جارة القمر

السبت، 17 نوفمبر 2018 06:15 م
جارة القمر
مني أحمد

 
صوتا من أرق الأصوات يأتي عابراً من زمن الفن الجميل مخترقا جميع الحواجز ليلامس شغاف القلب، فيأخذك صوتها الساحر إلي مشاعر تتأرجح تارة بين البكاء وتارة أخري يحمل إليك السعادة متدرجا رقراقاً بين الشجن والفرح، فلصوتها قدرة خارقة على إعادة صياغة المشاعر، أنها جارة القمر الست فيروز كما يحلو للبنانيين أن يطلقوا عليها.
 
فيروز هي أحدي علامات لبنان التي يوافق يوم ميلادها عيد الاستقلال الوطني له، فقد شكلت جزء من هويته ووجدان شعبه، ويعتبرها اللبنانيين حضن الوطن فقد وحدتهم موهبتها رغم انقسامهم المذهبي والسياسي، فلا قاسما مشتركاً يجمع بين اللبنانيين أكثر من صوت فيروز.
 
تجاوزت موهبتها الحدود الجغرافية كما تجاوزت الخصومات السياسية من المحيط للخليج، فلم تغني فيروز لوطنها الأم لبنان فقط بل غنت لمصر والشام وبغداد وعمان وفلسطين ومكة، وهو ما حمل لها مكان خاصة ما زالت ترافق  قلوب محبيها العريض في مختلف أنحاء العالم، وكان للكلمة أهمية خاصة فكانت تحرص علي انتقاء الكلمات بعناية فغنت فيروز لكثير من الشعراء العرب القدامى والمحدثين بداية من قصائد الأخطل الصغير، وقيس بن الملوح وأبي نواس، وصولا إلى إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران ونزار قباني، بالإضافة إلي رفقاء نجاحها الأخوين رحباني متعددي المواهب.
 
بالرغم من تعاونها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وغنائها لخالد الذكر سيد درويش وزياد الرحباني في مرحلة متقدمة، الا أن تعاونها مع الأخوين رحباني شكل مرحلة جديدة في تاريخها الفني وفي تاريخ الرحبانية، فكلاهما أضاف للأخر وأعاد صياغته وجاء في قالب إبداعي وكان مزجا عبقريا بين الصوت واللحن والكلمة.
 
فكان لقاؤها بعاصي وزواجها منه المنعطف فقد أعاد اكتشاف صوتها وقدراته وفهم أغواره  وتفاصيله وطبقاته، فطوع جمله اللحنية لتلك الطاقة الصوتية الجبارة في مجموعة من الروائع التي تنوعت بين الأغاني والقصائد والمسرحيات الغنائية والموشحات، فاجتمعت العذوبة الفيروزية بإبداع الرحبانية لتشكل مدرسة فريدة في الغناء العربي تم فيها المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان اللبنانية في الموسيقى والغناء وحالة متفردة من الإبداع. 
 
وتتمكن فيروز على يد الأخوين عاصي ومنصور الرحباني من التحول من صوت مغرد إلى إيقونة إبداعية قلما يجود الزمن بمثلها، فصوت فيروز كان الطائر الذي يحلق حاملا معه التطوير الموسيقي الذي قام به الرحبانية، فكما طوع الأخوين رحباني إلحانهما لتناسب مقام الصوت الثري رفيع المستوي لونت الست فيروز ألحانهما بتغريدها وبصمة صوتها الذي لا تخطئه أذن، فكانت بدورها تعيد صياغة اللحن علي طريقتها الفيروزية فتتشكل تلاوينه اللحنية في قالب ساحر لم يتكرر حتي ألان.
 
بدأت فيروز مطربة كورس في الإذاعة اللبنانية لتصبح ظاهرة فنية ساحرة وسفيرة لوطنها، ولا شك أن أغنياتها كانت أحد أهم أسباب رواج اللهجة اللبنانية على مستوى العالم العربي، وحصدت فيروز على مدار حياتها الفنية العديد من الجوائز والأوسمة، حيث حصلت على وسام الاستحقاق تقديرا لما قدمته على مدار نصف قرن أو يزيد، لكن يبقي خلودها في وجدان محبيها هو أغلي الأوسمة كل سنة وجارة القمر حاضرة بصوتها محلقة باعمالها رفيقة الأوقات الحلوة والصعبة.
 

 

تعليقات (2)
فيروز العشق
بواسطة: أمينة
بتاريخ: الأربعاء، 21 نوفمبر 2018 04:36 م

فيروز صوت بديع هي حقا عشق

حقيقي جدا
بواسطة: كاريمان
بتاريخ: الأربعاء، 21 نوفمبر 2018 04:38 م

حقيقي صوت فيروز تخطى الحدود الجغرافية وقد لايفهم الكثير منا معاني اغانيها ولكن صوتها وحده يأخذنا للخيال والعشق والاستمتاع

اضف تعليق


الأكثر قراءة