بكاء مشروع

الأحد، 23 يوليو 2017 09:50 ص
بكاء مشروع
بكاء - أرشيفية
د. بسمة البحرى

عندما دخلت العزاء ورأيت صديقتى تبكى والدها بحرقة لم يؤلمنى بكاؤها الشديد رغم حزنى عليها بقدر ما أفزعتنى الجملة السخيفة الحمقاء التى ترددت بحدة على لسان الكثيرات فى صورة مواساة تحمل بين طياتها التعنيف (ماتعيطيش). 
 
هممت فى المرة الخامسة أو السادسة من تكرارها أن أنهر قائلتها وأطلب منها السكوت، ولكن منعنى تقديرى لحسن نيتها ورؤيتها الساذجة أن البكاء فعل مشين يعبر عن الضعف وقلة الإيمان وأنه صورة من صور الاعتراض على قضاء الله، وأنه ذنب غير محمود ينبغى مقاومته قدر المستطاع وعدم ممارسته أمام العامة مهما بلغ مقدار حزننا، ومهما كانت فجاعة الموقف. 
 
حقا فشلت فى فهم استنكار الدموع ومحاولة قهرها وجعلها قرينة للعجز والسلبية.. ألا تبكى الفتاة أباها؟ وكيف يعبر المرء عن حزنه بشكل لائق؟ ولماذا نقاوم الحزن والدموع وهى من طبيعة البشر جميعا حتى الأنبياء المعصومين، والأمثلة كثيرة يصعب حصرها أبرزها حزن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذرفه الدموع على ولده إبراهيم قائلا (إنها رحمة) ثم قال: «إنَّ العينَ تدمَعُ والقلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرْضِى ربَّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزونونَ». 
 
‎الراوى: أنس بن مالك فى صحيح البخارى. 
 
‎ولم يكف يعقوب عن البكاء سنوات، حزنا لا يأسا، على يوسف حتى ابيضت عيناه.
 
بل والأغرب هو ما قصه الله علينا فى القرآن من أمر نبيه نوح وولده المارق الذى غرق أمام عينيه وهو غير مبال بطوفان وموج كالجبال وغير خائف من العقاب بل وهو يصيح فى كبر ردا على محاولات أبيه المستميتة لإنقاذه وهدايته (سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء) حتى حال بينهما الموج وكان من المغرقين.
 
فما منع ذلك نوح من الحزن على ولده المستحق للعقاب، وما أنْسته نشوة الانتصار بعد عذاب ألف سنة إلا خمسين عاما مشهد غرق ولده العاصى، بل وصعب على النبى المنتصر بعد عناء أن يكتم حزنه الفطرى على ولده ويكتفى بشكر ربه على نصرة الحق وإهلاك الظالمين وأبى إلا أن ينادى (رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) مستغيثا بربه لعل ذلك يقلل من لوعته. 
 
فرفقا بأنفسنا وبمن حولنا، ودعونا نطلق لمشاعرنا العنان ونترك لمن حولنا براحاً.
 
صيدلانية 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق