البرادعي.. وقصة الأحمق الأكبر

السبت، 27 يناير 2018 08:20 م
البرادعي.. وقصة الأحمق الأكبر
طلال رسلان

تذكرني مواقف البرادعي دائما بقصة الأحمق الأكبر، ذاك المثقف الذي قرر السفر إلى قرية صغيرة، ولابد أن يعبر نهرا كبيرا حتى يصل إليها، فسأل أحد سكان القرية وقد كان يملك قاربا إن كان باستطاعته أخذه، فوافق الرجل.
 
وعندما بدأت الرحلة، أراد المثقف استعراض عضلاته فدار الحوار الآتي:
المثقف: هل تعلم أن الشمس تبعد حوالي 93 مليون ميل، ومع ذلك تزودنا بالحرارة والضوء عبر الكون ومع مرور الزمن، مع العلم أنه إن انحرفت الشمس ولو جزء بسيط عن مدارها سيحل الدمار الكامل؟".
صاحب القارب: بالطبع لا أعرف 
المثقف: إذاً فأنت غبي بنسبة 25 %
بعد مرور بعض الوقت وعندما اجتازا تقريبا نصف الطريق، بدأ الرعد يهدر.
المثقف: هل لاحظت البرق قبل صوت الرعد.. هل تعلم كيف تحدث هذه الظاهرة؟
أجابه: صاحب القارب لا يا سيدي
فرد عليه الرجل يحدث ذلك بسبب الانتشار السريع للهواء الساخن.
المثقف: إذن أنت غبي بنسبة 50%
وبعد أن قطعا تقريبا ثلاثة أرباع الطريق، تغير الطقس كليا، أصبح مظلما وبدأ المطر بالهطول وملئ القارب الصغير بالماء، ما جعل الأمر صعباً على صاحب القارب.
 لكن الرجل المثقف أصر مستفهماً: هل تعلم كيف نحصل على المطر؟
لا يا سيدي كان جواب صاحب القارب.
يتبخر ماء البحر بواسطة الشمس، ويتخزن في الغيوم والتي بدورها تسافر بقوة الريح، وعندما تمتلئ الغيوم، تترك الماء ينهمر على الأرض. . وبهذا نحصل على المطر
إذا أنت غبي بنسبة 75%.
فجأة، صرخ صاحب القارب: "آآه .. يا إلهي! لقد أضعت مجذافي والماء سيقلب القارب، لا يمكننا فعل شيء سوى السباحة بقية طريقنا، ومن حسن حظنا أنه ليس ببعيد".
المثقف: لكنني لا أستطيع السباحة!  صرخ الرجل وهو يرى موته المحتم أمام عينيه.
أجاب صاحب القارب: إذن يا سيدي العزيز، أنت غبي بنسبة 100%
 
مرورا بالفترة الانتقالية الأولى لحكم المجلس العسكري، ثم حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، انتهاءً بمواقف محمد البرادعي قبل وبعد ثورة 30 يونيو وحتى الآن، لا ترى أمامك سوى قصة الأحمق الأكبر.. مزيد من التناقضات والتحليلات العميقة التي تبعد عن الواقع المصري.

الرجل شديد التخبط، انفض مناصروه من حوله، ذهبوا إلى أنه خطر على الثورة، بعدما نصبه أنصاره الأب الروحي للثورة، لم يبذل فيها تضحية تذكر، كما وصفوه بأنه ناصر ثورة 30 يونيو نظريا إلا أنه ناهضها وحاربها "عمليا" من خلال مواقفه وتصريحاته.

بعد تنحي مبارك بأيام قليلة خرج البرادعي ليؤكد أن الرئيس سقط، ولكن النظام ما زال قائما بأركانه، محذرا من الالتفاف على الثورة، ليغرد من جديد فى الثالث من مارس 2011 ليحيى المجلس العسكرى الذى ساعد المصريين على إسقاط نظام مبارك، ثم غرد فى 19 مارس 2011 قائلاً: "رموز نظام مبارك ما زالت تعبث بمقدراتنا لماذا لم يتم التحفظ عليهم".

ثم عاد في أكتوبر 2011 ليؤكد أنه دون تطهير القضاء، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، سيستمر طمس الحقائق وغياب العدالة، مضيفاً كفانا خداعاً للنفس والتفافاً على الثورة، وعاد البرادعى يغرد بعد عزل مرسى للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، الذى كان تغييره مطلبا من مطالب الثورة، معتبرا أن تغيير النائب العام استباحة للقضاء، وأن هذه الاستباحة من باب إجهاض الثورة.

في 2 يونيو من العام 2012 كتب البرادعي، معلقاً على محاكمة مبارك ونجليه، قائلاً: "النظام يحاكم نفسه"، وهو ما يناقض تصريحاته السابقة، التى شكر فيها المجلس العسكرى على إسقاط نظام مبارك بكامل أركانه، وبعد اعتراضه على تغيير النائب العام، قبل انتهاء مدته، وفقاً لقوانين نظام مبارك، عاد البرادعى فى 23 أغسطس عام 2012 ليطالب من بيده سلطة التشريع، التى كانت وقتها فى يد مرسى، بتغيير ما وصفها بقوانين مبارك المكبلة للحريات، مؤكداً أن ضمان الحريات ليس بالشعارات.

عقب ثورة يناير طالب بالقبض على رموز نظام مبارك الذين وصفهم بالعصابة، قائلاً: "بدون الاعتقال الفورى لرموز العصابة وقياداتها العليا الشكوك تتزايد والثورة فى خطر جسيم"، إلا إنه عاد بعد ثورة يونيو ليطالب بوقف اعتقال رموز نظام الإخوان، وطالب بعدم استخدام القوة فى فض اعتصامى رابعة والنهضة.
طالب فى مارس 2011 بضرورة إقالة قيادات الإعلام الحكومى، قائلاً: "الإقالة الفورية لكافة قيادات الإعلام الحكومى هو أمر ضرورى لحماية الثورة والتعامل مع الشعب بمصداقية. ماذا ننتظر"، وكتب فى تغريدة أخرى: "كيف يدعون أن النظام تغيّر وأبواق النظام المأجورة فى الإعلام ما زالت مستمرة فى محاولة مستميتة لتغيير لونها. شىء من المصداقية مطلوب.. وعندما تم إقصاء بعض هذه القيادات فى عهد الرئيس المعزول مرسى عاد ليدين الاعتداء على حرية الإعلام، وإقصاء من وصفهم برموزه.

البرادعى طالب عقب ثورة يناير بإلغاء لجنة شئون الأحزاب، والموافقة على إقامة الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار، إلا أنه بعد الانتخابات الرئاسية أسس حزب الدستور فى ظل وجود لجنة شئون الأحزاب التى طالب بإلغائها من قبل.

راهن على الشباب فى إسقاط النظام من خلال دعمه كمرشح للرئاسة، قائلاً: "تواصلت اليوم مع الآلاف ممن طلبوا المشاركة فى الحملة الرئاسية. راهنت على الشباب لإسقاط النظام، والآن نبدأ جميعا بناء مصر من جديد".. إلا أن البرادعى خذل هؤلاء الشباب الذين راهن عليهم عندما انسحب من أرض المعركة، رافضاَ دخول ساحة المعترك الانتخابى.

وصف التصالح مع رموز الحزب الوطنى، ونظام مبارك، بأنه خطوة على طريق إجهاض الثورة، إلا أنه عاد بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين ليصرح بأن هناك حملة فاشية ممنهجة من "مصادر سيادية" وإعلام "مستقل" ضد الإصرار على إعلاء قيمة الحياة الإنسانية وحتمية التوافق الوطنى.

فى 15 إبريل 2012 عندما طالب المجلس العسكرى بوضع دستور فى مدة شهر، بعد انتخاب البرلمان المنحل للجمعية التأسيسية الأولى، كتب البرادعى قائلاً: "صاغت قمم الفكر دستور ١٩٥٤ فى ١٨ شهرا"، و"لا تستخفوا بأهمية الدستور: مصر تستحق أفضل من هذا"، وبعد ثورة 30 يونيو شارك البرادعى فى خارطة الطريق، التى نصت على تعديل الدستور فى مدة لا تزيد عن 60 يوما من اختيار لجنة "الخمسين"، والتى كان واضحاً أنها ستعمل على تغيير الدستور برمته، نظراً لأن هذا الأمر مطلب من مطالب الثورة.

بالطبع لن يترك البرادعي فرصة الانتخابات الرئاسية الحالية إلا ويصطاد في الماء العكر، سيحلل الموقف ضمن مواقف كثيرة للرجل المنفصل عن الواقع المصري، الفاشل في تجربته وباقتدار، وإنما قصدت من هذا رصد فترة معينة في حياته التويتية وإظهار مدى بعده، ربما تختلف معي، لكن لن تختلف في أن أفكاره نجحت على موقع التغريدات القصيرة فقط، سيغيب الرجل ما شاء، ثم يخرج علينا بتويتة هو فقط يراها وفي لمح البصر الحل لهذه البلاد والعباد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق