كيف تم إلغاء تقنين بيوت الدعارة في مصر؟.. «الشعراوي» يجيب

السبت، 15 سبتمبر 2018 02:00 ص
كيف تم إلغاء تقنين بيوت الدعارة في مصر؟.. «الشعراوي» يجيب
الدعارة-صورة أرشيفية
علاء رضوان

 

الحقيقة أن الدعارة في مصر غير قانونية حاليا، إلا أنها كانت قانونية في الماضي حتى عام 1949، حيث تم أول تسجيل للعاهرات في مصر خلال القرن السابع، وجرى التسجيل في مقر الصوباشي أو رئيس الشرطة.   

ضريبة الدعارة

محمد علي أبقى الدعارة لبعض الوقت ثم ألغاها عام 1837، ثم بدأت الدعارة في الخضوع للتسجيل والتنظيم منذ تطبيق اللائحة التي سميت بتعليمات بيوت الدعارة والتي استمر العمل بها حتى ألغيت عام 1949، وبعدها بعامين اعتبرت جميع أشكال الدعارة غير قانونية.

لائحة التفتيش على العاهرات صدرت عام 1885 وإلتزمت العاملات بالجنس بمقتضاها بالتسجيل وإلا عوقبن، وقد تم العثور مؤخرا في دار المحفوظات على وثائق عمرها 118 عاما تتحدث عن تسجيل العاهرات في مصر، وانقسمت العاهرات إلى قسمين «عايقة» و«مقطورة» والعايقة هي القوادة والمقطورة هي التي تمارس النشاط، وأمام اسم كل من بنات الهوى كان يكتب سنها وسكنها ورقم رخصتها وتاريخ الكشف الطبي عليها وغيرها. 

8201413192018 (1)

من صاحب فكرة إلغاء الدعارة؟

إلا أن كان هناك من يسعون جاهدين لإلغاء الدعارة فى مصر بإعتبارها «بلد الأزهر»، حيث يروى الشيخ محمد متولي الشعراوي-رحمه الله- فى كتابته حكاية النائب الذي ألغي مهنة البغاء في مصر، هذه الشخصية هو النائب سيد جلال الجيلاني مبروك العدوي تلك الشخصية التى قلما تتكرر في التاريخ النيابي، فقد ولد سيد جلال عام 1899 بقرية بني عديات مركز منفلوط بمحافظة أسيوط، وقبل أن يبلغ سيد جلال عامه الخامس كان يعيش يتيمًا بعد وفاة والديه، ليبدأ سيد جلال رحلة جديدة في منزل خاله، الذي كان يتحلى بالمبادئ والفضيلة والقيم الحميدة. 

اقرأ أيضا: الهروب مش هيفيد.. هذه تفاصيل التلبس "من الدعارة للسيجارة" وأثره القانوني

فى الوقت الذى بلغ فيه سيد جلال الخامسة عشر من عمره انتقل إلى القاهرة، ليُقيم لدى أحد أقاربه ببولاق أبو العلا، الذي ساعده في أن يكون عاملًا في أحد المخابز، حيث كان يوزع الخبز على دراجته للمحلات والمطاعم، وقبل أن يتم سنواته العشرين قرر «سيد جلال» أن يغادر القاهرة، ليلتحق بالعمل ساعيًا في إحدى الشركات اليونانية ببورسعيد، وبعد عدة سنوات استطاع أن يتعلم العديد من اللغات التي اكتسبها من خلال عملاء الشركة. 

تنزيل

فى تلك الأثناء، قُدر لـ«سيد جلال» أن يشق طريقه بقوة وأن يصبح في سنوات قليلة من كبار المصدرين والمستوردين في مصر، وأن يلعب دورا هائلا في الحياة السياسية، وأن يكون نائبا في برلمان سنة 1945 وأن يرتبط اسمه بدائرة باب الشعرية علي مدي سنوات عديدة، قبل الثورة وبعد الثورة، وأن يكون شيخ النواب «شيخ البرلمانيين»، وأن يقود الحملة لإلغاء البغاء،  ويمسح عن جبين مصر هذا الوضع الذى كان غير مقبولاَ وقتها من عموم الشعب المصرى. 

سيد جلال صديق الشعراوى

سيد جلال صديق الشيخ الشعراوي الذي لم يكن يمضي يوم دون أن يراه أو يلتقي به في شقة الحسين، يروي الشيخ الشعراوي عن صديقه سيد جلال كيف دبر المقلب لوزير الشئون الاجتماعية في شارع البغاء، والذي انتهي بصدور القرار الشهير «قرار إلغاء بيوت الدعارة».

كما يروي  كيف سمعه وهو في غيبوبة الإنعاش يرتل القرآن الكريم ويلحن فيه، يقول الشيخ في حوار نادر مع الكاتب الصحفي سعيد أبوالعينين: «عمي سيد جلال كان صاحب مواقف وطنية مشرفة، وقد اقترحت عليه أن يكلف أحدا بجمعها من مضابط مجلس النواب وأن يصدرها في كتاب للاستفادة منها، فهي حافلة بالدروس التي لا تعرفها الأجيال الجديدة». 

اقرأ أيضا: كبسولة قانونية.. هل يجوز للنيابة تحريك دعوى الدعارة دون شكوى الزوج بـ «الزنا»؟

ألغي سيد جلال البغاء الرسمي الذي كان مصرحا به من الحكومة، فهو الذي مسح هذا الوصمة الوضع الذى كان يسئ إلي مصر «مصر الأزهر الشريف» مصر التي حققت علم الإسلام وصدرته إلي العالم كله، مصر التي يخفق باسمها قلب العالم الإسلامي، مصر التي شرفها الله بذكرها في القرآن الكريم. 

15501600301507473142

مسح سيد جلال هذه الوصمة عن مصر حيث استمر يقود الحملة لإلغاء البغاء عن مصر طوال ست سنوات، دون كلل، وكان تصميمه يزداد، وعزيمته تقوي يوما بعد يوم ، حتي استطاع أن يسقط هذه الوصمة ويمحو هذه الوصمة في سنة 1947. 

مخطط إلغاء البغاء

ويروي الشيخ الشعراوي حكاية المقلب الذي دبره سيد جلال لوزير الشئون الاجتماعية في ذلك الوقت وهو «جلال فهيم باشا» والذي أدي إلي إصدار القرار بإلغاء، بيوت الدعارة.

يقول الشيخ: كان عم سيد جلال نائبا في البرلمان في ذلك الوقت، كان عضوا في مجلس النواب سنة 1945 عن دائرة باب الشعرية وهي الدائرة التي ارتبطت باسم سيد جلال علي مدي سنوات طويلة، قبل الثورة، وبعد الثورة كان دائما هو نائب دائرة باب الشعرية، وكانت هذه الدائرة تضم أشهر شارع للبغاء العلني في مصر في ذلك الوقت وهو «شارع كلوت بك».

وكانت هذه الحكاية تسبب له ضيقا شديدا، فالدائرة دائرته، وهو كان يعيش فيها، وكان يتمزق ألما وحزنا، كما يقول، وهو يري منظر العاهرات وهن يقفن علي النواصي ورؤوس الطرقات، ويدعين الناس دعوات مفتوحة مفضوحة، ويتبادلن الشتائم والكلام المكشوف فيما بينهن، ويتسابقن لإغراء كل من يمر بالشارع، وجره إلي البيوت.

وقد انتهي به التفكير إلي تدبير «مقلب» لوزير الشئون الاجتماعية في ذلك الوقت لإحراجه ودفعه دفعا إلي العمل لإلغاء هذه الوصمة باعتباره الوزير المسئول الذي باستطاعته، لو أراد، أن يصدر قرارا بذلك. 

19_2017-636334224583751440-375

وضع سيد جلال خطة محكمة للمقلب الذي دبره للوزير كالتالى:

ذهب إلي الوزير «الباشا جلال فهيم».. وقال له: إنه يعتزم إقامة مشروع خيري كبير، وأن هذا المشروع يضم مدرسة سوف يشرع في بنائها فورا، وأن موقع المدرسة قد جري تجهيزه وإعداده للبناء، وأنه يسعده أن يأتي معالي الوزير لرؤية الموقع الذي هو ضمن المشروع الخيري الكبير، وأن أهالي الدائرة سوف يسعدهم تشريف معالي الوزير، ويشجعهم علي المساهمة في إقامة مثل هذه المشروعات الخيرية. 

الوزير يقع فى الفخ

ووافق الوزير، وفي اليوم المحدد جاء معالي الوزير وهو يركب الحنطور الذي أعده له سيد جلال لكي يشاهده أهالي الدائرة ويخرجون لتحيته، وكان الاتفاق مع سائق الحنطور أن يدخل بمعالي الوزير إلي شارع البغاء الرسمي «شارع كلوت بك» وأن يسير به علي مهل، وفي شارع البغاء وبمجرد دخول الحنطور تصورت العاهرات أنه «زبون» كبير، فتدافعن عليه وتسابقن إليه، وأخذت كل واحدة تشده لتفوز به، دون أن تعرف شخصيته، وحينها تحول السباق علي «معالي الوزير» إلي خناقة كبيرة بين العاهرات، ولم يعرف «معالي الوزير» كيف يخلص نفسه من هذه الورطة. 

اقرأ أيضا: كبسولة قانونية.. شروط تكوين جريمة الدعارة في مصر

وفى تلك الأثناء، أدرك «معالى الوزير» أن سيد جلال هو الذي دبر له هذا المقلب خاصة أن أحدا لم يتقدم لإنقاذه وتخليصه من أيدي العاهرات، وجاهد الوزير وهو يصرخ ويسب، حتي استطاع أن يخلص نفسه بصعوبة بعد أن سقط طربوشه، وتمزقت ملابسه، وامتدت الأيدي إلي جيوبه. 

d8b3d98ad8af-d8acd984d8a7d984

وعاد الوزير إلي بيته وهو في حالة سيئة، واستمر يشتم ويسب ويلعن سيد جلال، لكنه قبل أن تمضي أيام كان قد أصدر القرار بإلغاء البغاء، وفوجئ بسيد جلال يدخل عليه وهو يضحك ويشكره علي شجاعته بإصدار القرار الذي مسح عار البغاء العلني والرسمي عن مصر، وقال له: لقد فعلت شيئا عظيما، وسوف يذكره الناس لك، وهدأ الوزير، وقال لسيد جلال: وسيقول الناس أيضا: إنك أنت الذي دبرت "المقلب" الذي جعل الوزير يصدر هذا القرار.

ويتواصل حديث الشيخ الشعراوى عن سيد جلال، وعن محاولة أحد النواب لإعادة البغاء مرة ثانية، وكيف تصدي له سيد جلال في جلسة عاصفة في البرلمان، يقول الشيخ: وحدث أن جاء واحد من النواب، من الإسكندرية، وتقدم باقتراح للمجلس لإعادة البغاء الرسمي. 

مخطط أخر لعودة البغاء

النائب صاحب الاقتراح قال: إن إعادة البغاء ستجعله محصورا في دائرة محددة، وأن البغايا سيتم الكشف عليهن صحيا علي فترات متقاربة، وهو ما يحمي من الأمراض السرية وانتشارها، وأن الشباب سيجد في بيوت البغاء الرسمي ما يبعده عن التعرض للنساء في الشوارع، وصادف هذا الاقتراح هوي بعض النواب. 

اقرأ أيضا: كبسولة قانونية.. هل تكفي حالة التلبس بالقبض على امرأة اعتادت ممارسة الدعارة في شقة مفروشة؟

ووقف سيد جلال وقال: إن الذين يعتقدون أن إلغاء البغاء يؤدي إلي انتشار الأمراض السرية أكثر، هم علي خطأ، وعندي الإحصائيات التي أعلنتها المؤتمرات الطبية العالمية والتي تثبت أن الأمراض السرية تنتشر أكثر في الدول التي تعرف نظام البغاء، وتقل في التي حرمته. 

12592489_817137001748964_5975264294833170594_n

وقال سيد جلال: «الذين يقولون إن الشباب بكل غرائزه الجنسية لا يعرف أين يذهب وماذا يفعل؟ هؤلاء يتصورون أن الشباب عجل يجري تسمينه وتكبيره من أجل الدعارة، وأن علينا أن نهييء له بيتا للدعارة، ونساعده علي الفساد، وينسي هؤلاء أن مشكلة الشباب أكبر وأعمق، الشباب يعاني من الفراغ ومهمتنا أن نهييء له مجالات العمل، ليعمل ويتزوج ويقيم أسرة، فالعمل سيعود عليه بالنفع، وعلي الدولة بالفائدة».

وتابع سيد جلال: «إن مصر نسيت مسألة البغاء، ولم تعد هذه المسألة في أفكار أحد، وإذا كان النائب صاحب الاقتراح بإعادة البغاء مصرا علي اقتراحه، فعليه أن يتبرع لنا بخمس سيدات من أسرته ليكن نواة لإحياء المشروع من جديد»، وضجت القاعة، ولم يرد صاحب الاقتراح، وخرج من المجلس، ولم يعد إليه.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق