مصر تغلق محابس الاستيراد.. قفزة الغاز بين توفير 30 مليار جنيه وتعزيز مؤشرات النمو

الأحد، 30 سبتمبر 2018 10:05 م
مصر تغلق محابس الاستيراد.. قفزة الغاز بين توفير 30 مليار جنيه وتعزيز مؤشرات النمو
حقل ظهر للغاز الطبيعي
حازم حسين

أكثر من 30 مليار جنيه توفرها مصر من الغاز الطبيعي. أصبحت هذه العبارة صالحة للنشر الآن كعنوان لخبر مهم عن إيقاف مصر وارداتها من الغاز، بتحقيق الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى الاستعداد لدخول مرحلة التصدير.

كان مُقرّرا منذ نهاية العام الماضي أن تصل مصر لمحطة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بحلول خريف 2018، ما يُعني التوقف عن استيراد الغاز المسال من الخارج. وهو الأمر الذي أعلنه المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، في تصريحات صحفية أمس السبت، قال فيها إن مصر تجاوزت استيراد الغاز المسال وطوت صفحته رسميا. وتستعد الآن لمرحلة الاكتفاء الذاتي والاتجاه للتصدير في المستقبل القريب.

حقل ظهر للغاز الطبيعي

حقل ظهر للغاز الطبيعي

 

كانت مصر واحدة من الدول المصدّرة للغاز الطبيعي في السنوات الأولى من الألفية الجديدة. لكن نتيجة تغير معدلات الإنتاج مع تقلص القدرات الإنتاجية للحقول القديمة، إضافة إلى معدلات النمو الاقتصادي والزيادة السكانية ومدّ خطوط الغاز للمنازل، حدثت فجوة بين الإنتاج والاستهلاك، بالصورة التي قادت إلى دخول عصر استيراد الغاز في غضون سنوات قليلة من بدء التصدير. وعقب ثورة 30 يونيو وضعت الحكومة نصب أعينها تطوير قدرات مصر في قطاع الطاقة، وتنشيط قطاع البحث والاستكشاف، ما قاد لتحقيق نجاحات مهمة كان أبرزها حقل "ظهر" في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط. وهو الأمر الذي كان مقدمة لخطوة الاكتفاء الذاتي.

 

انتعاشة للموازنة ودعم للنمو

لا تنحصر فوائد التوقف عن استيراد الغاز الطبيعي في تأمين خطوط الإمداد للقطاع الصناعي والمنزلي بعيدا عن تعقيدات السوق الخارجية وتقلبات الأسعار فقط، وإنما يتسع الموضوع ليشمل الآثار الإيجابية لهذه الخطوة على الموازنة العامة، التي تكبدت في العام الماضي 1.8 مليار دولار (أكثر من 31 مليار جنيه) لتأمين فاتورة واردات الغاز الطبيعي. يُضاف لهذا أن تحقيق الاكتفاء والاستعداد لدخول نادي المُصدّرين، يُعني أن مصر تملك فائضا في الإنتاج يكفي لدفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي للأمام، سواء على صعيد تدشين مزيد من المصانع والمؤسسات الاستثمارية، أو تكثيف مشروعات توصيل الغاز للمنازل والقطاع التجاري. وهو ما سينعكس بالضرورة على فاتورة استيراد البوتاجاز من الخارج، التي تُكبد الموازنة أكثر من 40 مليار جنيه (175 جنيها للأسطوانة بإجمالي واردات 233 مليون أسطوانة مقابل 87 مليون أسطوانة تُنتجها السوق المحلية).

المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية
المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية

 

بين انتهاء موازنة العام المالي 2017/ 2018 وبداية الموازنة الجارية، زاد إنتاج مصر من الغاز بنسبة سمحت بتقلّص الفاتورة التي تتكبدها الموازنة لتدبير احتياجات مصر من الغاز. وبحسب مداخلة هاتفية لوزير البترول طارق الملا مع برنامج "مصر النهارده" عبر شاشة التليفزيون المصري، فإن خطوة التوقف عن استيراد الغاز المُسال من الخارج ستوفر حوالي 27 مليار جنيه. هذا الأمر يُعني أن مصر في اتجاه تعظيم عوائد قطاع الطاقة، إضافة إلى أنها ربما تكون على مقربة من التخلص من مديونيات الشركاء، التي أشار الوزير إلى أنها تراجعت إلى 1.2 مليار دولار، من المستوى القياسي الذي سجلته في وقت سابق بحجم 6.3 مليار دولار.

وزير البترول تحدث في المداخلة عن النجاحات التي حققها قطاع الطاقة في الفترة الأخيرة، مستعرضا خريطة الاتفاقات والشراكات التي وقعتها الوزارة وتجاوزت 80 اتفاقية للبحث والتنقيب والاستكشاف في الشهور الأخيرة. ومُشدّدًا على أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية مهّدت الطريق لتجهيز عدد من امتيازات البحث والاستكشاف في المياه الإقليمية بالبحر الأحمر، التي تقرر طرح أول مزايدة عالمية منها قبل نهاية العام الجاري. وفي هذا الإطار يُذكر أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع دولة قبرص كانت البداية التي سمحت بطرح مزايدة البحث والاستكشاف في منطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط، والتي كان أولى ثمارها اكتشاف حقل "ظهر" العملاق للغاز الطبيعي.

 

مصر بين اللاعبين الكبار 

الاكتشافات الضخمة في الشهور الأخيرة، ودخول بعضها على خط الإنتاج، كانت لها دور مباشر في تقدم موقع مصر على خريطة الطاقة، بصورة تبشّر بدخولها نادي اللاعبين الكبار في سوق الغاز خلال السنوات المقبلة. البداية بالاكتفاء الذاتي بعد سنوات قليلة من طرح قائمة من امتيازات البحث والاستكشاف، تُبشّر بأن ثروات مصر غير المكتشفة أكبر مما نعرف، وأن فرص النمو في هذا القطاع كبيرة وسهلة.

بحسب الأرقام والمؤشرات الرسمية قفز إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بنهاية سبتمبر الجاري إلى 6.6 مليار قدم مكعبة يوميا، ليتعادل مع حجم الإنتاج اليومي في القطاعين الصناعي والمنزلي. النظر إلى تطوّر الأرقام ومؤشرات الإنتاج في الفترات الماضية يُؤكد تحقيق قفزة كبيرة وبدء حصاد آثارها وقطاف ثمارها. قبل أقل من سنتين لم يكن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يتجاوز 3.8 مليار قدم مكعبة يوميا، في يوليو الماضي وصل إلى 6 مليارات قدم مكعبة، وبعد أقل من شهرين سجل 6.5 مليار قدم مكعبة بوصول إنتاج حقل ظهر إلى ملياري قدم مكعبة يوميا.

الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جولته في حقل ظهر
الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جولته في حقل ظهر

 

حقل ظهر الذي اكتشفته شركة إيني في العام 2015 وتبلغ احتياطياته الإجمالية 30 تريليون قدمه مكعبة، افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسميا نهاية يناير الماضي. بدأ إنتاجه التجريبي في 16 ديسمبر 2017 وبحلول مطلع العام 2018 وصل الإنتاج إلى 17% من قدرات المرحلة الأولى بتسجيل 400 مليون قدم مكعبة يوميا. وبحسب توجيهات الرئيس فقد أعادت شركة إيني الإيطالية، المالكة لامتياز شروق ومنطقة حقل ظهر، صياغة خطتها الزمنية لوضع الحقل العملاق على الإنتاج، بشكل يختزل الفترة المبدئية التي كان مقررا أن يصل خلالها الحقل لكامل قدرته الإنتاجية بمقدار النصف تقريبا.

في يناير الماضي سجلت المرحلة الأولى من حقل ظهر إنتاجا يوميا قدره 400 مليون قدم مكعبة، ارتفعت إلى 1.1 مليار قدم مكعبة بحلول منتصف العام، ثم بدأت المرحلة الثانية التي وصلت بالإنتاج إلى 1.6 مليار قدم مكعبة في يوليو الماضي، ثم ملياري قدم مكعبة حاليا، تزامن مع هذا النمو إنشاء محطة ومعامل فنية لاستقبال وتحليل وفصل ومعالجة الغاز المستخرج من الحقل قبل ضخه في خطوط الشبكة القومية للغاز الطبيعي. ومن المقرر وفق خطة التشغيل المعتمدة أن يقفز إنتاج الحقل إلى 2.7 مليار قدم مكعبة يوميا، لتحقق مصر فائضا يوميا يتجاوز مليار قدم مكعبة، يُضاف إلى زيادات الإنتاج في الحقول الأخرى، أو الامتيازات الجديدة والاكتشافات الأخرى وأعمال التطوير في الحقول القائمة.

الرئيس السيسي مع رئيس شركة إيني خلال افتتاح حقل ظهر في يناير الماضي
الرئيس السيسي مع رئيس شركة إيني خلال افتتاح حقل ظهر في يناير الماضي


فائض 30% من الإنتاج

في تصريحات سابقة للمهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، توقع أن يصل إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 10 مليارات قدم مكعبة في السنوات القليلة المقبلة، ومع متوسط استهلاك يدور حول 6.5 مليار قدم مكعبة، يُرجح أن يتصاعد في الفترة نفسها ليسجل 7 مليارات قدم، فإن مصر قد تحقق فائضا في حدود 3 مليارات قدم مكعبة، ستُوجه لمشروعات البتروكيماويات والصناعات التحويلية، إضافة إلى تصدير جزء منها للخارج. هذا الأمر يُعني مزيدا من القدرات التصنيعية والقيمة المضافة، ومزيدا من العوائد الدولارية المباشرة، إضافة إلى إعادة صياغة هيكل الموازنة العامة والميزان التجاري وميزان المدفوعات، بشكل يتكامل مع الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تتخذها الحكومة لإصلاح الاختلالات الهيكلية الموروثة في بنية الاقتصاد.

القفزة الكبيرة التي تحققت في الإنتاج وصولا إلى الاكتفاء الذاتي، وتهيئة لأجواء الدخول ضمن قائمة كبار اللاعبين بقطاع الطاقة والبتروكيماويات، سواء بتصدير فوائض الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، أو تعظيم قيمتها المضافة عبر استثمارات ومشروعات تحويلية. تدفع في اتجاه تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، يُضاف لهذه المؤشرات الإنتاجية دخول مصنعي الإسالة العملاقين في إدكو ودمياط على خط العمل، عبر اتفاقات وتعاقدات أبرمتها شركات محلية مع منتجين خارجيين للعب دور المحطة اللوجستية التي تتلقى الغاز من المصادر الإقليمية لتسييله وتصديره لأوروبا والمستوردين بالخارج. هذا الأمر يُعني أن مصر التي أصبحت منتجا كبيرا يكتفي ذاتيا ويستعد للتصدير، تتأهب لأن تكون شريكا مهما ولاعبا أساسيا في تجارة الغاز إقليميا وعالميا.

حقل آتول للغاز الطبيعي
حقل آتول للغاز الطبيعي

 

تدفقات ضخمة من حقول مصر

خريطة إنتاج الغاز في مصر توسعت في السنوات الأخيرة. فبجانب تطوير عدد من الحقول القائمة، ووضع حقول جديدة على الإنتاج، تتواصل الاتفاقات الجديدة وطرح الامتيازات في الدلتا والمياه الإقليمية بالبحر المتوسط، مع الاستعداد لطرح امتيازات جديدة في مياه البحر الأحمر، وحتى الآن تملك مصر عددا من الحقول العاملة المهمة، التي دفعت معا في اتجاه الوصول بالإنتاج إلى الاكتفاء الذاتي وتغطية الاستهلاك المحلي البالغ 6.5 مليار قدم مكعبة يوميا.

في الفترة الأخيرة أعلنت مصر عن حقل غاز جديد يحمل اسم "نور"، باحتياطيات إجمالية ضخمة تضعه في المركز الأول قبل حقل "ظهر". وبشكل شامل فإن خريطة الحقول المصرية حاليا تضم: ظهر الذي تبلغ احتياطياته 30 تريليون قدم مكعبة بما يوازي 135% من احتياطيات مصر السابقة من الخام ووصل إنتاجه حاليا إلى 1.8 مليار قدم مكعبة من المنتظر أن تقفز إلى 2.7 مليار قدم قبل منتصف 2019، ونورس المكتشف في العام 2015 ضمن منطقة امتياز "أبو ماضي" بدلتا النيل والذي سجل إنتاجا يوميا قدره 1.2 مليار قدم مكعبة يوميا، ونور الذي يقع في منطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط وتبلغ احتياطياته المبدئية 90 تريليون قدم مكعبة (3 أضعاف احتياطيات حقل ظهر)، وحقول "تورس وليبرا وفيوم وجيزة وريفن" بمنطقة امتياز شمال الإسكندرية في البحر المتوسط، التي تطورها شركة BP البريطانية ويبلغ إنتاجها الإجمالي 1.25 مليار قدم مكعبة يوميا، وحقل "آتول" المكتشف في 2015 بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية والبالغ إنتاجه اليومي حاليا 300 مليون قدم مكعبة.

حقل نورس للغاز الطبيعي
حقل نورس للغاز الطبيعي

 

يقع حقل ظهر على بُعد 190 كيلو مترا من سواحل بورسعيد، وبعمق 4100 متر من سطح البحر، ضمن امتياز "شروق" الذي تملك شركة إيني الإيطالية حقوق استغلاله بمساحة إجمالية تبلغ 100 كيلو متر مربع. أما حقول شمال الإسكندرية فتقع على بُعد 65 كيلو مترا من ساحل رشيد، وبعمق يتراوح بين 350 و850 مترا، باحتياطيات إجمالية تبلغ 5 تريليونات قدم مكعبة، في امتياز مشتركة بين شركتي BP البريطانية و"ديا" الألمانية. ويقع حقل "آتول" على بُعد 90 كيلو مترا من شواطئ دمياط ضمن امتياز شمال دمياط المملوك لشركة BP البريطانية، بعمق 923 مترا من سطح البحر، وبإنتاج 350 مليون قدم مكعبة من الغاز و10 آلاف برميل متكثفات. ويقع حقل القطامية الضحلة على بُعد 60 كيلو مترا شمالي دمياط، على عمق 1961 مترا تقريبا. كما يقع حقل التمساح على بُعد 56 كيلو مترا من شواطئ بورسعيد وتملك امتيازه شركة بلاعيم. ويقع حقل بلطيم على بُعد 12 كيلو مترا من شاطئ المدينة من الجهة المقابلة لامتياز "أبو ماضي" بطاقة إنتاجية 500 مليون قدم مكعبة يوميا. وتقع حقول غربي الدلتا بالمياه العميقة ضمن مشروع تنمية حقول غرب الدلتا بالبحر المتوسط، في امتياز تملكه شركة "شل" العالمية، بإنتاج 400 مليون قدم مكعبة و2500 برميل متكثفات، من المنتظر أن تقفز إلى 750 مليون قدم مكعبة من الغاز قبل نهاية 2018. أما بئر سلامات المملوكة لشركة BP البريطانية فتقع بمنطقة امتياز شمالي دمياط باحتياطي يتجاوز 1.63 مليار قدم مكعبة.

خريطة مسحية لمياه مصر الإقليمية بالبحر المتوسط
خريطة مسحية لمياه مصر الإقليمية بالبحر المتوسط
 
 
ثروات في البحر تنتظر الاكتشاف

بحسب الدراسات الفنية والمسحية، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في دراسة لها بالعام 2010 مخزون الغاز الطبيعي في حوض شرقي البحر المتوسط، بحسب مؤشرات فحص ودراسة التراكيب الحاملة للغاز، بما يتجاوز 345 تريليون قدم مكعبة، إضافة إلى كميات ضخمة من احتياطيات النفط والسوائل الغازية. وبالنظر إلى أن مخزون حقل ظهر إضافة إلى الاحتياطيات المبدئية لحقل نور تبلغ 120 تريليون قدم مكعبة، فإن الاحتياطيات المحتملة وغير المكتشفة في المنطقة حتى الآن تتجاوز 200 تريليون قدم مكعبة، من المُرجح أن تكون حصة مصر فيها كبيرة في ضوء وقوع جانب كبير منها في المياه الإقليمية، وفق الترتيبات التالية لتوقيع اتفاقية تعيين الحدود مع دولة قبرص.

تشير تقارير عديدة صادرة عن مؤسسات عالمية متخصصة في بحوث الطاقة إلى أن حوض البحر المتوسط من أفضل 10 أحواض ترسيبية في العالم فيما يخص الاكتشافات المُتحققة والاحتياطيات التقديرية والمضافة، ولكن بجانب المخزون الهائل في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، فإن احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي تتسع لتشمل المياه الإقليمية في البحر الأحمر، والمتوقع أن تُسفر امتيازات البحث والاستكشاف المنتظر طرحها في مزايدات عالمية قريبا عن اكتشاف مخزون كبير من الغاز والنفط والسوائل الغازية. يُضاف لهذا احتياطيات حوض دلتا النيل البالغة 223 تريليون قدم مكعبة من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط، إضافة إلى 5.9 مليار برميل مكافئ من الغازات السائلة. 

يُعزّز من الفرص المحتملة في قطاع الطاقة أن الاكتشافات المصرية المتحققة في مياه البحر المتوسط، وفي مقدمتها حقلا نور وظهر العملاقان، يؤكّدان أن مزيدا من الفرص ما زالت قائمة في المنطقة، إذ تحققت هذه الاكتشافات الضخمة في وقت لم تتجاوز فيه أنشطة البحث والاستكشاف في المنطقة 20% من إجمالي المساحات المتاحة في الحوض الشرقي، بجانب أن المنطقة الغربية من البحر المتوسط لم تشهد أيّة أنشطة بحثية واستكشافية حتى الآن.

الرئيس السيسي خلال افتتاح حقل ظهر
الرئيس السيسي خلال افتتاح حقل ظهر

 

مزايا تتجاوز 70 مليار جنيه

بحسب تصريحات وزير البترول طارق الملا لوكالة رويترز، فإن شحنة الغاز المُسال التي وثلت مصر الأسبوع الماضي هي آخر الواردات المصرية من الغاز. وفيما يخص العوائد المباشرة لوقف الاستيراد فإن التقديرات الحالية لفاتورة استيراد الغاز المسال تشير إلى تكبد مصر قرابة 60 مليون دولار شهريا لتوفير احتياجاتها من الغاز. بلغت الفاتورة في موازنة العام المالي المضاي 2017/ 2018 حوالي 1.8 مليار دولار، وبفضل قفزات الإنتاج في حقل ظهر وحقول آتول ونورس وفيوم وغيرها تراجعت الفاتورة نسبيا.

بمراجعة الأرقام الرسمية والأعباء المالية التي تكبدتها مصر لتوفير الغاز في السنوات الأخيرة، نجد أنه بحسب موازنة 2015/ 2016 تحملت مصر 3 مليارات دولار، تراجعت في العام التالي إلى 2.5 مليار دولار، وصولا إلى أقل من 800 مليون دولار في العام الجاري، لكن هذا الرقم ليس الفائدة الوحيدة التي تجنيها مصر من التوقف عن استيراد الغاز. فبجانب التخلص من هذا العبء المباشر فإن الاكتفاء الذاتي سينعكس بقوة على فاتورة تدبير البوتاجاز التي تتجاوز 40 مليار دولار حاليا، إضافة إلى تحويل كثير من المصانع والمنشآت التجارية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية للعمل بالغاز الطبيعي بديلا للفحم والديزل والمازوت، ما يُخفض كُلفة تدبير السولار والبنزين والمازوت وغيرها من أنواع الوقود التقليدية التي تُكلّف الموازنة العامة أكثر من 100 مليار جنيه سنويا.

كان مُقرّرًَا أن تصل مصر لمحطة الاكتفاء الذاتي من الغاز بنهاية 2018، لكن القفزات الواسعة التي حققتها الحقول القائمة ساعدت على اختزال أكثر من ثلاثة شهور، ما يُعني أن الموعد سابق التحديد للاكتفاء سيكون موعدًا لتحقيق فوائض في الإنتاج، من المُنتظر توجيهها لمصنعي الإسالة في إدكو ودمياط، إضافة إلى مصانع البتروكيماويات والصناعات التحويلية القائمة، بما يُعظم القيمة المضافة ويُحقق فائضا من البتروكيماويات والغاز المُسال للتصدير للخارج. 

الأثر الاقتصادي المباشر لهذه التطورات ينعكس على الموازنة بشكل مباشر، في صورة تقليص للأعباء التي كانت تتكبدها في قطاع الطاقة بما يتجاوز 70 مليار جنيه تقريبا (حصيلة واردات الغاز ودعم أسطوانات البوتاجاز وتقليص استهلاك السولار والمازوت). هذا الأمر يُعني فائضا يقترب من عتبة الـ4 مليارات دولار سنويا، أي أن فاتورة الواردات المصرية ستتراجع بما يوازي هذه القيمة، وبالتالي سيتحسن ميزان المدفوعات والميزان التجاري، وسيتقلص عجز الموازنة، وسنفتح الباب بشكل أكبر لنموّ الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي سجل في الشهور الأخيرة مستويات قياسية بتجاوزه 44 مليار دولار.

مد خطوط الغاز الطبيعي
مد خطوط الغاز الطبيعي

 

الشراء بـ50% أقل من السعر العالمي

ضمن الفوائد العديدة التي تجنيها مصر من مغادرة مقاعد المستوردين إلى ساحة الاكتفاء الذاتي، تمهيدا لنزول الملعب بجانب اللاعبين الكبار في سوق الغاز ومُصدّريه، مع تشغيل مصنعي الإسالة بالطاقة الكاملة والتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، أن كُلفة الحصول على حصة الشريك الأجنبي في حقول الغاز المصرية أقل بما يقارب 50% من كُلفة تدبير احتياجات الغاز من الخارج. بحسب الأرقام فإن سعر المليون وحدة حرارية في الاستيراد يتجاوز حاليا 9.5 دولار مُرشّحة للزيادة مع تحولات السوق العالمية وتقلبات الأسعار في بورصة الطاقة بشكل يومي، بينما تبلغ التكلفة نفسها محليا 5.88 دولار ثابتة وفق الاتفاقات الموقعة مع الشركاء الأجانب.

من المزايا أيضًا أن هذه الاكتشافات والنجاحات العملية ستُعزّز موقع مصر كهدف مباشر لشركات الطاقة الكبرى، مع تحقيق المستثمرين العاملين عوائد إيجابية للغاية واستعادة التكاليف الاستثمارية وتقليص مدّة دورة رأس المال، في ضوء ارتفاع فرص الوصول إلى اكتشافات حقيقية ومُجزية في مناطق الامتياز المصرية. هذا الأمر سيدفع مزيدا من الشركات للتوافد على مصر والعمل في قطاع الطاقة، كما أن توفر الطاقة نفسها سيزيد حماس الشركات والمستثمرين الأجانب للعمل في السوق المصرية مع تأمين احتياجاتهم من الطاقة بأسعار تنافسية، ما يُعني مزيدا من فرص العمل وتراجع معدل البطالة. وبالنظر إلى أن صناعة البتروكيماويات والأسمدة كثيفة الاستهلاك للطاقة فمن المتوقع أن تزدهر في الفترة المقبلة مع توفر احتياجاتها من الغاز الطبيعي، بجانب تغطية الاحتياجات المنزلية من الغاز بما يضمن تقليص الأعباء المادية الواقعة على الأسر المصرية بالنظر إلى فارق السعر بين الغاز الطبيعي والبوتاجاز، مع ترشيد فاتورة دعم أسطوانات البوتاجاز الضخمة التي تتكبدها الموازنة العامة.

من المنتظر أيضا أن تحقق الدولة عوائد مالية مباشرة من تشغيل مصنعي إسالة الغاز الطبيعي في إدكو ودمياط بالطاقة الكاملة، فبحسب هيكل الملكية فإن الدولة تملك 20% في أحد المصنعين و24% في الآخر. وبجانب استغلال الطاقة الإنتاجية الكبيرة للمصنعين في تدبير الاحتياجات المحلية من الغاز المسال، فإنها ستحقق عوائد مالية مباشرة من تسييل الغاز للشركاء وتقديم خدمات لوجستية للمصدرين الإقليميين الذين لا تتوفر لديهم قدرات فنية لتسييل الغاز تمهيدا لتصديره لأوروبا وعدد من الدول التي تستقبل الصادرات عبر النقل البحري وتمنع الحواجز الطبوغرافية الطبيعية من مدّ خطوط برية للغاز معها.

توصيل الغاز الطبيعي للمنازل
توصيل الغاز الطبيعي للمنازل

 

قاطرة عامرة بالوقود

قضت مصر عدّة سنوات ضمن المُصدّرين الصافين للغاز، تحديدا بين العامين 2005 و2011، لكن مع اندلاع ثورة 25 يناير وتعطل العمل في عدد من الحقول وخطوط النقل بشكل تسبب في تراجع الإنتاج المحلي بشكل ملحوظ، إضافة إلى زيادة الاستهلاك بضغط النمو السكاني والعمراني بجانب النمو الصناعي، انتقلت مصر إلى مقاعد المستوردين بتحقيقها عجزا واضحا بين الإنتاج والاستهلاك. وكان أول استيراد للغاز من الخارج في أكتوبر من العام 2014، وفي نوفمبر التالي وقعت مصر عقدا مع شركة "هوج" النرويجية يمتد 5 سنوات لتزويدها بمحطة "تغييز" عائمة (مركب تستقبل الغاز المُسال وتعيده إلى الصورة الغازية). وفي الوقت نفسه فازت شركة BW GAS النرويجية السنغافورية بمناقصة لتوريد محطة "تغييز" ثانية وصلت وبدأت العمل في أكتوبر وبدأت العمل في نوفمبر 2015.

الآن تتوقف مصر عن استيراد الغاز، ما يُعني أنها لم تعد بحاجة لمحطات أو مراكب التغييز العائمة، التي كانت تكلفها فاتورة ضخمة بعشرات الملايين من الدولارات. إضافة إلى أنها تخلصت من فاتورة استيراد الغاز المُسال نفسه، وبجانب حصتها البالغة 40% من الإنتاج المحلي فإنها تُدبر باقي احتياجاتها من الشريك الأجنبي بسعر يقل قرابة 50% عن السعر العالمي. وفي الوقت نفسه تستعد للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة عبر توجيه فوائدها الإنتاجية المُنتظر تحقيقها في الشهور المقبلة لقطاعي التسييل والصناعات البتروكماوية. بجانب تشغيل مصنعي الإسالة العملاقين في إدكو ودمياط كمحطة لوجستية لاستقبال الغاز من المُصدّرين الإقليميين وتسييله ونقله للمستوردين العالميين، بشكل يُعظّم القيمة المضافة للمنشآت المصرية، ويجعل مصر لاعبا مباشرا في سوق الطاقة واقتصادياتها في المنطقة.

يُمكن القول إن النقلة التي شهدها قطاع الطاقة في مصر، بالاكتشافات الأخيرة وتدفقات الإنتاج الضخمة من الغاز الطبيعي، بجانب الامتيازات المنتظر طرحها قريبا في مياه البحرين المتوسط والأحمر، وأكثر من 80 اتفاقية وقعتها وزارة البترول، وأعمال تطوير وتنمية الحقول القائمة في الدلتا وعلى سواحل بورسعيد ودمياط والإسكندرية، تؤكد نجاح الخطط التوسعية والتنموية التي اعتمدتها الحكومة في قطاع البترول، وتفتح الباب لآفاق تنموية أوسع للقطاع، ومزيد من المزايا للقطاعات المرتبطة بالطاقة التقليدية، سواء محطات الكهرباء أو المصانع أو الوقود المنزلي والسيارات العاملة بالغاز الطبيعي. يتجاوز الأمر توفير 30 مليار جنيه كانت تدفعها الدولة سنويا لاستيراد الغاز، أو تعزيز القدرات الاقتصادية والمالية بما يقارب 70 مليار جنيه بشكل إجمالي. إلى دفع خطط التنمية وتطلعات اجتذاب مزيد من الاستثمارات الإجمالية والقفز بمعدل النمو لمستويات قياسية. في الحقيقة يبدو أن قاطرة الاقتصاد المصري أصبحت عامرة بالوقود، وقادرة على الانطلاق بقوة وسرعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة