الغائب الحاضر

الجمعة، 10 أغسطس 2018 05:38 م
الغائب الحاضر
شيرين سيف الدين

 
ما أجمل أن تأتى لهذه الدنيا وترحل وكأنك لم ترحل، تذهب وتترك خلفك عبيرا لا ينسى ولا يختفى أثره الطيب، وتترك أخلاقا ومبادئ تعيش عليها أجيال يعملون بها فى كل موقف يقابلهم وكأنك حفرت فيهم نقشا باقيا مدى الحياة.
 
يوم ٦ أغسطس ٢٠٠٤ إحساس حزين وشعور عام بألم الفقد انتاب الآلاف بل الملايين لصديق ومثل أعلى لجيل كامل، كان ينتظر يوم الجمعة من كل اسبوع بشغف كى يقرأ قصة واقعية جديدة تم انتقاؤها بعناية لما تحتويه من خبرات ومواقف وامتزاج لمشاعر متنوعة ونهايات سعيدة كانت أو تعيسة، لكنها عبرة وخلاصة لتجربة إنسانية يستفيد منها الجميع، والأقوى والأجمل من القصة كانت نصائح وردود الراحل الجميل والإنسان الراقى عبد الوهاب مطاوع والتى كانت تصيب الهدف دون أن تخطؤه، فقد كان دائما ما يستشهد بآيات القرآن والأحاديث أو أجزاء من الإنجيل وسير الأنبياء، ويطعم ردوده بأبيات الشعر وأقوال الحكماء وخبراته الشخصية التى يستطيع منها صاحب المشكلة اتخاذ القرار الصحيح والحكم على الأمر بشكل منطقى ومحايد، ويستفيد منها جميع القراء مستقبلا، حتى أننا ولوقتنا الحالى حين نمر بتجربة أو محنة مشابهة نسترجع مما حفرته آرائه بداخل عقولنا ما يساعدنا فى تجاوز المحنة.
 
فقد استطاع نقل خبرات قوية وكبيرة لعقول أطفال صغار أصبحوا اليوم كبار، واستطاع غرس عواطف تجعل القلب يتألم أو يسعد مع كل كلمة مكتوبة، أما العيون فكانت تزرف دموعا غزيرة على تلك المآسى الإنسانية، وإلى اليوم فالذاكرة تستدعى كل تلك الحكايات رغم مرور الزمان.. يكفيه أنه استطاع تعليم الناس بمن فيهم من كانوا أطفالا قيم الإنسانية والرضا والقناعة والحمد والعطاء والإيثار والتضحية، وجعلنا نضع المثل الشعبى القائل ( اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته ) نصب العينين دائما فيخفف عنا ما نعانيه فى بعض المواقف الصعبة.
 
نفتقد فى الوقت الحالى العقول المثقفة الحكيمة والقلوب الرحيمة أمثال الراحل عبد الوهاب مطاوع رحمه الله، فقد كان يستخدم أسلوبًا أدبيًا راقيًا ومتميزا فى الرد على الرسائل التى يختارها للنشر من آلاف الرسائل التى تصله أسبوعيًا، وكان أسلوبه يجمع بين العقل و المنطق والحكمة، و يسوق فى سبيل ذلك الأمثال و الحكم والأقوال المأثورة، وكان يتميز برجاحة العقل و ترجيح كفة الأبناء وإعلاء قيم الأسرة فوق كل شئ آخر وهو ما نحتاج إليه اليوم كى نرتقى بالمجتمع من جديد، ومما لا شك فيه أن كثيرا من الناس استفادوا من ردوده المميزة، والتى لم  يقسو فيها على صاحب المشكلة فى الرد مهما كان حجم ما اقترفه من ذنب، بل كان يسعى دائمًا لمساعدة صاحبها، وكان يستقبلهم أحيانًا فى مكتبه، أو يوجههم لمن باستطاعته مساعدتهم على حل مشكلاتهم.
 
منذ أيام مرت أربعة عشر عاما على رحيل الصديق والمعلم والقدوة والمثل الأعلى  الإنسان عبد الوهاب مطاوع رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته بما قدم وساعد وعلم وداوى، وجعل الله نصائحه المخلصة ووقته وعمره الذى أفناه فى مساعدة غيره صدقة جارية فى ميزان حسناته.
 
وجب علينا فى ذكرى رحيله،  ووفاءً بالجميل والعرفان، وإخلاصا للحب فى الله والصداقة على الورق، والارتباط النفسى والعقلى به أن نتذكره وندعو له من أعماق قلوبنا فقد رحل ومايزال ملء القلب والسمع والبصر لملايين البشر ... فهو بالفعل الغائب الحاضر دائما .
 

 

تعليقات (19)
الله يرحمه
بواسطة: أمينة
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:16 م

كان بالفعل مثل وقدوة

الله يرحمه
بواسطة: Hadil
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:21 م

الله يرحمه .. مقال رائع لمس قلبي وذكرني بشغف كل جمعة

اجمل انسان
بواسطة: مروة
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:22 م

كان اجمل انسان مر على جيلنا بجد .. مقال رد فينا روح جميلة

رحمه الله
بواسطة: Ashraf
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:24 م

حقيقي نفتقده لكنه بالفعل الغائب الحاضر ربنا يرحمه

شكرا صوت الامة
بواسطة: ايهاب
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:26 م

نشكر صوت الأمة التي اعادت عبر المقال ذكرياتنا الجميلة

ياااه
بواسطة: داليا
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:28 م

ياااه عالكلام اللي عبر عن احساس جيل كامل... رائع

الله الله
بواسطة: Adel
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:46 م

منذ زمن لم أقرأ كلام يسعد قلبي كهذا الله يرحمه كان فعلا حد ما يتكررش تاني

عني دمعت
بواسطة: Dina
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:50 م

بجد عني دمعت من المشاعر المتدفقة في المقال اللي كأنها بتتكلم عما اشعر به تجاهه ويوم وفاته كيوم وفاة والدي.. شكرا صوت الامة وشكرا للكاتبة

الله يرحمه
بواسطة: Iman
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 06:54 م

الله يرحمه أحلى كلام قرأته منذ مدة

الغاىب الحاضر
بواسطة: أكرم
بتاريخ: الجمعة، 10 أغسطس 2018 07:02 م

فعلا الغائب الحاضر في القلب والعقل

اضف تعليق