قصة منتصف الليل.. لحظة الحكم بالإعدام على المرحوم

الأربعاء، 21 نوفمبر 2018 10:00 م
قصة منتصف الليل.. لحظة الحكم بالإعدام على المرحوم
صورة أرشيفية
إسراء بدر

أمسكت "منى" الفتاة العشرينية بهاتفها الصغير فورما سمعت رنينه، فنظرت إليه فوجدت الإتصال من "المرحوم"، هكذا لقبته على هاتفها، يمكن أن يكون الاسم غريب ولكن قد تمحو هذا الشعور عندما تعلم حقيقة المتصل.

 

بدأت "منى" حديثها مع المتصل بكلمات هادئة يتبادلا فيها السلام والإطمئنان على الأحوال العامة، وبعدها انجرف الحديث عن الماضى، ربما كانت هذه اللحظة المنتظرة التى عاشت "منى" تحلم بها، بأن تعاتب من أطلقت عليه المرحوم على ما ارتكبه فى حقها على مدار أكثر من عشرين عاما، فقررت أن يتحول هاتفها إلى ساحة قضاء تترافع فيه بكل ما درسته من كلية الحقوق وإمكانيتها فى الرد بالأدلة القاطعة على إتهاماتها.

 

نعم اتهامات للمرحوم، فهو الرجل الذى توفى منذ سنوات طويلة وهو على قيد الحياة، توفى فى قلبها وهو ما زال يلتقط أنفاسه وينبض قلبه، عاتبته على حرامانها منه طوال هذه السنوات دون مبرر مقنع، ولكن أى مبرر هذا الذى يحاول تحضيره، أى مبرر يغفر لأب أن يترك ابنته قبل أن ترى نور الحياة.

 

فقد انفصل عن والدتها وهى تحملها فى رحمها ولم يحاول يوما أن يطمئن على صغيرته، ورغم ذلك صارعت الفتاة من أجل رؤية أبيها ولكنه كان دائم التهرب، وبعد سنوات طويلة ظهر الأب يطلب الغفران، ولكن جاء بهذا الطلب بعدما أصبح "مرحوم".

 

لم يدرك الأب قيمة ما فعله بإبنته طوال غيابه، ظن أنه فور ظهوره سترتمى ابنته بين أحضانه، فوجدها تحاكمه بتهمة الإهمال البشع الذى لا يتحمله بشر، فاستنكرت "منى" شعوره بالمفاجأة من حديثها، فسردت له كل ما بداخلها، ولم تكتف بالعتاب ولكنها قررت أن تلعب عدة أدوار فى هذه المحاكمة الهاتفية، فلعبت دور المحامى المدافع عن حقوق الإبنة، ودور المجنى عليه الذى تذوق العذاب لفقدان الأب وهو على قيد الحياة، والدور الأهم هو القاضى الحاكم بنهاية هذه القصة الموجعة.

 

مع كل كلمة نطقها لسانها فى هذه المحاكمة كان قلبها يرتجف وجعا، ولكنها سيطرت بقوتها التى اكتسبتها من تراكم آلامها، وحكمت بأقصى عقوبة ينتظرها أى شخص وهى الإعدام، نعم لقد أخبرت أبيها بأنه من اليوم فصاعدا يندرج اسمه فى قائمة المتوفيين ولم تقف لإستقبال التعازى فيه، ورغم دموع أبيها التى خيل لها وكأنها دموع التماسيح، إلا أنها لم تغفر له بعده كل هذه السنوات بحجة الظروف المادية، فأى ظروف مادية تجبر أب أن يترك ابنته ويتزوج بأكثر من سيدة وكل زوجة منهن يتركها ويترك معها أولادهما وهكذا دون أى شعور بالتزامات الأبوة.

 

ونهت المحاكمة على وعدها بعدم البحث عنه مجددا وإذا وجدته يبحث عنها ستجد لذتها فى إلقاءه فى تعداد المتوفيين مثلما عاملها طوال السنوات الماضية، وبذلك انتهت المحاكمة على المرحوم بالإعدام وهو لازال ينبض قلبه بالحياة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق