جمال "بثينة" و"جميل" معرض الكتاب

الخميس، 01 فبراير 2018 08:27 م
جمال "بثينة" و"جميل" معرض الكتاب
مصطفى الجمل يكتب

السطور المقبلة هزلية غير حقيقية وغير موضوعية وغير محايدة، والأشخاص الواردة بها خيالية ولا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو أغرب من الخيال.
 

(1)
 
المشهد نهاري، غابت شمسه بفعل الرياح وشتاء يناير القارس، واستحالت الحمرة رماداً تتوه فيه الألوان، لم يكن الأمر صدفة بالمعنى الحرفي، أي أن الترتيب كان موجوداً، ولكنه سبق الميعاد ببضع ساعات، اقتراح خرج من فيه أحدهم كالطلقة الطائشة، فلاقت براحاً بصدر الآخر، فضرب الميعاد. 
 
بالخارج جندي، لا يبالي بسباق رياح يناير وعوادم السيارات إلى أنفه وعينه، يحمل بين يديه دعوات لدخول المعرض، يتبرع بها لمن يشفق عليه الانتظار في طابور قطع التذاكر،  لا يريد مقابلاً ولا ينتظر شكراً، تقاسيم وجهه تقول إنه صعيدي أصيل، يبدو أنه متبقي معه الكثير منهم، واليوم هو الأخير للفعالية السنوية، بابتسامته العريضة ولهجته  الجنوبية نادى عليهما بصيغة المفرد: «خد يا استاذ متقطعش تذاكر، خد معايا كتير -بفتح الكاف- وهيبوظوا»، قطعاً رفض العرض والاعتذار منه لا يدرج إلا في باب السخافة والكبر المنبوذ. 

(2)
 
تحت مظلة جناح مهجور من الزوار إلا قليلاً، برزت مجلدات ومخطوطات للتراث والشعر والأدب في العصر الجاهلي والأموي والعباسي وربما كان هذا سبب الهجر، بالجانب بحث مهمل لطالب يبدو أن الكسل أخذ حقه معه، حتى أنه لم يبين الدرجة العلمية المستهدفة أو الممنوحة لهذا البحث ولا حتى المشرف عليه، غلافه مرقع وحجمه متوسط لا شيء فيه يثير الانتباه، فكان غريباً أن يخطف نظر الفتاة تجاهه، ضحكة عريضة رسمت للتو على وجه رفيقها، فهو يعلم أن لا شيء راح ببصرها في هذا الزاوية، سوى أن اسمها مطبوع هناك ممثلاً لنصف عنوان البحث «جميل بثينة».  
 
لم تكن يوماً ما قصة العشق العذري الواقعة في العصر الأموي، وبالتحديد في  عصر عبد الملك بن مروان بين جميل بن معمر العذري وبثينة بنت الحباب على طاولة المناقشات اليومية بين رفيقي المعرض،  ولم يذكر أنهم تعرضوا لها صدفة، لذلك ضحك الفتى من جديد، وبدلاً من أن يقص القصة التي يحفظها عن ظهر قلب منذ تعرضه لها في  العام الجامعي الأول، صمت – وهو محب للحكي- واكتفى بالضحك، وبجملة غرابة اليوم لم يستفز ضحكه الفتاة فلم تضجره ولم تسأل عن سبب ضحكه كعادتها، وكأنها وصلها ما أسكته في هذه اللحظة، صمتت هي الأخرى، كمحارب يتلقط الأنفاس قبل أن يطلق أسهمه ونيرانه على كل من حوله.

(3) 
 
تماماً كنظرية الاندماج المسببة لسقوط المطر تساقطت الحكايات فاختلط رذاذ السماء  بندى عينيها، هي وفتاة بني عذرة وجهان لعملة واحدة، عملة من النور نادرة، هي حسناء في ثوبها الفضفاض -والضيق أيضاً- حوراء قلما يجود بها الزمان، زان الخالق صنعتها، وجهها براق، قليلها يسمن ويغني من جوع، إن رفعت رمشها فكشفت مقلتيها رضي القوم أجمعهم، بأي ميدان حلت يشيرون إلى موضع قدميها ويقولون عفيفة الخطى، شريفة السمع كريمة النظر، من هنا مرت وهذا أثر. 
 
كما أحبت بثينة جميل، وفرقت القبيلة بينهما، أحبت فتاة المعرض رفيقها وفرق بينهما ما هو أكبر من قبيلة عذرة، اختلفت البدايات وظلت الغايات والنهايات في القصتين واحدة. 

(4) 
 
كانت المرة الأولى التي تقر الفتاة وتصرح بحبها، استرسلت في حديث لم تنتظر عليه رد ولا تدخل ولا توقيف ولاتصحيح، قالت وزادت، توقفت وأكملت، صاحت وتنهدت،  حادثت نفسها، وكأن لا أحد بالجوار،  يشتد المطر فتزيد سرعة الحديث، للحظة ظن أنه هناك اتفاق ضمني سماوي أرضي، المطر يلحن وهي تغني، قالت ما لم يكن يتوقعه، ولم ولن يكن يخطر يوماً على باله، كان ذلك أمراً له لم تنطق هي به «اصمت»، التزم بالأمر، فلا مجال لأن يحرك حتى بشفتيه تعجباً أو إعجاباً. 
 
قالت كما قالت بثينة قديماً، إنها تسعد باللقاء وبالجوار متى وأين وكيف كان، لا تدع الفرصة تفوت إلا وتحتال على الظروف لتهرب إليه، يعز عليها البعد والفراق، ولكن السلام كل السلام على من لم يكن له من أمره شيء وظل يقاوم، قالت إن تلك المقاومة وإن أتعبتها كثيراً، إلا أنها كانت تستلذ بها، تشعر بأنها تفعل شيء ذا قيمة من أجل حبها، قالت أنها ستظل تقاوم، فعاهدها بهزة رأس تعييها جيداً أن يظل بالجوار منتظراً. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق