليس مجرد التزام قانوني، بل هو سلوك حضاري يعكس وعي المجتمع وقدرته على التعايش الإنساني في عصر التكنولوجيا.
 
وتبقى القاعدة واضحة: الاستئذان قبل التصوير واجب، وخصوصية الأفراد خط أحمر، وكل تجاوز لذلك يضع مرتكبه تحت طائلة القانون.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق