أمريكا تشن حربا على المؤسسات الإعلامية.. هل ينجح ترامب في تحقيق «الانضباط الإعلامي»؟

الخميس، 29 نوفمبر 2018 12:00 م
أمريكا تشن حربا على المؤسسات الإعلامية.. هل ينجح ترامب في تحقيق «الانضباط الإعلامي»؟
ترامب والصحف الأجنبية

«أمر ما ينبغى أن يحدث.. من بينها إطلاق وكالة عالمية من شأنها أن تظهر للعالم أننا حقا عظماء»، هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تغريدة له، فى إشارة إلى رغبة الإدارة الأمريكية فى تأسيس وكالة إعلامية حكومية، وهو ما يمثل سابقة فى تاريخ الإعلام الأمريكى، وذلك فى إطار الصراع الدائر بين البيت الأبيض وقنوات الإعلام الأمريكى.

الاقتراح الذى قدمه الرئيس الأمريكى يعكس أولويته فى تغيير مسار الإعلام الأمريكى فى المرحلة المقبلة، بعد انتهاء انتخابات التجديد النصفى، والذى تمكن خلالها الحزب الجمهورى من الاحتفاظ بأغلبيته فى مجلس الشيوخ وكذلك حكام الولايات، بينما لم يتمكن من فعل الشئ نفسه فى مجلس النواب، والذى نجح الديمقراطيون فى اقتناص أغلبية مقاعده لتحقيق قدر من التوازن على الساحة السياسية الأمريكية.

تغريدة ترامب
 
ولعل حديث الرئيس الأمريكى عن الإعلام ليس بالأمر الجديد، فقد اعتاد منذ بداية فترته الرئاسية فى يناير من العام الماضى، على شن هجمات لاذعة على المنابر الإعلامية الرئيسية فى الولايات المتحدة، وعلى رأسها شبكة "سى إن إن"، والتى طالما اتهمها بالكذب وتلفيق الأخبار، سواء على حسابه بموقع "تويتر"، أو حتى خلال مواجهاته المتعددة مع مراسليها فى العديد من المؤتمرات الصحفية، وأخرها فى أعقاب انتخابات التجديد النصفى، عندما هاجم ترامب مراسل الشبكة الإخبارية البارزة، معتبرا أنه من العار عليها أن يكون هذا الشخص أحد مراسليها، وهو ما يمثل امتدادا للحرب بين الإدارة الراهنة ووسائل الإعلام الأمريكية.
ترامب يهاجم مراسل سى إن إن
ترامب يهاجم مراسل سى إن إن

ويمثل الدور الذى لعبه الإعلام الأمريكى فى مناهضة الرئيس ترامب، منذ ما قبل انتخابه، أحد أهم الأسباب الرئيسية وراء العداء المعلن بين الجانبين، خاصة وأن الغالبية العظمى من المنابر الإعلامية الأمريكية لم تلتزم الموضوعية خلال انتخابات الرئاسة الأخيرة، والتى أجريت قبل عامين، فتبنت مواقف تبدو منحازة انحيازا صارخا لمنافسته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، واستمرت الحملات المناهضة له بعد نجاحه فى الوصول إلى البيت الأبيض، إلى الحد الذى وصل إلى اتهامه بالعمالة لصالح روسيا، وهو ما يمثل سابقة جديدة أن يتهم رئيس أمريكى بمثل هذه الاتهامات فى صفحات الجرائد أو على قنوات الإعلام فى الولايات المتحدة.

إلا أن الحديث عن إجراءات من شأنها تحقيق ما يمكننا تسميته بـ"الانضباط الإعلامى"، يبدو جديدا، من خلال مقترح ترامب بتأسيس وكالة إعلامية حكومية أمريكية، من شأنها إظهار عظمة الولايات المتحدة – على حد تعبيره، ولكن ربما حمل مقدمات خلال الحملة التى شنها عليه الإعلام الأمريكى، فى أعقاب حوادث الطرود المفخخة وكذلك الهجوم على أحد المعابد اليهودية فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية، حيث اعتبروا أن الرئيس الأمريكى هو المسئول الرئيسى عن تلك الأحداث بسبب نشره ما أسموه بـ"خطاب الكراهية".
 
الشرطة الأمريكية بعد العجوم على المعبد اليهودى
 
وهنا ظهرت مقدمات التغيير فى خطاب ترامب تجاه الإعلام، فلم يكتفى كعادته بمجرد انتقاد وسائل الإعلان الأمريكية، وإنما امتد الأمر إلى دعوة، حملت فى طياتها تحذيرا ضمنيا، إلى الانضباط "السريع"، حيث اعتبر، فى تغريدة له، أن الأحداث التى شهدتها الولايات المتحدة تعكس حالة من الغضب ربما تتحمل وسائل الإعلام الأمريكية النصيب الأكبر من مسئوليتها بسبب ما أسماه "تقاريرها المغرضة وغير الدقيقة" التى تقوم بنشرها بهدف واحد، وهو تشويه صورة الإدارة الحالية.

دعوة ترامب لوسائل الإعلام الأمريكية بـ"الانضباط السريع" حملت اتهاما صريحا بالمسئولية عن الفوضى التى شهدها المجتمع الأمريكى، إلا أنها فى الوقت نفسه ربما أعطت انطباعا واضحا أن الرئيس الأمريكى يحمل فى جعبته خططا لتحقيق هذا الهدف، خاصة إذا ما استمرت وسائل الإعلام فى شن حملاتها التى يراها سببا رئيسيا فى حالة الاستقطاب التى تشهدها الولايات المتحدة، والتى ربما تمثل تهديدا صريحا فى ظل الحوادث الأخيرة.

ولعل حديث ترامب عن أهمية الخطوة التى أعلن عنها، باعتبارها تساهم فى إظهار صورة أمريكا "العظيمة"، يمثل استدعاء للشعار الانتخابى الذى تبناه إبان حملته الانتخابية فى عام 2016، فى محاولة لدغدغة مشاعر أصحاب النزعة القومية فى الداخل الأمريكى، إلا أنه فى الوقت نفسه يحمل إشارة إلى الدور الذى لعبته المؤسسات الإعلامية فى الولايات المتحدة فى تشويه صورة الولايات المتحدة أمام العالم، وبالتالى المساهمة فى تقليص نفوذها على المستوى الدولى.

الرئيس الأمريكى بانتظار معركة مع الكونجرس بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب
 
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كانت فكرة الوكالة الإعلامية الحكومية مجرد مقدمة لقرارات أو مقترحات أخرى فى إطار الحرب التى يخوضها الرئيس ترامب مع المؤسسات الإعلامية فى بلاده، خاصة إذا ما استمرت وسائل الإعلام فى شن حملاتها التى تستهدفه، بعض حصول الديمقراطيين على أغلبية مجلس النواب، وهو ما ينبئ باشتعال وتيرة الحرب السياسية بين الإدارة والكونجرس، فى ظل رغبة الديمقراطيين فى تقويض رؤى ترامب عبر مقصلة السلطة التشريعية، بالإضافة إلى رغبتهم فى مقاضاة الرئيس الأمريكى باتهامات تتعلق بما يثار حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهى القضايا التى من المتوقع أن يدعمها الإعلام بتوجهاته الحالية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق