بسبب ارتفاع الأسعار.. الانعكاسات المحتملة لحملة مقاطعة 3 سلع أساسية في المغرب

الأحد، 27 مايو 2018 03:00 م
بسبب ارتفاع الأسعار.. الانعكاسات المحتملة لحملة مقاطعة 3 سلع أساسية في المغرب
ميه سيدى على

 

تشهد المغرب، في سابقة هى الأولى من نوعها، حملة مقاطعة لثلاثة منتجات هى الوقود والألبان والمياه المعدنية، احتجاجًا على ارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة، وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه فرص العمل وترتفع مستويات الفقر في المناطق الريفية.

وحتى الآن، انعكست حملة المقاطعة، بطبيعة الحال، في تكبد الشركات خسائر كبيرة قد تزداد مع استمرارها، لكن ربما يكون من بين أكثر المتضررين أيضًا حكومة حزب العدالة والتنمية التي تعتبرها شرائح واسعة من المواطنين مسئولة عن تصاعد الأزمات الاقتصادية، وهو ما يمكن أن يفرض عليها ليس فقط اتخاذ إجراءات عاجلة لضبط الأسعار بالأسواق وإنما السعى نحو تبني نموذج تنموي أكثر عدالة يراعي كافة فئات المجتمع.

ضغوط شعبية:

تصاعدت حدة الضغوط الشعبية في المغرب احتجاجًا على ارتفاع مستويات الأسعار بشكل غير مسبوق على مدار الأشهر الماضية، إذ استجابت شرائح واسعة من المواطنين للحملة التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي، في 20 إبريل الماضي، لمقاطعة منتجات ثلاث شركات ارتفعت أسعارها مؤخرًا، وهى شركة سنطرال للحليب المغربية - الفرنسية البالغ حصتها من السوق 60%، وشركة سيدي علي للمياه المعدنية البالغ حصتها 60% أيضًا، وشركة إفريقيا لتوزيع المحروقات.

ومن الواضح أن حملة المقاطعة السابقة تمثل امتدادًا لسلسلة من الاحتجاجات الشعبية والعمالية التي شهدتها المغرب خلال العامين الماضيين نتيجة تدهور المستوى المعيشي جراء ندرة الوظائف وارتفاع مستويات الفقر، فضلاً عن زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، لا سيما في الأشهر الماضية. ووفق البنك الدولي، فقد استمر تصاعد معدل البطالة من 9.9% في عام 2016 إلى 10.2% في عام 2017، خاصة بين فئة الشباب البالغ نسبتها 26.5%.

ومنذ أن حررت المغرب أسعار الوقود في عام 2015، تشهد منتجات البنزين بجانب الديزل ارتفاعات متتالية من مستوى قدره 7 درهم للتر الواحد للبنزين إلى أكثر من 11 درهم في الوقت الحالي، ويتزامن ذلك مع اتخاذ البنك المركزي قرارًا، في يناير 2018، بتحرير سعر الدرهم، بحيث يتحرك نطاق تداوله مقابل الدولار إلى 2.5% صعودًا وهبوطًا من سعر مرجعي مقارنة مع 0.3% في الماضي، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة استيراد منتجات الوقود في الوقت التي زادت فيه أسعار النفط العالمية لأكثر من 75 دولارًا للبرميل.

وأضفت بعض الترجيحات التي أشارت إلى تحقيق الشركات الثلاث السابقة أرباحًا غير عادلة، نتيجة احتكارها للسوق زخمًا على حملة المقاطعة، وهو ما دعمه تقرير صادر عن البرلمان كشف أن شركات توزيع الوقود سجلت أرباحًا تتجاوز 996% بعد إصدار قانون حرية الأسعار والمنافسة في 2014، أى ما يعادل مبالغ تتجاوز 1.6 مليار دولار.

تأثيرات عديدة:

لا شك أن حملة المقاطعة الأخيرة سوف تفرض مجموعة من التداعيات على الساحتين السياسية والاقتصادية، يتمثل أهمها في تراجع شرعية الحزب الحاكم، وهو حزب العدالة والتنمية، حيث لا تعد الحملة حدثًا عابرًا يكشف سخط المواطنين من عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار فقط، وإنما أيضًا ضعف قدرتها على خلق الوظائف وتوفير مستوى معيشي جيد للمواطنين.

كما أن تزايد الضغوط الشعبية على الحكومة مؤخرًا قد يغير، إلى حد ما، من حساباتها، حيث بدأت، منذ عام 2014، في اجراء إصلاحات اقتصادية على غرار تحرير أسعار الوقود وسعر الصرف، بما يعني أنه ربما لن يكون بمقدورها، في الوقت الراهن، مواصلة خطتها الإصلاحية سواء الخاصة بمجال دعم السلع أو الهيكل الإداري الحكومي.

وتسببت حملة المقاطعة أيضًا في تضرر منتجي الألبان والفلاحين، وهو ما أشار إليه مصطفى الخلفي الناطق باسم الحكومة الذي قال أن انعكاسات ذلك على الاقتصاد لن تقتصر على الشركات المتضررة من الحملة ولكن أيضًا ستمتد إلى أكثر من 150 ألف فلاح يتعاملون مع شركة الألبان.

كما كانت الشركات الثلاثة أبرز المتضررين بطبيعة الحال من الضغوط الشعبية، إذ تراجعت قيمتها السوقية بشكل حاد منذ بداية الحملة وانخفضت قيمة أسهمها بالبورصة بأكثر من 5% منذ نهاية إبريل الماضي وحتى الآن، على نحو يبدو طبيعيًا نتيجة تعرضها لخسائر كبيرة في المبيعات بسبب المقاطعة مثل شركة سونطرال التي فقدت 20% من مبيعاتها منذ تصاعد المقاطعة وتكبدت بسبب ذلك خسائر بقيمة 15.8 مليون دولار (150 مليون درهم).

لكن على الأرجح سوف تكون هذه الخسائر الاقتصادية مؤقتة ومحددة بانتهاء حملة المقاطعة.

استجابة حكومية:

تبدي الحكومة اهتمامًا خاصًا باتخاذ خطوات ملموسة للتعامل مع الأزمة الأخيرة في ظل تصاعد حدة الضغوط الشعبية واستمرار حملة المقاطعة، وهو ما عبر عنه رئيسها سعد الدين العثماني بقوله أنها تسعى لإيجاد حلول عملية لأزمة مقاطعة الوقود.

واتجهت الحكومة بالفعل للتحرك على مستويات مختلفة منها تشكيل لجنة وزارية لدراسة أسعار المنتجات بالأسواق وتحديد مدى عدالتها من عدمه، في الوقت الذي اقترح فيه وزير الشئون العامة لحسن الدوادي إمكانية وضع سقف أعلى لأسعار السلع الحيوية في الأسواق، فيما أطلقت وزارة الداخلية خطًا هاتفيًا لتلقي شكاوى المواطنين والإبلاغ عن حالات الغش وزيادة الأسعار.

ولا تمثل الخطوات السابقة سوى جزء من تدابير واسعة يبنغي على الحكومة اتخاذها في الفترة المقبلة، ويتمثل أبرزها في معالجة تشوهات السوق بسبب الكيانات الاحتكارية، بجانب التغلب على ضعف كفاءة السلطات الرقابية، وهو ما سوف يساهم في الوصول إلى أسعار عادلة. وكما توصي بعض المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، فإن المغرب بحاجة لنموذج تنموي أكثر عدالة يراعي الفروقات التنموية القائمة بين مختلف المناطق الحضرية والريفية، وما يعنيه ذلك من تسريع وتيرة الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية والتجارية في المناطق المهمشة خاصة في الريف.

ورغم ذلك، يمكن القول إن مدى نجاح الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الشأن سوف يرتبط ببعض المتغيرات الداخلية والخارجية، حيث تنصرف الأولى إلى التعارض بين الرغبة في تحرير الأسواق من أجل تشجيع الاستثمارات الأجنبية من ناحية والضغوط الشعبية من ناحية أخرى.

فيما تتعلق الثانية بكون المغرب مستوردًا صافيًا للوقود، وهو ما يعني أنه في حالة استمرار ارتفاع أسعار النفط بالأسواق الدولية كما هو قائم حاليًا، فلن يكون بمقدور الحكومة إجراء خفض كبير للأسعار ما لم تتجه مرة أخرى نحو دعم مبيعات الوقود حتى لو بشكل عرضي.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق