أثر المخدر يُنعش أوروبا.. هل تنفجر فقاعة الحرب الاقتصادية فوق رأس القارة العجوز؟

الثلاثاء، 10 يوليو 2018 04:00 م
أثر المخدر يُنعش أوروبا.. هل تنفجر فقاعة الحرب الاقتصادية فوق رأس القارة العجوز؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخريطة القارة الأوروبية
حازم حسين

 

المخاوف تتصاعد في شرق آسيا، وفي أمريكا الشمالية، بينما يمضي قطار أوروبا في طريقه مستقرا، فيما يبدو أنه ليس نجاة فقط من آثار الحرب الاقتصادية المتصاعدة، وإنما مزيدا من الفرص والمكاسب على حساب هذه الحرب.

يرى أشد المتابعين تفاؤلا أن آثار الصراع الاقتصادي وحرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، لن تظل حبيسة المجال الاقتصادي للبلدين، في ضوء علاقاتهما الاقتصادية المتشعبة، وأذرعهما الأخطبوطية المطوقة لخاصرة العالم.

على الجانب المقابل، تحمل بعض التوقعات المتفائلة إشارات إلى نُذر فائدة وعوائد إيجابية على بعض الاقتصادات الصغرى، لكن يظل هذا الأمر مرهونا بانضباط ميزانها التجاري، وعدم اضطرارها لتحمل فاتورة ضخمة للواردات السلعية، والأهم أن تملك مناخا استثماريا تنافسيا، يمكن أن يُشكل بيئة جاذبة للاستثمارات المحتمل هروبها من مناطق الصراع المشتعلة.

الخطير في هذا المناخ المحاط بالتوجس، أن الطلقات الأولى المتبادلة في الحرب الاقتصادية، المُنتظر توسعها وتورط مزيد من الدول فيها خلال الفترة المقبلة، قد تثير من الغبار والأدخنة ما يصنع سحابة داكنة تحجب الرؤية، أو فقاعة مرحلية تشي بالاستقرار، بينما تحمل في داخلها مخاطر الانفجار المباغت.

من هذه الزاوية قد ينظر المتابعون لمؤشرات الأداء الإيجابي لأسواق المال الأوروبية والآسيوية عقب إطلاق صافرة الحرب، فبينما تتكبد بكين وواشنطن عشرات المليارات من الدولارات رسوما جمركية إضافية، بالتأكيد ستتحملها الشركات المنتجة والمستهلكون النهائيون، تقفز أسهم مؤشر "نيكي" الياباني، وتحقق الأسهم الأوروبية أداء إيجابيا للغاية.

بحسب مؤشرات التداول اليوم الثلاثاء، سجلت أسعار الأسهم الأوروبية ارتفاعا ملحوظا، في ضوء حالة التعافي التي تشهدها الأسواق العالمية، وتراجع حدّة المخاوف بشأن آثار الحرب التجارية وانعكاساتها، وجاءت الزيادة بواقع 0.1% لمؤشر ستوكس 600، مسجلا مكاسب ملموسة لليوم السادس، مدعوما بأداء قوي من قطاع السلع.

آثار التوتر لم تكن غائبة عن أداء المؤشر، فبفعل المخاوف المتصاعدة بشأن الصراع الأمريكي الصيني ارتفعت أسعار النفط، وكان هذا الارتفاع داعما كبيرا لأداء مؤشر ستوكس، خاصة مع صعود القطاع 0.9%.

بعض المحللين يُرجعون هذا الصعود الجيد إلى هروب مستثمرين وأموال ساخنة من الأسواق المالية القريبة من مناطق الصراع، واعتبار البورصات والأسهم الأوروبية ملاذا آمنا، وهو الأمر الذي يرد عليه آخرون بأن البحث عن ملاذ آمن كان من الطبيعي أن يرفع أسعار الذهب، وهو ما لم يحدث، ما يُعني أن هذا الصعود ليس إشارة لتدفقات مالية ومستويات أمان أكبر في أسواق أوروبا، وإنما يمكن أن يكون تعبيرا أعمق عن الفقاعة التي يصنعها الخوف.

حتى الآن لا يبدو أن الأمور قد تتطور قريبا باتجاه تورط القارة العجوز في الحرب التجارية بشكل واسع وعميق، فباستثناء حزمة الرسوم التي فرضها الرئيس الأمريكي قبل أسابيع على بعض الواردات من عدة دول بأوروبا والأمريكتين، لا تتوفر مؤشرات بشأن اتجاه واشنطن لتوسيع مدى هذه الإجراءات الحمائية لتطال أوروبا بشكل أكبر، رغم تهديدات الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" وتأثيراتها الكبيرة المتوقعة على القارة، وعلى المتعاملين الكبار معها، وفي مقدمتهم أوروبا بالطبع.

الملمح السابق لا يُعني أن أوروبا في مأمن، فالفاتورة التي سيتحملها المنتجون الأمريكيون والصينيون لقاء دخول أسواق البلدين، سيتجهون غالبا لتحميلها للمستهلكين في كل الأسواق، لخفض مستويات التصاعد في أسعار منتجاتهم في بعض الأسواق عن غيرها، والإبقاء على معامل التنافسية في أعلى حالاته الممكنة.

هكذا يمكن أن تجد القارة الأوروبية نفسها تسدد فاتورة الاشتباك بين الغول الأمريكي والتنين الصيني، وقد يستحسن ترامب نتائج الآثار الحمائية فيوسّع مداها لتطال أوروبا، وربما تجد القارة نفسها مضطرة لاتخاذ المسلك الحمائي وفرض مزيد من الرسوم على وارداتها، لتعزيز مراكزها المالية ودعم مصانعها ومنتجاتها.

هذه الحالة من الارتباك ربما لم تصل موجاتها لكثير من أسواق المال والمتعاملين فيها، لكنها قد تطل برأسها في الأيام المقبلة، بينما على الجانب الآخر تتضخم فقاعة المكاسب اللحظية جرّاء الحرب، وتحقق الأسهم الأوروبية قفزات واسعة، في انتعاشة واضحة لكنها من أثر المخدر الذي يتمدد في شرايين أوروبا وأسواق المال والاقتصادات الكبرى، بينما قد تنفجر هذه الفقاعة في أي وقت فوق رأس القارة العجوز.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق