لو كنت مسيحيًا

الأحد، 05 نوفمبر 2017 06:12 م
لو كنت مسيحيًا
محمود الغول

ولدت في قرية لا تعرف المسيحيين، فلم يكن من سكانها أي من أتباع الديانات السماوية الأخرى ولا غير السماوية. فقط مسلمون، ومع ذلك سمعت الكثير من الحكايا عن المسيحيين ورائحة المسيحيين وطعام المسيحيين وأفعال المسيحيين، وطقوسهم في الكنائس فيما يتعلق بالزواج والاعتراف وغير ذلك من «أساطير» اكتشفت في ما بعد أنه لم يكن لها من الصحة أساس.
 
وطوال سنوات دراستي في مختلف المراحل من الابتدائية حتى الثانوية لم اختلط يوما بالمسيحيين، إلى أن التحقت بالجامعة، وفي السنة الأولى تعرفت إلى «أميرة».. فتاة مسيحية جميلة. بيضاء. عيونها واسعة. ممتلئة القوام بعض الشيء لكنها كما يقال «خرطها خراط البنات».
 
كانت أميرة بوابتي إلى ذلك العالم المجهول، ومن خلالها تعرفت إلى الكثير من الزملاء المسيحيين، لدرجة أن أحد الزملاء (وكان متشددًا وعضوًا بجماعة تدعي «السفلية») نصحني بالابتعاد عن أميرة ورفاقها خشية منه على ديني من هؤلاء الناس، كما كان يقول.
 
وبالمناسبة صديقي المتشدد هذا - والله على ما أقوله شهيد - انتهت به سنوات الدراسة وهو يرتدي قميص يكشف شعر صدره متآبطًا ذراع «دينا». أروش بنت في الدفعة. ملهمة الجيل، والتي تمشي في تبختر تتباهى بمفاتنها.
 
نعود إلى أميرة، والتي اعتقدت بسذاجة قروي «غلبان» أنني واقع في حبها، غير أنها وبفطنة «بنات مصر»، عرفت كيف تحولني من عاشق ولهان إلى صديق مقرب.
 
ولم تكن أميرة فقط «وصلة» تربطني بأصدقائي المسيحيين، بل كانت ذلك الحبل السري الذي تعرفت من خلاله إلى الكثير مما كنت أجهل بشأن إخواني المسيحيين.
 
تذكرت أميرة وعلاقتي بالمسيحيين اليوم وأنا أطالع «بوست» كتبته صديقة مسيحية «متشددة» عن أن الإسلام مسئول عن تطرف أتباعه، وهو الأمر الذي قتل جدالًا؛ فالمتشددون من الجانبين لا يتوقفون عن الدفاع عن وجهة نظرهم وإلقاء التهمة على «الطرف الآخر» لتبقى المقولة الشهيرة «الإرهاب لا دين له» في مقابل «التراث الإسلامي متخم بنصوص تكفير غير المسلمين والحض على قتلهم وإرهابهم».
 
وبعيدًا عن هذا الجدال سألت نفسي: ماذا لو كنت أنا مسيحيًا وفقدت أخي في تفجير إحدى الكنائس أو مات ولدي في حافلة مدرسية فجرها «مسلم» أو سحلت والدتي في «عركة» طائفية!
 
بلا جدال، الحزن والغضب يعمينا عن الحقيقة، وحين تكون مكلومًا لن ترى سوى بعينيك أنت ولن تفكر سوى برأسك أنت. أما الآخر فلن تسمح له بأن يظهر على شاشة رادارك ولو للحظة. حين نفقد من نحب لن نجلس في هدوء لنناقش هل الإسلام دين حنيف وسمح أم دين يحض على الكراهية. أقول ذلك وأنا أزعم أنني رجل متدين يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن القرآن هو كتاب الله المحفوظ.
ومع ذلك.
 
قد ألتمس عذرًا لمسيحي مكلوم فقد عزيزًا وهو يطلق لعناته على «ديني» ومن يتبعونه، لكني لا ألتمس العذر لمسلم يشوه دينه عن جهل أو قصد، لا أجد عذرًا لمن جعل عقله مطية للجهال والمتعصبين وأصحاب النوايا السيئة.
ولإخواني المسيحيين.
 
والله ليس في قلب أي مسلم سوى نحو أخيه المسيحي إلا المحبة.. وطننا واحد ودمائنا واحدة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق