بطانية الفقراء بها سم قاتل.. ثمنها 40 جنيها ومصنوعة من أعقاب السجائر وزيت السيارات (تحقيق)

السبت، 17 فبراير 2018 06:00 م
بطانية الفقراء بها سم قاتل.. ثمنها 40 جنيها ومصنوعة من أعقاب السجائر وزيت السيارات (تحقيق)
بطاطين الغلابه
كتب - محمد أبوليلة

- ورش بير سلم بالمحلة هى مركز التصنيع وشارع 26 يوليو هو مركز التوزيع 

- منى: أعانى وزوجى من طفح جلدى وسعال مستمر بعد استخدامنا للبطانية 
- دكتور طه عبدالحميد: البطاطين ذات الصناعة الرديئة تزيد من احتماليه الإصابة بمرض الربو
- الهيئة العامة للمواصفات والجودة أصدرت عدة معايير للحفاظ على جودة وصناعة البطاطين
- د. هدى الشوربجى: هذه الأغطية مصنوعة من ألياف صناعية ومواد مخلوطة غير معلوم مصادرها وقد تسبب الإصابة بسرطان الجلد 
- صاحب مصنع: «إحنا بنشتغل بعيد عن الروتين الحكومى لأن الحصول على موافقة هيئة الرقابة الصناعية بياخد وقت كتير»

منى عبد الحفيظ سيدة فى عقدها الخامس، تعمل هى وزوجها فى حراسة أحد العقارات السكنية الموجودة بحى العبور بالقاهرة الجديدة مثلها مثل كثيرين من أولئك الذين يتشبثون بـ«لقمة عيش» منذ الصباح الباكر وحتى المساء، وبسبب برودة الشتاء القارس لم تستطع أن تشترى غطاء «بطانية» تقيها الصقيع، فأسعار بطاطين الشتاء الطبيعية الآن لن تقل عن 700 جنيه.

44444
 
ذهبت «منى» لإحدى الجمعيات الخيرية القريبة من سكنها لتسجل اسمها ضمن أولئك المحتاجين لـ«بطاطين الشتاء»، ضمن مشروعات خيرية تقوم بها تلك الجمعيات من حين لآخر، أيام مرت فور استلامها تلك البطانية المصنوعة من الصوف الخشن وبعض المواد الأخرى التى لم تفهمها فرائحتها غريبة، وما إن تقترب منها حتى تنتابها موجة من السعال المتواصل، لكنه الشتاء الذى لم تستطع مقاومته سوى باستخدام تلك «البطانية».
 
لم تتوقف حالة منى على السعال المتواصل: «بعد فترة جاتلى حساسية فى الجلد بسبب البطانية، وجوزى كمان جات له حساسية ومبقاش يتغطى بيها». 
 
3dddd
 
ذهبت منى لأحد المستوصفات الطبية القريبة منها، قطعت تذكرة كشف بجنيه واحد، بعد أن تطورت الحساسية لديها لـ«هرش» و«طفح جلدى»، والتى كانت تظن أنها بسبب سوء الطقس من حين لآخر، لكن الطبيبة المعالجة لها أكدت أن السبب الرئيسى هو غطاؤها بتلك البطاطين المصنوعة من ألياف صناعية ومواد معاد تدويرها.
 
«إحنا بيجلنا ناس كتير من مناطق شعبية منهم البواب وأصحاب المهن الفقيرة بيشتكوا إن عندهم حساسية ولما بنكشف عليهم وبنسألهم عن أنواع البطاطين اللى بيتغطوا بيها ونوع الملابس التى يرتدونها، بنكتشف إن عندهم بطاطين رديئة».. هكذا تقول استشارى الأمراض الجلدية هدى الشوربجى فى حديث خاص لـ«صوت الأمة».
 
6ghhhhh
 
وتابعت هدى: «هذه البطاطين مصنوعة من ألياف صناعية ومواد مخلوطة غير معلوم مصادرها بتكون سبب رئيسى فى بعض الأمراض الجلدية وليست الحساسية فقط، فقد تسبب حكة بالجلد واحمرارا وربما طفحا جلديا، نتيجة احتوائها على أصباغ ضارة وتكوينها من مواد بلاستيكية، وليس أليافا مطابقة للمواصفات، وأخطر شىء أنه من الممكن الإصابة بسرطانات الجلد نتيجة التعرض لفترة طويلة لتلك الخامات».
 
وأضافت أنه حتى لو أصيب المريض بحساسية فقط فالحساسية من الممكن أن تتطور للإصابة بالربو الشعبى إذا لم يتم العلاج بشكل مبكر، «الحساسية أنواع لكن ممكن تتطور لحساسية على العين إذا كان المريض يغطى وجهه، وممكن تعمله جيوب أنفية بسبب استنشاق كثيف لرائحتها اللى بتكون مخلوطة بزيوت وتشحيم».. تتابع استشارى الأمراض الجلدية.
 
أستاذ الأمراض الصدرية بجامعة الأزهر طه عبد الحميد قال لـ«صوت الأمة»، إن مرض الربو الشعبى من السهل أن يُصيب أولئك المتعاملين بشكل مباشر مع الصوف أثناء تنظيفه أو تصنيعه داخل المصانع، وإذا كان هناك نوع من «البطاطين»، ذو صناعة رديئة هو الآخر يُزيد من احتمالية إصابة الأشخاص بمرض الربو الشعبى، خصوصاً لو احتوت هذه البطاطين على كمية كبيرة من الزيوت. 
 
fgrdgg
 
«هناك ورش بتاخد بواقى القطن من المستشفيات، بالإضافة لفلاتر سجائر، وتقوم بإعادة تدويرها لغزول، وتضيف عليها بعض أنواع الزيوت كى تعمل لها تماسكا، وللأسف هذه الأنواع تنقل كثيراً من الأمراض للناس اللى بتتغطى بها، كما أنها بتعرض صناعة النسيج فى مصر كلها للخطر، وبتنتقل بشكل عكسى على المواطن الفقير الغلبان».. يؤكد ذلك حمدى الطباخ، عضو المجلس التصديرى للمنسوجات، فى حديث خاص لـ«صوت الأمة».
 
حجم إنتاج مصر سنوياً من البطاطين الجيدة التى تنتجها مصانع مرخصة ومطابقة للمواصفات القياسية يقترب من حوالى 3 ملايين بطانية بـ673 مليون دولار، طبقاً لإحصائيات رسمية من المجلس التصديرى للمنسوجات، 20% من حجم الإنتاج المحلى للبطاطين الجيدة يتم تصديره للخارج، من بين هذه الدول إسبانيا وتركيا وقبرص وشمال أفريقيا والجزائر والمغرب والسعودية. 
 
إنتاج مصر من البطاطين زاد بسبب النشاط الملحوظ لصناعة المنسوجات خلال العامين الماضيين تحديداً، وهذا ما جعل حجم استيراد البطاطين من الصين يقل نسبياً، لكن هذه الصناعة النشيطة مُعرضة للهلاك مرة أخرى، بسبب تلك «الطعنة» التى تتلاقها فى ظهرها من الصناعة المحلية التى تندرج تحت بند «الاقتصاد غير الرسمى»، والتى تُصنع منتجات رديئة داخل ورش «بير السلم»، والتى من بينها قطع صناعة «بطاطين الفقراء» الرديئة.
 
«مفيش حصر لعدد مصانع بير السلم التى تصنع هذه الأنواع الرديئة من البطاطين، أعدادها بتختلف من منطقة لأخرى، جزء منها فى مدينة المحلة الكبرى ومحافظة كفر الشيخ».. يتابع حمدى الطباخ، عضو المجلس التصديرى للمنسوجات.
 
ويضيف أنه ليس لهذه الورش تراخيص صناعية، ولا تدفع ضرائب ولا تقوم بالتأمين على عمالها ولا أى شىء، كما أنها تستخدم معدات وآلات قديمة مضى عليها مائة عام، وتكون خطرا على عمالها أيضا وليس المستهلك فقط، موضحاً أن غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية، وجهت نظر المسؤولين مراراً كى يقوموا بحملات على ورش بير السلم التى تصنع هذه الأنواع الرديئة من البطاطين، ومحلات بيعها المنتشرة فى الأسواق.
 
بأسعار لا تقل عن 40 جنيهاً، ولا تزيد على 80 جنيهاً للبطانية الواحدة، تمتلئ أرصفة شارع 26 يوليو بوسط القاهرة ووكالة البلح بعدد لا بأس به من المحلات التى تبيع هذا النوع من البطاطين الرخيصة فى ثمنها، والتى دائما ما يلجأ إليها أصحاب الدخول البسيطة، بالإضافة لمندوبى الجمعيات الخيرية التى تشترى بجزء من التبرعات المتوجهة لهم بطاطين بأسعار منخفضة كى تضمن توزيع أكبر على فئات عريضة من الفقراء غير عابئين بخطورة تلك البطاطين.
 
على أحد أرصفة الشارع المتفرع من شارع 26 يوليو كان أحد المحال الكبيرة يفترش بضاعته من البطاطين أمام واجهته، هذه البطاطين بأسعار فلكية تبدأ من 700 جنيهاً، لكنها مصنوعة فى مصانع مصرية مُرخصة ولديها مواصفات قياسية وتطابق معايير المواصفات والجودة، لكن الإقبال عليها لم يكن كبيراً مثلما فى بطاطين الفقراء، فمنها بطاطين صينى مصنوعة من مادة البوليستر يبدأ سعرها من 400 جنيه، إضافة لبطاطين تركى مصنوعة من مادة الإكريليك والبوليستر ويصل سعرها لألف جنيه، إضافة لبطاطين أخرى صناعة مصرية تصل أسعارها ل800 جنيه.
 
وعلى الجانب الآخر من الشارع كان سيد عبد الله يفترش بضاعته المكونة من مجموعة بطاطين ذات اللون الأسود والرمادي، والتى فور اقترابك منها تشم رائحة زيوت سيارات كثيفة ممزوجة بـ«غبار» من بقايا صوف، «البطانية بـ50 جنيها، دى أرخص نوع بطاطين فى السوق، وعليها الطلب كتير، ناس كتير بتشترى مع دخلة كل شتا عشان أسعار البطاطين غالية».. يقول ذلك سيد عبد الله فى تصريح لـ«صوت الأمة».
 
حينما سألناه عن الوجهة التى تأتى منها هذه البطاطين أوضح أنها من إنتاج مصانع وورش مصرية من مدينة المحلة الكبرى.
«إحنا بنتفق مع تجار فى المحلة بنشترى منهم جملة كل موسم، ونبيع هنا فى الوكالة وفى سوق الجمعة، النوع ده من البطاطين بيكون صالح للاستخدام لسنة واحدة وبعد كده بيتقطع».. يقول ذلك تاجر بطاطين الفقراء.
 
كما أضاف أنه أحياناً يبيع كميات كبيرة من منتجاته لفرد واحد، «ساعات بيجيلى واحد يشترى 30، 40 بطانية مرة واحدة، ويقولى أنه هيوزعهم على الناس اللى نايمة فى الشوارع، والسعر ده بيكون أفضل له بدل ما يشترى بطاطين غالية».. يتابع.
 
تواصلنا عبر الهاتف مع أحد أصحاب مصانع «بير السلم»، بمدينة المحلة الكبرى والتى تنتج هذا النوع من البطاطين الرديئة باعتبارنا أحد مسئولى جمعية خيرية نود شراء كمية كبيرة من البطاطين التى ينتجها، تحدث «س.م»، وهو اسم مستعار لمسؤول المصنع، أن مصنعه أشتهر بالبيع للجمعيات الخيرية والأهلية ولتجار شارع 26 يوليو والوكالة ووسط البلد، وأوضح أن حجم إنتاجه يتعدى مئات الآلاف سنوياً، وأصبح يقتصر على إنتاج بطاطين الفقراء والجمعيات.
 
«إحنا بنصنع بطاطين من مادة البوليستر والإكريليك وبنضيف لها بعض الصوف والسعر 60 جنيهاً للبطانية، وزن البطانية يبدأ من كيلو ونصف جرام وحتى 4 كيلو».. يقول ذلك سيد مصطفى فى حديث لـ«صوت الأمة».
 
وحينما سألناه عن مطابقة هذه البطاطين للمواصفات القياسية ومعايير الجودة أكد أنها تتطابق تماماً مع المعايير لكن الفرق أنه لم يلصق على المنتج أرقام وحالات تلك المواصفات.
 
«إحنا بنشتغل بعيد شوية عن الروتين بتاع الحكومة، لأنى عشان أقدم طلب حصول على مواصفة من الهيئة العامة للمواصفات والجودة ولحد ما هيئة الرقابة الصناعية تيجى تراقب كل ده بياخد وقت كتير، مش هلحق أصنع أو أبيع وكل ده تكلفة وفلوس أنا بوفرها للمنتج بتاعى».. يتابع سيد، نافياً أن يكون مصنعه من تلك الورش التى تستخدم بقايا الأقشمة وفضلات الصوف فى صناعة البطاطين، «البطاطين بتاعتنا جودتها عالية، إحنا مش بنستخدم النفايات بتاع المستشفيات، فيه مصانع جنبنا بتتخصص فى الشغل ده وعليها طلب كبير كمان، بيفرموا الصوف والشاش وأعقاب السجاير ويحطوا عليها زيت سيارات عشان خيوطها تتماسك، وأسعارها أقل من عندنا».. يتابع.
 
الهيئة العامة للمواصفات والجودة أصدرت عدة معايير للحفاظ على جودة وصناعة البطاطين، وشكلت 11 لجنة فى مجالات الغزل والنسيج من أجل مراقبة جودة تصنيع البطاطين، فى المصانع المختلفة وحددت المواصفتين «c0022-0085» و»c0098-0582»، لإثبات أن منتج البطانية المصنوع يُطابق معايير الجودة، حيث تشمل طرق الصناعة والخواص الطبيعية والكيميائية والميكانيكية.
 
ونصت على اشتراطات درجات ثبات ألوان الصبغة لضوء النهار وللغسيل وللعرق‏، وكذلك نسبة المواد الدهنية والغريبة فى البطاطين المجهزة‏، كما منعت استخدام 23 نوعا من أصباغ الآزو المسرطنة، كما ألزمت الهيئة المصانع ومستوردى الأقمشة بوضع علامة على البطانية تُحدد مواصفات البطانية بالظبط.
 
هناك 5 مواصفات قياسية أخرى تم استحداثها، مؤخراً، لتصنيع البطاطين طبقاً لاعتمادات الهيئة العامة للمواصفات والجودة، من بين البيانات التى حصلنا عليها من الموقع الرسمى للهيئة العامة لمواصفات والجودة كانت المواصفة رقم 682 لسنة 2016، والخاصة بتصنيع البطاطين الصوفية والمخلوطة والتى تحمل تصنيفا دوليا رقمه 59.080.30، حيث تشمل الخواص الطبييعة والميكانيكية والكيماوية للأنواع الرئيسية من البطاطين الصوفية والمخلوطة كما تتضمن الاختبارات اللازمة لمطابقة هذه المواصفات.
 
لكن هذه المواصفات ومكوناتها لم تكن موجودة على الإطلاق فى بطاطين الفقراء، سواء مع الباعة الموجودين بوكالة البلح أو مع أصحاب تلك المصانع التى تنتجها دون معايير للجودة فى مصانع المحلة الكبرى.
 
مشكلات تلك البطاطين لا تتوقف عند شرائها من باعة جائلين أو مصانع غير مرخصة، ولكنها تمتد لتعاقد جمعيات خيرية بعينها مع هذه الورش والمصانع من أجل توريد كميات كبيرة لهم من أجل التبرع بها للفقراء، فى محاولة لعمل الخير ولكن بطريقة تؤدى إلى الموت أحياناً.
 
«هناك جمعيات خيرية كثيرة جداً تشترى تلك البطاطين الرديئة وتوزعها على الفقراء مع بدء فصل الشتاء، وسنويا يتم توزيع ملايين البطاطين، لكن المشكلة أنهم يوزعون المرض على الفقراء دون أن يدروا ولا يهمهم سوى توزيع أكبر عدد من البطاطين حتى يظهر أنهم يساعدون الفقراء».. يقول ذلك حمدى الطباخ عضو المجلس التصديرى للمنسوجات لـ«صوت الأمة».
 
ويتابع: «كانت وجهة نظرنا أننا نجيب بطاطين غالية وكويسة كجمعيات خيرية بدلا من البطاطين الرخيصة التى توزع على الفقراء واللى للأسف بيعملها عدد كبير من الجمعيات الخيرية، بدل ما أوزع على الفقير بطانية تضره وتضر صحته والاسم أننى أساعد الفقراء، فيه جمعيات بتاخد هذه البطاطين وتشتريها بسعر رخيص جداً عشان تقول أنا وزعت كام ألف حتى يظهر أنها وزعت عددا كبيرا غير عابئة تماماً بحجم الأضرار التى قد تسببها تلك البطاطين».
 
وأضاف أنه عرض على بعض الجمعيات الخيرية تصنيع بطاطين للصدقة من خلال مصنعه، ولكن بسعر يبدأ بـ500 جنيه ومصنعة بألياف صناعية مطابقة للمواصفات القياسية، «أنا حالياً بورد لمشروع بنك الطعام هذا النوع من البطاطين، لكن هذه نقطة فى بحر كبير». 
 
ملايين الفقراء يتم توزيع بطاطين رديئة عليهم، كما أن الثفافة السائدة لعدد كبير من الجمعيات الخيرية هو عدد البطاطين التى يتم توزيعها ولا يهم مدى سلامتها ومطابقتها للاشترطات والجودة».. يتابع.
فى تصريحات صحفية سابقة للمهندس إبراهيم المانسترلى، رئيس هيئة الرقابة الصناعية، قال إن الرقابة على مصانع البطاطين، تتم فقط لمن لديهم سجل صناعى وأعضاء بهيئة التنمية الصناعية، ويتم المرور بشكل دورى وسحب عينات للتأكد من مطابقة الخامات والأصباغ للمواصفات القياسية المصرية للمنسوجات، وإذا ثبت بعد التحليل عدم المطابقة، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من الإنذار وإعدام غير المطابق ووصولاً للغلق.
 
لكن هذه الورش والمصانع التى تنتج تلك البطاطين الرديئة لا تستطيع هيئة ا لرقابة الصناعية أن تُفتش عليها لأنها ليس لديها سجلات صناعية وليست أعضاء بالهيئة، مؤكداً أن المحليات هى المسؤولة عن مراقبة هذه الورش والمصانع غير مرخصة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق