الزراعة ختمت شهادة الوفاة.. هل تحولت «الجمعيات التعاونية» إلى أطلال لا يمكن إصلاحها؟

الثلاثاء، 14 أغسطس 2018 08:00 ص
الزراعة ختمت شهادة الوفاة.. هل تحولت «الجمعيات التعاونية» إلى أطلال لا يمكن إصلاحها؟
عز الدين أبو ستيت وزير الزراعة واستصلاح الأراضى
كتب ــ محمد أبو النور

أعادت حوادث غش المبيدات والبذور والتقاوي والأسمدة، والتي تتكرر من وقت لآخر خلال الفترة الحالية، «السؤال من جديد»، عن الدور المفقود للجمعيات التعاونية الزراعية، بعد أن تعرّضت في قرى ومراكز المحافظات، منذ سنوات لهجمة منظمة أدت لتجريدها من مضمونها ومحتواها وعملها.
 
وأصبح ما تبقى منها أثرا بعد عين، وبقايا لافتات وجدران فقط، دون حركة ولا حياة ولا عمل ولا روح، نتيجة لعدم وجود المهندسين الزراعيين الذين تناقص عددهم شيئا فشيئا حتى اختفوا من الجمعيات الزراعية، التي أصبحت خاوية على عروشها، بعد أن كانت في إحدى الأيام تعج بالعاملين فيها والمترددين عليها، وتغطى أرضها أكياس محصول القطن في شهري يوليو وأغسطس من كل عام، ويتزاحم الفلاحون والمزارعون على مخازنها لصرف الأسمدة والبذور والتقاوي والمبيدات.

مولد الجمعيات الزراعية
كان مخاض وولادة الجمعيات التعاونية الزراعية، في مصر مرتبط بالحركة التعاونية عموما، فكانت في البداية محاولات تتخبط يمينا وشمالا حتى استوت على سوقها، فبسبب الأزمة الاقتصادية التي مرت بها مصر عام (1908)، نتيجة الاعتماد على رأس المال الأجنبي. وأسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها حالياً، تحت نير الاحتلال الإنجليزي.
 
نشأت الحركة التعاونية في مصر، وكان عصبها الأساسي الحركة التعاونية الزراعية، وفي عام (1910) قام عمر لطفي بافتتاح أول شركة تعاونية زراعية تحت إشرافه في «شبرا النملة»، بمحافظة الغربية، تلتها في نفس العام 10 شركات تعاونية أخرى، كانت جميعها من النوع متعدد الأغراض.
 
وفي عام 1923 صدر أول قانون تعاوني مصري، وهو القانون رقم (27 لسنة 1923)، وقد تكونت شركات تعاونية عديدة في ظل هذا القانون. وبلغ عددها- آنذاك- حوالي 135 جمعية في عام 1925، غير أنه ظهرت عيوب لهذا القانون بعد تطبيقه.
 
فتم إصدار القانون رقم (23 لسنة 1927)، والذي شمل أنواع مختلفة من المنشآت التعاونية، سميت جمعيات تعاونية، كما نص هذا القانون على إنشاء اتحادات تعاونية، لنشر التعليم التعاوني، وزاد عدد الجمعيات التعاونية المسجلة.
 
في ظل هذا القانون فبلغت (297 جمعية في عام (1930)، كما تم تنظيم عمليات تمويل الجمعيات التعاونية، فبعد أن كانت تحصل على القروض من اعتماد السلف الصناعية في بنك مصر، فتحت الحكومة في بنك مصر اعتمادا خاصا لقروض الجمعيات التعاونية، بلغت قيمته 350 ألف جنيه في الثلاثينات، حسب ما رصده الباحثون- مجدي سعيد، وإبراهيم رشاد- الرائد الثاني للتعاونيات في مصر، ومحمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي، الجمعيات التعاونية، وأسس قيام المشروع التعاوني- ومركز الدراسات الاشتراكية- مركز الأرض.

تطور الجمعيات وإنشاء بنك التسليف
وفى عام (1931) تم إنشاء بنك التسليف الزراعي، والذي ألزمته الحكومة بإقراض الجمعيات التعاونية الزراعية والفلاحين، ولم تضع له حداً أعلى للقروض في ذلك الوقت، كما صدر بعد ذلك قانون الإصلاح الزراعى، رقم (178 لسنة 1952).
 
ونصت مواد القانون على وجوب إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية في الأراضي التي استولت عليها الحكومة، ووزعت على صغار الفلاحين، وقد نجحت تعاونيات الإصلاح الزراعي في مد أعضائها بالقروض والسلف، بضمان المحصول دون التقيد بضمان الأرض.
 
وتوالت القرارات والقوانين المنظمة لعمل هذه الجمعيات ومنها،القرار الجمهوري رقم (267 لسنة 1960) بشأن المؤسسات العامة التعاونية، والقرار الجمهوري رقم (2137 لسنة 1960) بإنشاء المؤسسة المصرية التعاونية الزراعية العامة.
 
وقانون الزراعة رقم (53 لسنة 1966)، والذي حدد صفة الحائز، وهو كل مالك أو مستأجر يزرع أرضاً، ويعتبر في حكم الحائز مربى الماشية، كما تضمن إعداد بطاقة حيازة لكل عضو حائز يحصل بموجبها على مستلزمات الإنتاج، كذلك القانون رقم (105 لسنة 1964)، والذي بمقتضاه تحول بنك التسليف الزراعي والتعاوني، إلى المؤسسة المصرية العامة للائتمان الزراعي والتعاوني، على مستوى الجمهورية لتمويل الإنتاج الزراعي وتوفير المستلزمات المختلفة لهذا الإنتاج.
 
وفى ظل هذه القوانين والقرارات والنظم، زاد عدد الجمعيات التعاونية حتى غطى جميع قرى الجمهورية، كما زادت معاملات الجمعيات التعاونية الزراعية وأعضائها ورؤوس أموالها وإحتياطاتها، وصارت جميع الخدمات الزراعية للفلاحين تؤدى لهم عن طريق الجمعيات التعاونية.

بداية الانهيار للجمعيات الزراعية
بعد هذا الانتشار للجمعيات الزراعية، في كل ربوع مصر، بدأت بعد ذلك مرحلة انهيارها بصدور القانون رقم (117 لسنة 1976)، والخاص بإنشاء البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي وبنوك القرى، وكذلك القرار الجمهوري رقم (824 لسنة 1976) بحل الاتحاد التعاوني المركزي.
 
والقرار الجمهوري رقم (825 لسنة 1976) بإلغاء الهيئة العامة للتعاون الزراعي باعتبارها الجهة الإدارية المختصة، وأيضا قانون التعاون الزراعي رقم (122 لسنة 1980) والمعدل بالقانون رقم (122 لسنة 1981).

الاستيلاء على أموال الجمعيات الزراعية
في أوج نشاطها وانتشارها في الثمانينات، بلغ عدد الجمعيات التعاونية الزراعية في مصر (6334) جمعية، تضم جميع الحائزين للأراضي الزراعية تقريبا، والذين كان يبلغ عددهم وقتها (5,7) مليون حائز «مالك» لمساحة زراعية تقدر بحوالى5,7 مليون فدان، يشكلون بأسرهم وعائلاتهم حوالي (57%) من السكان في مصر.
 
كما بلغ حجم أعمال التعاونيات الزراعية في تقديراتها الأدنى- وقتها- ما يقرب من 25 مليار جنيه، وبلغ إسهام قطاع التعاونيات الزراعية أكثر من (90%) من إجمالي الناتج المحلي في هذا النشاط، بعد أن استولت الحكومة على أموالها وحولتها لبنك التنمية والائتمان الزراعي، الذي أنشأته بموجب القانون رقم (117 لسنة 1976)، وظل قانون التعاون الزراعي رقم (122 لسنة 1980)، والمعدل في سنة (1981) يحكم العمل التعاوني.

تسجيل الحصر فقط
وعن أحوال الجمعيات الزراعية أو ما تبقى منها. أكد المهندس الزراعي سيد حامد، أنه لم يعُد لها أي دور، نتيجة عدم وجود أو تعيين مهندسين زراعيين بها، فبعد أن كانت الجمعية الزراعية الواحدة بها من (15 – 25) مهندسا زراعيا، الآن لا يوجد بها غير مهندس واحد، وهو مدير الجمعية ومعه عامل أو موظف آخر، يرسله إلى الحقول لأخذ «الحصر» أو تسجيل مساحة زراعة المحاصيل ،التى يتم صرف أسمدة مدعمة لها مثل القمح والقطن.
 
وتابع المهندس الزراعي، أن الجمعيات الزراعية وبنوك التنمية في القرى، تحتاج إلى تطوير وتحديث، لأن دورها تلاشى ولم يعد لها نشاط كما كان من قبل، كما التهم التوسع العمراني جمعيات زراعية عديدة، وتحولت مبانيها وأراضيها إلى مناطق سكنية أو بيع أراضيها والبناء على أنقاضها، لذلك اختفت الجمعيات بما كان فيها من مهندسين زراعيين في أكثر من تخصص، ومن ضمنها وأهمها الإرشاد الزراعي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق