لا فائدة من الحكم بغير تنفيذ.. هل مصر تحتاج إلى تشريع الغرامة التهديدية لتنفيذ الأحكام؟

الثلاثاء، 10 يوليو 2018 04:00 ص
لا فائدة من الحكم بغير تنفيذ.. هل مصر تحتاج إلى تشريع الغرامة التهديدية لتنفيذ الأحكام؟
دار القضاء العالي- أرشيفية
علاء رضوان

التاريخ القضائي الفرنسي يذكر أن الإجراءات التى اتخذتها الإدارة لتنفيذ أحد أحكام مجلس الدولة استغرقت أكثر من ثمانية عشر عاماً وتحديداً من 21 يناير1944 حتى 2 مايو 1962 وإذا علمنا أن ذلك قد حدث في بلد كانت هى أول من قدم للعالم إعلان حقوق الإنسان والمواطن في26 أغسطس 1789 وهو وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية التي تعدت في تأثيرها حدود المواطن الفرنسي إلى كل البشر والتي كانت انعكاساً لفكر التنوير الذي قاده مفكرون كبار مثل جان جاك روسو وجان لوك وفولتير ومونتيسكيو وغيرهم وهو ما شكل الخطوة الأولى لصياغة الدستور بل أن هذا الإعلان ظل يحتفظ بمكانة دستورية في القانون الفرنسي الحالي.

فى السطور التالية نستعرض ملامح دراسة المستشار الدكتور سامح عبدالله - الرئيس بمحكمة الإستئناف، حول الغرامة التهديدية السبيل نحو فاعلية تنفيذ الأحكام القضائية والدور التاريخي للفقه والقضاء وأثره في حركة الإصلاح التشريعي في فرنسا، ومدى الحاجة إلى نظام الغرامة التهديدية في مصر.

وفقاَ لـ«عبدالله» فإنه إذا كانت إجراءات دعوى استغرقت كل هذه الفترة الزمنية في بلد كهذا فماذا إذن عن بلاد لم تأخذ ذات القدر من الاهتمام بحقوق المواطن فكم تستغرق إجراءات الدعوى فيها ؟

إن تذرع الادارة بعدم تنفيذ الأحكام القضائية له حجج كثيرة من بينها عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة للتنفيذ كما أنها ما تلجأ إلى حيل قضائية من شأنها أن تعرقل تنفيد الحكم القضائي الذي لن تكون له أية جدوى دون تنفيذه على الوجه الأكمل، كأن تقدم إشكالاً في تنفيذ الحكم الإداري أمام القضاء العادي وهو جهة غير مختصة إعتباراً بأن الاختصاص بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الإدارية ينعقد للمحكمة الإدارية التي اصدرته وهو أسلوب درجت الإدارة على اللجوء اليه للأسف لا سيما عندما يتعلق الأمر بشأن من الأمور السياسية الأمر الذي يمكننا أن نقول معه أن المشكلة الحقيقية التي تواجه المتقاضيين هنا ليست في حصولهم على أحكام قضائية بل في تنفيذ هذه الأحكام بما يمثل مشهداً أقرب إلى المبارزة بين جهة الإدارة والقضاء الإداري يكون المواطن تحت رحاها-بحسب «عبدالله».

مجلس الدولة يقر حق المضرور

والواقع أن الإدارة ماتزال تتمتع بسلطان واسع في مجال تنفيذ الأحكام القضائية، وهو أمر أقل ما يوصف به أنه شاذ لا يتفق البتة مع ما يجب أن يكون للأحكام القضائية من حجية، وإذا كان مجلس الدولة قد أقر في حكم حديث حق المضرور من تعنت الإدارة من الإشكال في التعويض إذا كان الإشكال في تنفيذ الحكم الإداري كيدياً بأن أقامته الإدارة المحكوم ضددها أمام جهة القضاء العادي لدداً في الخصومة، إلا أن ذلك مرهون بأن يثبت أن جهة الإدارة قد انحرفت عن الطريق القويم مستغلة حق التقاضي استغلالاً سىء إذ تقول المحكمة في هذا الشأن بأنه : «من المقرر أن حق التقاضي مكفول للكافة وأن المقرر أن حقى التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم».

اقرأ أيضا: بعد شائعة إلغائها.. دعوى صحة التوقيع: كيفية قيدها وحجيتها

وعلى ما يبدو أن قضاء مجلس الدولة مازال متردد بخصوص مدى اعتبار مثل هذه الحالة من قبيل التسويف الذي يستحق عنه تعويض للمضرور إذ تقول  :« ولما كانت الظروف والملابسات المصاحبة لإستشكال جهة الإدارة في الحكم الإداري بوقف التنفيذ استخداماً كيدياً ابتغاء مضارة الطاعن كما أنها لم تكشف أن هناك ضرراً فادحاً قد أصاب الطاعن من جراء استخدام جهة الادارة لمكنة الإشكال ..فمن ثم لا يكون طلب الطاعن تعويضه عن إشكال جهة الإدارة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه غير قائم على سند صحيح من القانون».

والحقيقة أننا نرى أن لجوء جهة الإدارة إلى جهة قضاء غير مختصة ولائياً للإشكال في تنفيذ حكم صادر من القضاء الإداري يتحقق معه الضرر الذي يوجب تعويض صاحبه لا سيما وأن الامر ليس بهذا الغموض الذي يمكن أن نلتمس معه العذر لجهة الإدارة.

هذا يؤكد-طبقاَ لـ«عبدالله»- بلا شك عمق المسألة وتعقدها لأننا لسنا أمام خصومة عادية يتساوى أمام قاضيها طرفيها رغم أن هذا ضروري، ويمثل في الحقيقة بديهية الجوء إلى القضاء لكن الواقع في الحقيقة يقول غير ذلك، فكثيراً ماتتعنت الإدارة تجاه تنفيذ الأحكام الصادرة ضددها لصالح الأشخاص وهو شىء ينال من حجية الأحكام القضائية، وهو بلا شك أمر سيء لكن الأسوء منه هو عندما تُلبس الإدارة تصرفها هذا ثوب القانون وتتذرع بحجج واهية من أجل عرقلة تنفيذ حكم قضائي صادر ضددها.

والواقع يشهد أن حجبة الأحكام وحدها لا تكفي لإعمال الحكم، وإنما لا بد من القوة التي تساند هذه الحجية وتضعها موضع التنفيذ الواقعي، وإذا كان القاضي لا يصنع القانون بل يطبقه، فإنه لا يتسطيع ذلك إلا بمعاونة الإدارة التي هى خصم في الدعوى ومن ثم فإن الأمر يختلف بالنسبة للقاضي الإداري عن القاضي في نظام القضاء العادي إذ أن الإدارة ليست خصماً هنا في هذا النظام الأخير بل على العكس فالادارة تعاون القاضي وتؤازره بقوة.

ويُقال مثالاً على ذلك أنه إذا أردنا تنفيذ حكم بطرد شخص من عين اغتصبها فإننا نستعين برجال البوليس ولكن ماذا نفعل لطرد البوليس ذاته فيما لو كان هو الغاصب للعين ؟

لا شك أن الأمر يدق وسنحاول أن نلقي بصيص من الضوء عليه آخذين في الإعتبار أن هذا النوع من الغرامات التهديدية قد وُلد في فرنسا بعد كفاح طويل قاده الفقه والقضاء وأيضاً اسهامات الكتاب على اختلاف طوائفها حتى رأى هذا النظام النور ونأمل أن يقترب موعد ميلاده في منظومة القضاء الإداري في مصر

فما أحوجنا إلى كل ما يمكن معه ارساء حجية الأحكام ليس فقط بالكلمات حتى ولو احتواها منطوق حكم بل كواقع ملموس ترتسم به المراكز القانونية للأشخاص في مواجهة جهة الإدارة وعند هذا فقط يمكننا أن نتحدث مطمئنين عن سيادة القانون وحجية الأحكام.

وستتناول هذه الموضوع في عدة نقاط كالتالي:

أولاً: الحجية وحدها هل تكفي لإعمال الحكم القضائي؟

من الأمور التي يجب أن نتفق عليها أن الحجبة وحدها لا يمكن أن تكفي لإعمال الحكم القضائي وإنما لابد من قوة تساندها ،قوة رادعة يخشاها من لم يمتثل طوعاً فيذعن للحكم رهباً وإذا كان القاضي كما قلنا لا يصنع القانون وإنما دوره أن يطبقه فإنه لا يتسطيع أن يقوم به إلا بمعاونة جهة الإدارة وسلطتها بإعتبارها حائزة للقوة التي تكفل إحترام القانون.

فكيف السبيل إذن إلى تحقيق تلك المعادلة الصعبة ببن حكم يصدره قاض في منازعة إدارية مطلوب من الخصم الذى صدر هذا القضاء ضده وهو جهة الإدارة أن تضعه موضع التنفيذ الواقعي.

وكيف يتصور أن الإدارة وهى حائزة لتلك القوة تستخدمها ضد نفسها ويبدو أن ذلك كان مدعاة لما ارتآه البعض من أن الحكم المدني أو الجنائي أفضل حالاً في التنفيذ من الحكم الإداري تأسيساً على أن الإدارة ليست لها في أى منهما صفة الخصم وإنما هى حارسة لتنفيذها بل أن الأمر يتخطى حدود ذلك فالقاضى الجنائي مثلاً يمكنه أن يوقع غرامة على رجل الإدارة عند امتناعه عن تنفيذ قرار المحكمة دون مبرر ومحاكم الجنايات على سبيل المثال تعرف نوع من الغرامة توقعه على المسئول عن عدم حضور المتهم من محبسه في الجلسة المحددة مما يتعطل عليه الفصل في الدعوى وغالباً يكون المتسبب في هدا هو مأمور السجن أو المسئول عن الترحيلات وهو قرار ينقذ فوراً إلا إذا قدم المسئول عذرا تقبل معه المحكمة اعفائه من تلك الغرامة.  

كما أنها تملك أن تغرم الشاهد من رجال البوليس الذي يمتنع عن الحضور للشهادة دون عذر مقبول بل ويمكن للمحكمة أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتأمر بضبط وإحضاره من أجل أداء الشهادة التي تعدها المحكمة أنها ضرورية. هذه الآلية يفتقدها القاضي الإداري رغم حاجته الماسة إليها التي تعود إلى طبيعة المنازعة الإدارية.

اقرأ أيضا: «ما فيش حاجة اسمها ما عرفش».. متى تطبق قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون؟

ثانياً: طرق التنفيذ العادية هل يمكن اتباعها ضد الإدارة؟

يكشف هذا المبدأ عن التباين الواضح بين مركز الإدارة ومركز الأفراد في نطاق الإجبار على تنفيذ ما رفض تنفيذه من الأحكام اختياراً. فالفرد إذا أبى التنفيذ طوعاً لزمه كرهاً باتباع طرق معهوده في القانون الخاص يطلق عليها طرق التنفيذ التي تتضمن الحجز بمختلف أنواعه سواء كان حجزاً تحفظياً أو عقارياً أو حجزاً على منقول أو حجزاً على ما للمدين لدى الغير.

وذلك كله لا يتبع في مواجهة الإدارة حتى ولو رفضت التنفيذ الإداري تطبيقاً للمبدأ الذي يحظر استخدام هذه الوسائل في مواجهتها.

ثالثاً: هل يملك القاضي توجيه أوامر إلى الادارة؟

القاضي يقضي ولا يدير

علي هذا يجري حديث الفقهاء عند نظر العلاقة ببن القاضي وجهة الإدارة ويقولون أن هذا محض تطبيق لمبدأ الفصل بين الهيئات القضائية والإدارية فالقاضي لا يملك أن يوجه إلى الإدارة أمراً لا بضرورة تنفيذ حكمه خلال أجل معلوم ولا بطريقة إجرائه على نحو معين. وحتى ولو أصاب الحكم بعض الغموض أو انتاب ذلك منطوقه فلا يملك القاضي حيال ذلك سوى إيضاحه من خلال دعوى تفسير دون أن يُتخذ ذلك وسيلة ليصدر أمراً إلى جهة الإدارة لتنفيذ الحكم على نحو معين أو في مدة محددة.

تلك كانت بعض الحجج لعدم وجود وسيلة فعالة يمارسها القاضي الإداري في مواجهة جهة الإدارة من أجل تنفيذ الأحكام التي يصدرها.

رابعاً: الرد على الحجج التي قِيل أنها تمثل عقبة في سبيل ضمان تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية

في الحقيقة لم يتوان الفقه في فرنسا عن انتقاد مثل تلك الحجج إنتقاداً عظيماً كان من أثره هو بزوغ فجر حركة إصلاح كبري شهدتها فرنسا بخصوص هذا الشأن

فيقول الفقه في معرض الرد على حجة أن الإدارة تحوز القوة اللازمة لتنفيذ الأحكام أن هذا المنطق قد آن الآوان أن يأفل ويتوارى وإلا فكيف نفسر مثول الإدارة أمام القاضي العادي ويحكم عليها في حالة غصب السلطة Voie de fait بذات ما يحكم على الأفراد العاديين وتنفذ طائعة هذه الأحكام على نفسها بينما لا يكون ذلك متاحاً أمام القضاء الإداري بل وأكثر من ذلك فمقدور القاضي العادي بموجب القانون 1979 أن يوجه أوامر تنفيذية إلى الإدارة لإجبارها على تنفيذ أحكامه في مواجهتها والحكم عليها بغرامة تهديدية عن كل يوم تتأخر فيه عن التنفيذ.

فلماذا إذن في شأن الأحكام الإدارية وهى تحتاج مثل هذه الإجراءات أكثر لا يكون الأمر بالمثل؟

والحقيقة أن بقاء ذلك الأمر لا يفسره إلا أن هناك دولة بوليسية تستعين فيها الإدارة بإمتيازاتها لتعطيل أحكام القانون وهو ما لا يجب أن يكون له مكان في دولة سيادة القانون.

وأما بشأن الرد على حجة حظر اتباع طرق التتفيذ العادية ضد جهة الإدارة لأنها تملك من اليسار المالي ما يجنبها الإلتحاء ضددها بمثل هذه الوسائل عند التنفيذ بشأن الأحكام المالية فالرد عليه يسير جداً عندما يُقال أنه إذا كان اليسار المالي قد بلغته جهة الإدارة إلى هذا الحد فلماذا إذن تتعلل كثيراً بعدم التنفيذ لعدم وجود الاعتمادات المالية؟!

وأما بشأن الرد في تبرير الحرص على الصالح العام الذي قد يتأثر بعرقلة أعمال الإدارة فيما لو اتبعنا طرق التنفيذ العادية ضددها فلا نجد سبيلاً للرد على تلك الحجة أكثر مما قالته المحكمة الإدارية العليا (حتى ولو كان حكمها في مقام آخر).إذ تقول.. «لا يكفي للقول بأن القرار الإداري غير مشروع أن يكون قد جانب غايات الصالح العام التي يحددها القانون وإنما يكون كذلك غير مشروع إذا استند إلى غاية من غايات الصالح العام يكون ظاهراً ومؤكداً أنها أدنى من أولويات الرعاية من غايات وصوالح قومية أسمى وأجدر بالرعاية..».

لا مرية إذن في أن احترام الأحكام مصلحة أقوى وأجدر بالرعاية من المصلحة العامة التي يتغياها مبدأ الحظر لا سيما وأنه أيضاً سوف يؤدي إلى رسوخ ثقة المتعاملين مع الدولة التي تحترم أحكام القضاء وتضمن حقوقهم قبلها.

ولعل هذا الذي دار في خاطر تشرشل رئيس الوزراء التاريخي لبريطانيا حين رفض بحزم ودون تردد عدم تنفيذ حكم قضائي بازالة مطار حربي أُقيم بجوار إحدى المحاكم البريطانية حال صخبه دون تمكن قضاة المحكمة من الفصل في الدعاوى المطروحة عليهم مما أفضى إلى صدور حكم بإزالته وعلى الرغم من ظروف الحرب حالئذٍ استلزمت إقامته إلا أن الرجل لم يتردد في قبول حكم القضاء والأمر بتنفيذه بإزالة المطار قائلاً.. " أكرم لنا أن يقول العالم أن بريطانيا قد خسرت الحرب من أن يقول أحد أنها لم تحترم أحكام القضاء "

ويٌقال أيضاً في ذات السياق أن شارل ديجول عندما عاد من منفاه في بريطانيا بعد انسحاب قوات النازي سأل عن حال القضاء فلما قِيل له أنه بخير قال إذن فرنسا بخير. ولقد انتصرت كل من بريطانيا وفرنسا في الحرب.

وأما بشأن الحظر على القاضي الإداري توجيه أوامر إلى الإدارة فتلك حجه واهية ما كان يجب أن تظل عقبة تمكث طويلاً إذ إنها تتصف كما قِيل بحق بعدم المعقولية على نحو ما يردده القضاء الجنائي أحياناً إزاء بعض الوقائع فلا يصح القول أن حظر ذلك يرجع إلى مبدأ الفصل بين الهيئات إذ كما يقول الفقيه الفرنسي CHEVALlIER إن ذلك لم يمنع القاضي العادي من توجيه أوامره إلى الإدارة ولماذا لم يحل بينه وبين إجباره لها على تنفيذ ما يصدره من أحكام مستخدماً في هذا الشأن الغرامة التهديدية؟

وما نظن أن أحداً ينكر أن له قي حالات كثيرة منها غصب السلطة كما أشرنا أن يأمرها برد ما أُغتصب أو بطردها مما عليه بغير حق استولت.

بل أن القضاء الإداري ذاته يملك في دعوى القضاء الكامل سلطات واسعة في مواجهة الإدارة تصل إلى درجة تحديد ما يجب عليها عمله تنفيذاً لحكمه ولم نر معترضاً على ذلك بحجة بأنه يمثل خروحاً على هذا المبدأ وعلى الفرض أن الحظر يتأسس على هذا المبدأ أما كان أولى أن يساير أنصار هذا الرأى منطقهم فيجعلون الحظر عاماً وطالما أنه يتأسس على أصل أو مبدأ واحد وإلا فهل يعقل أن يتغير تفسير المبدأ بتغير القضاء الذي يفصل في الدعوى أو حتى تبعاً لنوع الحكم أو الدعوى ذاتها فيكون له تفسيران: أحدهما يحظر أو يمنع والآخر يجيز أو يمنح؟

والحقيقة فإن تطبيق هذا الحظر الذي لم يطبقه مجلس الدولة إلا منذ عام 1872 بعد أن تحول فيه من طور القضاء المقيد إلى القضاء المفوض فإنه يعد من قبيل التقييد الذاتي الذي فرضه مجلس الدولة على نفسه دون سند قانوني بينما كان القاضي العادي أكثر منه جرأة على التحلل من هذا القيد فوسع سلطاته تجاه الإدارة معتبراً إياها خصماً عادياً له أن يتخذ في مواجهتها كافة ما يتخذه تجاه الخصوم العاديين من وسائل تكفل الاحترام لأحكامه بل أن محكمة النقض الفرنسية قد أكدت هذا المعنى في أكثر من حكم قالت فيه أن سلوك القاضي العادي هذا لا يعد خرقاً لمبدأ فصل السلطات ذاته.

الأمر إذن بالنسبة للقاضي الإداري لا يعدو أن يكون وكما يقول الفقه نوعاً من التقييد الذاتي auto--limitation يفرضه هو على نفسه بغير مبرر فالأمر لا علاقة له من قريب أو بعيد لا بمبدأ فصل السلطات ولا فصل الهيئات.

اقرأ أيضا: ميغركيش تدينه واكتبى قايمتك..كل ما تريد معرفته عن جريمة تبديد قائمة المنقولات الزوجية

والغريب أننا نعترف للقاضي الإداري رغم ذلك باتخاذ ما يلزم من قرارات يوجهها إلى جهة الإدارة بشان منازعة معروضة عليه بما يمكن تسميتها بأوامر تحقيق les injunctions ďinstraction تتعلق بتحقيق الدعوى المعروضة إليه كالأمر بضم ملف أو تقديم مستند منتج في الدعوى وغيرها من القرارات وهى تمثل في حقيقتها أوامر لجهة الإدارة.

خامساً: نظرة القوانين والمحاكم الأوروبية تجاه هذا الحظر

إن النظرة العابرة إلى كثير من القوانين الأوربية تكشف عن زيف هذه الحجة فنجد القانون الألماني يعطي للقاضي ليس فقط الحق في أن يأمر الإدارة بما يراه لازماً لتقييد حكمه وإنما يعطيه أيضاً الحق في توقيع غرامة تهديدية عليها عن كل يوم تتأخر فيه عن التنفيذ.

بل أن القانون الإيطالي لا يتوقف عند هذا الحد وإنما يتماثل مع القانون الانجليزي في الاعتراف للقاضي الإداري بالحلول محل الإدارة في اتخاذ القرار الذي كان يجب عليها اتخاذه تنفيذاً لحكمه. وفي القانون البلجيكي يكون لمجلس الدولة ذات السلطات وكل هذا لم يقل أحد معه أنه يمثل خرقاً لمبدأ فصل السلطات بل أن للفقيه الكبير Jeze مقولة قالها مع مطلع هذا القرن بأن هذا المبدأ ليس إلا خرافة قديمة un Vieux Mythe اصطنعتها أنظمة مستبدة لا يستقيم وجوده الآن بما يرتبه من آثار مع دولة سيادة القانون.

36682115_216588959173337_7384354151234273280_n
المستشار سامح عبدالله

وأما بشأن أحكام القضاء فإن حق المتقاضي في المحاكمة العادلة le procès --equitable يعد من أهم حقوقه الأساسية وهذا الحق يُنظر إليه في قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أنه ذو ثلاث شعب: حق الإلتجاء إلى القضاء الطبيعي ،حسن سير الخصومة بما يتضمنه من كفالة الدفاع،وأخيراً الحق في التنفيذ الفعال للحكم.

والحقيقة لا نريد أن نبرح الحديث عن تفنيد الحجج التي ساقها أنصار مبدأ عدم تدخل القضاء في أعمال الإدارة قبل أن نقول أنه أمر يثير العجب فعلاً إذ كيف يحظر على القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة رغم أنه يمارس هذه السلطة واقعياً في كل حكم يصدره!!

فالنظرة المتأنية للحكم الإداري تنبئنا أنه لا يعدو أن يكون أمراً يوجهه مصدره إلى الإدارة إما بالقيام بعمل أو بالإمتناع عن آخر. فليست مهمة القاضي فحسب أن يعلن حكماً مجرداً على واقعات الدعوى وإنما باتخاذ ما يلزم لتنفيذه أى أنه بلغة إجرائية أكثر دقة لا يقتصر على بيان حكم القانون jurisdiction وإنما يتجاوزه إلى ما يجب تنفيذه imperium ولنقف على ما يقوله الفقيه PERROT وننتبه إليه إذ يقول : «إن وظيفة القاضي لا تقتضي فحسب النطق بحكم القانون. وإنما أيضاً سلطة الأمر باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لكى يأخذ هذا الحكم طريقه إلي التطبيق العملي ،وتلك مكملة لسلطته في الحكم».

ويقول أيضاً الفقيهDuguit في ذات السياق " إن كل حكم يصدر من القاضي الإداري هو بالنسبة للإدارة بمثابة توجيه أمر،حتى وإن لم يكن صريحاً فعلى الأقل أنه أمر بالامتثال لحجية الأمر المقضي به وإعمال كل ما يترتب عليه من نتائج"

ولعل ذلك ما دفع القضاء العادي أن يبتدع نظام الغرامة التهديدية وأيدته محكمة النقض لأول مرة بحكمها الصادر في 28 ديسمبر 1824 قبل أن تمتد يد المشرع في 5 يوليو 1972 لتجعل منه تقنين إيمانا بأن دور القاضي لا يقف فقط عند إصدار الحكم بل تنفيده.

ومن العجيب حقاً أن يقر مجلس الدولة ذلك الحق للقاضي العادي ثم يحظره على القاضي الإداري.

سادساً: قصور الوسائل التقليدية عن إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الادارية:

ابتدعت الأنظمة القانونية طائفة من الوسائل التي قصدت منها ضمان تنفيذ الأحكام الإدارية بعيداً عن تعنت الإدارة ولعل أبرز هذه الوسائل تتجلى في وسيلتين هما: الدعوى الإدارية والدعوى الجنائية.

(أ) الدعوى الإدارية:

وهى الدعوى التي يلجأ إليها المتقاضي الذي صدر له حكم امتنعت الإدارة عن تنفيذه بقصد أن يحوز حكم آخر بعدم مشروعية امتناع الإدارة عن التنفيذ سواء كانت دعوى إلغاء قرار الإدارة الصريح برفض التنفيذ أو الضمني بإمتناعها عن الامتثال للحكم أو كانت دعوى تعويض عن خرقها لحجية الشىء المقضي به لكن السؤال هنا وبصرف النظر عن المدة التي يمكن أن تستغرقها إجراءات هذه الدعوى ماذا لو رفضت الإدارة مرة أخرى الامتثال لهذا الحكم الأخير أو تحايلت على التنفيذ ؟! ألم يحدث في فرنسا معقل الديمقراطية أن مجلس الدولة ألغى أكثر من ست مرات قراراً لأحد العمد بفصل أحد الموظفين وفي كل مرة يلغي المجلس قرار العمدة يصدر هذا الأخير قراراً جديداً بالفصل ولقد شبه أحد الفقهاء الفرنسين ذلك بأنه عباره عن مبارزه بين القاضي والإدارة وأننا في مثل هذه الحالة نكون بصدد موقف سيء التنظيم.

وحال دعوى التعويض لا يقل قصوراً في هذا الشأن عن دعوى الإلغاء فالواقع يكشف عن أوجه قصور شديدة بشأن هذه الدعوى فهى لا تحقق تنفيذاً للحكم كما هو معلوم وإنما تجبر الأضرار الناجمة عن عدم التنفيذ سواء تمثلت في كسب فات أو في خسارة لاحقة ولذا يعبر عنها الفقيه Auby بأنها لا تعدو أن تكون ثمناً تشتري به الإدارة حريتها في الامتناع عن التنفيذ ووسيلة تحقق بها رغبتها في الخروج الواضح على القواعد القانونية وخرق المشروعية وما أبخسه من ثمن إذا قُورن بفداحة الخطأ.

(ب) الدعوى الجنائية:

رغم أن هذه الدعوى تمثل وجهاً للحماية الدستورية للأحكام القضائية على اعتبار أن الدستور جعل الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها من جانب الموظفين العموميين جريمة يعاقب عليها القانون ويكون للمحكوم له حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة وتأتي المادة 123 من قانون العقوبات لتعاقب بالحبس والعزل كل موظف يستعمل وظيفته في وقف تنفيذ حكم صادر من المحكمة كما تعاقب كل موظف عمومي يمتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ هذا الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاصه.

ورغم ما يقال عن فاعلية هذه الوسيلة وعظيم نبلها إلا أن الواقع العملي قد أوضح لنا أن هناك عقبات إجرائية وأخرى موضوعية تقف حائلاً دون تحقيق مبتغاها. فالجريمة عمدية تٌدفع بإنتفاء ركن العمد حتى ولو تحقق الخطأ كما أن الحصانة البرلمانية التي ربما يتمتع بها الموظف الممتنع عن التنفيذ تشكل حجر عثرة في سبيل فاعليتها وفي قضاء كان قد صدر من محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار الاداري بمنع الاحتفال بذكرى مصطفي النحاس رئيس الوزراء ورئيس حزب الوفد الأسبق في 19 أغسطس 1980 وقفت الحصانة البرلمانية حائلاً دون محاكمة المسئولين عن عدم تنفيذ هذا الحكم جنائياً. 

اقرأ أيضا: علاقة مفهوم إيقاف تنفيذ العقوبة بحماية المُجرم المبتدئ: إن عاد عدنا

كما أن الواقع القضائي يشهد بأن القضاء الجنائي يسرف فى القضاء بوقف التنفيذ في مثل هذه القضايا عندما تسارع الإدارة إلى التنفيذ بعد أن تكون قد تعمدت حقاً الامتناع عن تنفيذه مما يضعف فكرة الردع الذى هو وجه الحكم الجنائي.

وحتى عندما يصل الحكم الجنائي إلى مبتغاه بالتنفيذ فإن تنفيذ الحكم الإداري الذي هو غاية المتقاضي سيظل حتى مع القضاء بالعقوبة الجنائية معطلاً ويالها من مأساة أن يلجأ الشخص إلى القضاء الجنائي من أجل السعى إلى تنفيذ الحكم الاداري وقد وصفها فقيه القانون الأستاذ الدكتور رمسيس بهنام أنها وصمة تصيب دولة القانون أن يكون تنفيذ الأحكام فيها بإتباع الأسلوب الجنائي فليس من المعول الإتجاء إليه لتحقيق هذه الغاية في الوقت الذي تحد الدول المتمدينة من الاعتصام به وتقلع عن اتباعه بالنسبة لجرائم عديدة لا تنكر خطورتها.

 

سابعاً: البحث عن وسائل فعالة تكفل تنفيذ الأحكام الإدارية:

 

إزاء هذا القصور في فاعلية الوسائل التي تجبر الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري ابتدع المشرع الفرنسي وسيلتين للقضاء على عنت الإدارة في التنفيذ هما: قسم التقريرات والدراسات والوسيط وكما هو واضح انحسار الصفة القضائية عنهما.

 

(أ ) "قسم التقرير والدراسات"

 

تم انشاء هذا القسم بموجب لائحة تنظيم مجلس الدولة والمادة 931 فقرة ثانية من قانون المرافعات الإدارية الجديد الذي أنشأ هذه القسم وقد أُنيط به تزليل العقبات أمام تنفيذ الحكم الإداري عن طريق فحص الطلب الذي يقدمه صاحب الشأن وله في سبيل تأديته مهمته الاتصال بالوزير المختص واحاطته علماً بموقف الإدارة التابعة له الممتنعة أو المتراخية في التنفيذ وذلك طبقاً لآليات معينة الجامع المشترك بينها أنها غير فعاله بالقدر المأمول وذلك لافتقارها الجزءات التي تكفل تنفيذ ما تتخذه من إجراءات وكل ما يمتلكه هذا القسم فيما لو فشلت مساعيه نحو تنفيذ الحكم الاداري هو أن ينشر أنباء ذلك في تقريره السنوي بمجلة مجلس الدولة " دراسات ووثائق".

 

(ب) نظام الوسيط:

 

وقد أُنشأ بمقتضى القانون رقم 6 لسنة 1973 المعدل وهو عضو برلماني يقوم بدور الوسيط بين المحكوم له والادارة يلجأ إليها لإجبارها على تنفيذ حكم رفضت أو أهملت في تنفيذه. ولقد نظم المشرع طريقة عمله فتطلب ثلاثة شروط لطلب وساطته تتمثل في التالي :

أولها يكون الحكم المطلوب تنفيذه صادراً من جهة قضائية سواء كان قضاء عادياً أم إدارياً. وثانيهما أن يكون الحكم حائراً لقوة الأمر المقضي به أى لا يكون قابلاً للطعن بطرقه العادية وإن كان يقبل الطعن بالطرق غير العادية كالالتماس بإعادة النظر والنقض. وأخيراً أن يتقدم المحكوم له بطلب وساطته.

وإذا كانت سلطات الوسيط تفوق في هذا الشأن سلطات قسم التقرير من حيث أنه يستطيع توجيه أوامر إلى الإدارة بضرورة التنفيذ وله أن يحدد مدة زمنية معينة إلا أنه نادراً ما يستعملها لدرجة أنها لم تمارس إلا مرة واحدة عام 1990 وحتى على فرض تعدد ممارستها لتلك السلطات فإنها تظل عقيمة عديمة الفاعلية وطالما أنها لم تقترن بجزاءات يمكن أن يوقعها على الإدارة حال عدم الامتثال إليها وهذا ربما ما أفضى بالفقه إلى أن يحسم رأيه بشأنها معتبراً إياها وسيلة غير فعاله فى حمل الإدارة ولو كرهاً على احترام حجية الأحكام الإدارية.

ثامناً: بزوغ فجر ثورة تشريعية:

كان لقصور الوسائل السابقة في حمل الإدارة على تنفيذ ما يصدر في مواجهتها من أحكام دافعاً قوياً للمشرع الفرنسي إلى الأخذ بفكرة وليدة أخذ بها لأول مرة في مجال القضاء الإداري ونقصد بها الغرامة التهديدية لكفالة تنفيذ الأحكام الإدارية ليحقق رغبة رجال القضاء الإداري أنفسهم الذين طال -- كما يقول المستشار بريان-- تطلعهم ليوم يتدخل فيه القاضي الإداري بفاعلية في تنفيذ أحكامه.  

أو كما يقول رجال الفقه :أن يغلق القاضي الإداري قوساً قد فتحه بنفسه منذ نهاية القرن الماضي.

وتطبيقاً لذلك صدر القانون رقم 539 لسنة 1980 في 15 يوليو 1980 استغرق إعداده ثلاث سنوات وثلاثة أشهر لينص في لحظة تاريخية في مادته الثانية على أن لمجلس الدولة في حالة عدم تنفيذ حكم صادر من القضاء الإداري الحكم ولو بصفة مباشرة بغرامة تهديدية على الأشخاص الاعتبارية العامة بقصد ضمان تنفيذه.

ثم استمرت ثورة التجديد التشريعي بمد نظام الغرامة إلى الأحكام الصادرة في مواجهة الأشخاص الاعتبارية الخاصة المكلفة بإدارة مرفق عام ثم تجلت الثورة التشريعيه هذه في عدة أمور منها أنها اعترفت لمحاكم القضاء الإداري على اختلاف درجاتها بسلطة توجيه أوامر للإدارة يستلزمها تنفيذ أحكامه ومنعت تركز سلطة الحكم بالغرامة في يد مجلس الدولة وفي بحث دستورية القانون رقم 125 لسنة 1995 الذي منح القاضي الإداري هذه السلطة مهدراً القيد الذي ضربه عليه المشرع الفرنسي أكد المجلس الدستوري أن الأعتراف للقضي الإداري بسلطة توجيه هذه الأوامر لا يعد خرقاً لمبدأ فصل السلطات وانما هو من مقتضيات تفعيل دوره في تنفيذ ما يصدره من أحكام على نخو يستوجبه مبدأ خضوع الدولة للقانون مما يؤكد عدم تعارض ذلك مع أى نص دستوري.

ثم لم تتوقف تلك الثورة التشريعية في تفعيل دور القاضي الإداري في تنفيذ أحكامه عند هذا الحد وإنما مضى المشرع في ذات الطريق إلى غاية عظيمة كان يرجوها الفقه ويأملها القضاء إذ جمع شتات النصوص المنظمة لإجراءات التقاضي أمام القضاء الإداري في تقنين واحد على غرار ما عليه الحال في المرافعات المدنية والإجراءات الجنائية وبذلك تُوجت جهود الفقهاء والكتاب والقضاة الفرنسيين ببزوغ أكبر حركة إصلاح تشريعي لن يشع فجر نورها على فرنسا وحدها بل على كل دولة تتخذ من سيادة القانون واحترام حجية الأحكام القضائية دستوراً لها.

تاسعاً: مدى الحاجة إلى نظام الغرامة التهديدية في مصر:

بعد هذا السرد الذي ربما يقترب من السرد التاريخي والذي رأيناه أنه يمثل مقدمة لازمة للحديث عن فاعلية هذه الوسيلة من وسائل إجبار الإدارة نحو الاحترام الكامل والغير منقوص لحجية الأحكام القضائية نتساءل: هل نحن بحاجة إلى هذه الوسيلة في مصر؟

والإجابة:.نعم بكل تأكيد، فهده الوسيلة التي أظهرتها أفئدة وضمائر الفقهاء الفرنسيين ليست لها موطن مثل كل الأفكار لا سيما تلك التي ترسخ حقوق الإنسان ومن بينها بطبيعة الحال الحق في المحاكمات العادلة بالمعني الشامل الذي أشرنا إليه آنفا والذي أرسته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومن أهمها حق الشخص في أن ينفذ القضاء الصادر لصالحه تنفيذاً مكتماً وسريعاً.

وفي ذلك يقول البعض.. «لقد شاعت ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية خاصة تلك التي ضد الإدارة حتى أن تقرير مجلس الدولة في عام نشأته الثالثة نادى في مضمونه إلى ضرورة تحقيق إصلاح خطير في نظام القضاء الإداري. فقد علت الأصوات تنادي بوجوب كفالة التنفيذ للأحكام التي يصدرها هذا القضاء فإن بعضاً من هذه الأحكام لا تنفذ أو تنفذ في كثير من التراخي».

وفي شأن ذلك تقول محكمة القضاء الإداري في أحد أحكامها «إن عدم تنفيذ جهة الإدارة الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى بالتذرع بأنها لم تكن مدفوعة بشأنه بدوافع شخصية توقع بها في حومة مخالفة القانون. فذلك الزعم لا يمكن أن يكون مسوغاً لعدم تنفيذ الحكم أو مبرراً لها لانتهاك ماله من حجية بل وعلى فرض صحته فإنه يمكن دفعه بأن تحقيق المصلحة العامة لا يمكن أن يكون سبيله النيل من حجية الأحكام كما لا يمكن تحقيق المصالح باتباع السبل غير المشروعة. إذ أن نبل الغاية لا يبرر مطلقاً عدم مشروعية الوسيلة».

وتضيف المحكمة.. «فكما أنه لا قيمة للقضاء بغير حكم عادل، كذلك لا فائدة من الحكم بغير تنفيذ سريع». محكمة القضاء الإدارى: 23 سبتمبر 2006

ومن ثم فإننا علينا أن نوقن بأن أول مقومات الحق في العدل ليس أن يحوز شخص حكماً قضائياً مرصعاً بمنطوق يقر له حقاً في مواجهة جهة الإدارة بما تمتلكه من قوة وبطش بل من اللحظة التي تنصاع هذه الجهة وتضع هذا المنطوق موضع التنفيذ الفعلي. دعونا نردد في ختام هذا اللمحة عن الغرامة التهديدية عبارة تشرشل الخالدة.. «أكرم لنا أن يقول العالم أن بريطانيا قد خسرت الحرب من أن يقول أنها لم تحترم أحكام القضاء».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق