إلى متى تهمل وزارتا الآثار والثقافة استراحة طه حسين في تونا الجبل؟

الأحد، 28 أكتوبر 2018 05:00 م
إلى متى تهمل وزارتا الآثار والثقافة استراحة طه حسين في تونا الجبل؟
عميد الأدب العربي طه حسين
وجدي الكومي

متى تنتبه وزارتا الآثار والثقافة إلى أن مصر يوجد بها الكثير من الكنوز المطفأة، والتى تعلوها الأتربة، ويكسوها الغبار، وتكاد تكون مدفونة؟

متى تنتبه الوزارتان، وتفعلان، مثل أي بلد في الدنيا، يستغل ثرواته، وثروات أجداده، ويستفيد منها، ويحولها إلى مزار، أو دار ضيافة يستقبل الأدباء من أبنائه، ومن أبناء البلاد الأخرى؟

في سويسرا، هناك أماكن عديدة مر بها وأقام فيها الشاعر الألماني الكبير جوتة، وفي كل هذه الأماكن هناك لافتة تقول إنه مر من هنا، أو جلس هنا وشرب الشاي هناك، أو أقام إقامة مؤقتة هنا.

مدخل استراحة طه حسين بتونا الجبل
مدخل استراحة طه حسين بتونا الجبل

وفي العاصمة الألمانية برلين، هناك لافتة كبيرة تشير إلى بيت برتولت بريشت، والذي تحول إلى مزار مفتوح أمام الجماهير، والعامة، والمثقفين بالطبع، وفي العاصمة الإنجليزية لندن، وضع المسؤولون لافتة على منزل الشاعرة الإنجليزية سيلفيا بلاس، وكتبوا عليها أنها عاشت هنا في الفترة من 1960 إلى 1961، في منطقة بريمورز هيل، وكانت سيلفيا بلاس كثيرة التنقل.

وفي القاهرة تحول بيت عميد الأدب العربي بالهرم إلى متحف، وظل يحمل الاسم الذي اختاره له صاحبه، وهو "رامتان"، وأصبح مركزا ثقافيا، ونظم مسابقات أدبية، كان لكاتب هذه السطور شرف الفوز بها منذ سنوات، إلا أن استراحة عميد الأدب العربي في قرية "تونا الجبل" بمحافظة المنيا، ظلت مهملة، مغلقة، وغير مرممة، أو مجددة، ولا يوجد تفسير لإهمال هذه الاستراحة.

استراحة طه حسين في المنيا تونا الجبل
استراحة طه حسين في المنيا تونا الجبل

اليوم في ذكرى رحيل عميد الأدب العربي طه حسين، ندعو القائمين في وزارة الثقافة ووزارة الآثار، التضافر لإحياء هذه الاستراحة، وترميمها، وتوضيبها، وفتحها أمام الراغبين في زيارة بقعة مهمة من بقاع مصر، وكذلك موضع كبير ومهم أقام فيه عميد الأدب العربي فترة من الزمن، وشهدت إبداع أهم أعماله "دعاء الكروان".

وقصة استراحة تونا الجبل، ترجع إلى علاقة عميد الأدب العربي وصداقته بعالم الآثار سامي جبرة، الذي اكتشف المنطقة في الثلاثينيات، وكان سامي جبرة قد تحول لدراسة الآثار، بدلا من القانون، بعدما غادر مصر إلى فرنسا لدراسته، وهناك حصل على الدكتوراه من السوربون، حول موضوع تاريخ الملكية في مصر من العصور القديمة حتى العصر العربي.

حصل سامي جبرة على دبلوم الآثار من جامعة ليفربول، وكانت عن "العدالة عند قدماء المصريين" وأكمل دراسته للحصول على الدكتوراه من السوربون عن "مجلس الأعيان عند قدماء المصريين" ، وذلك قبل أن يعمل أمينا للمتحف المصري خمس سنوات، ثم أستاذا للآثار بجامعة فؤاد الأول، ثم عميدا لمعهد الآثار المصرية.

استراحة طه حسين

 

استراحة طه حسين

 

عام 1931 وافق عميد الأدب العربي طه حسين، الذي كان عميدا لكلية الآداب، على تخصيص مبلغ 500 جنيه للكشف عن جانب من آثار منطقة الأشمونين بمحافظة المنيا، فتوجه سامي جبرة إلى منطقة تونا الجبل، و عمل في الحفائر بها سنوات، حتى تمكن من العثور على سراديب الإله "القرد" تحوت" وهي السراديب التي زرتها نهاية العام الماضي، خلال زيارتي لمنطقة تونا الجبل، على هامش مشاركتي في مهرجان "مجراية" الثقافي بمدينة ملوي، محافظة المنيا.

حينما زرت استراحة عميد الأدب العربي طه حسين الموجودة هناك في منطقة تونا الجبل، التي ترتفع لطابقين، ساءني أن يترك هذا المكان المهم والملهم دون أي اعتناء، ودون أي فكرة من وزارة الثقافة لإعادة استثماره، أو تأهيله، ثمة أفكار واعدة، وحقيقية بمقدور وزارتي الآثار والثقافة أن تتعاونا لتحقيقها، وثمة إمكانيات عديدة يوفرها المكان، وعلى الرغم من أن هناك أخبار تتحدث عن قرار لمحافظ المنيا بترميم الاستراحة، وتجهيزها لتكون متحفا يضم متعلقات طه حسين ومكتبه، وأخبار أخرى تتحدث عن إعلان لوزير الآثار خالد العناني ترميم استراحة طه حسين، واستراحة الأثري سامي جبرة المبنية عام 1933، إلا أنه على أرض الواقع لا يبدو أي أثر لهذين القرارين، إذ لم تكن الاستراحتين متاحتين للزيارة حينما كنت هناك ديسمبر الماضي، ولا أعرف إن كان ثمة قرار بفتح الاستراحتين لزوار معينين، أم أن قرارات الترميم المزمع إجراؤها تسببت في غلق الاستراحتين.

استراحة عميد الأدب العربي بتونا الجبل

 

استراحة عميد الأدب العربي بتونا الجبل

 

والحقيقة أن لكاتب هذه السطور أفكار عديدة في استغلال هذه الاستراحة، يمكنني عرضها على وزارة الثقافة حال رغبت في أن تخصص جزءا من ميزانيتها لاستغلال الاستراحة في استضافة المبدعين المصريين لفترات قصيرة، مدة شهر أو شهرين، لإتمام مشروعاتهم الأدبية، وكتابة أعمالهم الروائية والقصصية، مع المحافظة على طابع المكان الأثري، واحترامه، وبالطبع سوف تكسب الثقافة المصرية مكاسب لا حصر لها، إذا فتحت هذه الاستراحة أمام استضافة الأدباء الأجانب لفترات شهرين أو ثلاثة أشهر، لكتابة أعمالهم الأدبية، بنظام برامج الإقامة.

كل ما تحتاجه وزارتا الآثار والثقافة، هو نفض الغبار من على كنوز مصر، والتخطيط الجيد لاستغلال هذه الكنوز، وتكريم أصحابها، على ما تركوه لنا من أماكن، ومواضع يمكننا استغلالها بما يليق بمكانتهم، وبما يروج لثقافتهم، ويكرم مشروعهم الثقافي والفكري الكبير، وهو التكريم الذي يستحقه طه حسين.

مع حمادة زيدان في استراحة طه حسين بتونا الجبل
مع حمادة زيدان في استراحة طه حسين بتونا الجبل

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق