«التسبيب المعيب».. هكذا علقت النقض على كيفية إنقاذ متهم من حبل المشنقة (مستند)

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018 07:00 م
«التسبيب المعيب».. هكذا علقت النقض على كيفية إنقاذ متهم من حبل المشنقة (مستند)
محكمه النقض_حبل المشنقه
علاء رضوان

حكما مهما أصدرته محكمة النقض المصرية، وضعت فيه عدة قواعد جديدة عن كيفية إنقاذ المتهم من حبل المشنقة «الإعدام» عن طريق «التسبيب المعيب».

 صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 23981 لسنة 86 جلسة 2017/02/01، من الدائرة الجنائية الأربعاء «أ» برئاسة المستشار مجدى أبو العلا، وعضوية المستشارين أشرف محمد سعد، وخالد حسن محمد، وبهاء محمد إبراهيم، وجمال حسن جوده، وبحضور رئيس النيابة لدى محكمة النقض كريم الحلوانى، وأمانة سر موندى عبد السلام.

المحكمة قالت أن لمحكمة الموضوع استخلاص واقعة الدعوى من أدلتها وعناصرها، شرط ذلك، الأحكام الجنائية حيث يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر لا على مجرد الظن والتخمين، وأن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً عن عقيدة يحصلها بنفسه دون سواه مما يجريه من التحقيق.  

للمحكمة – وفقا لـ«الحيثيات» - التعويل فى تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة، طالما كانت مطروحة على بساط البحث، وأن التقارير الفنية  لا تصلح بذاتها دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم، وصلاحيتها كدليل مؤيد لأقوال الشهود، مثال لتسبيب معيب لحكم صادر بالإعدام .

لما كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وعناصرها إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون الدليل الذي تعول عليه مؤدياً إلى ما رتبته عليه من نتائج من غير تعسف فى الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وكانت الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة .  

لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد استدل فى إدانة الطاعنة بأقوال شهود الإثبات «....» رئيس المباحث، «....»، «....»، «.....»، «......»، وبتقريري المعمل الجنائي والطب الشرعي، وقد حصّل الحكم أقوال الشهود بما مفاده أن شهادتهم قد اجتمعت – عدا الرابع – على وجود خلافات زوجية بين المتهمة وزوجها – الشاهد الأخير – بسبب قسوة الأولى فى معاملتها للمجني عليهما – وعد و «....» – وَلَدَي زوجها من امرأة أخرى واعتدائها عليهما بالضرب، وأن الشاهد الأول شهد بأن تحرياته أسفرت عن حدوث مشاجرة بين المتهمة وزوجها لذات السبب الذي اجتمعت عليه الشهادة، وعقب المشاجرة غادر المسكن متوجهاً إلى عمله، وقامت المتهمة بالتعدي على الطفلين ضرباً انتقاماً من زوجها، ثم قامت بإشعال النيران بحجرة النوم الخاصة بها وزوجها وما أن انتهت من ذلك حتى غادرت المسكن تاركة الطفلين بداخلها.

 فامتدت النيران إلى محتوياته ونتج عن ذلك وفاة المجني عليهما مختنقين من جراء تأثير الأدخنة المتصاعدة، وأن الشهود من الثانية للرابع شاهدوا المتهمة تقف بمدخل العقار وقت اشتعال النيران بالشقة الكائنة بذات العقار، وأضافت الشاهدة الثانية أن المتهمة أتت من التصرفات ما يبعث على صلتها بالجريمة، ذلك أنها كانت تتحدث بهاتفها النقال ولم تلقِ بالاً عند إخبارها باشتعال الحريق بالشقة وجادلت فى هذا الأمر، ثم بعد أن تيقنت بصحة الخبر رأي العيـــــن أبت أن تعطيهــا مفتاح الشقة لفتحها وإخماد الحريق وإنقاذ المجني عليهمــا، مما حدا بها إلـــى انتزاع المفتاح مـــن المتهمة عنوة وتسليمه لزوجها الشاهد الثالث.

وقد أقر الشاهد الرابع شهادة الشاهدة فى شأن واقعة الحصول عنوة على المفتاح من المتهمة، وشهد الشاهد الثالث بأن زوجته – الشاهدة الثانية – أخبرته بذات الواقعة، كما أضاف الشاهد الأخير بأن زوجته المتهمة بعد شجارهما معاً يوم الحادث بسبب سوء خدمتها لطفليه المجني عليهما قررت له بما نصه «والله لأجيب لك مصيبة» وأنه تركها رفقة ولديه بالشقة منصرفاً إلى عمله ثم أٌخبر عقب ذلك باشتعال النيران بشقته.

واستخلص الحكم من شهادة الشهود على هذا النحو، أن المتهمة هي من قامت بسكب مادة الجازولين على مضجعها وزوجها بالشقة وأوصلتها بمصدر حراري سريع الاشتعال، فاندلعت النيران بمحتويات الغرفة وامتدت إلى باقي أنحاء العين فأحرقتها ونتج عن ذلك وفاة المجني عليهما نتيجة استنشاق غاز أول أكسيد الكربون الناتج عن الحريق، وذلك على نحو ما أفاد تقريري المعمل الجنائي والطب الشرعي.

ولما كانت أقوال هؤلاء الشهود كما حصّلها الحكم – على النحو مار الذكر – قد خلت مما يفيد رؤيتهم الطاعنة بشخصها ترتكب الفعل المادي لجريمة وضع النار عمداً فى الشقة، وذلك بسكب مادة الجازولين على المضجع، وإيصالها بمصدر حراري سريع الاشتعال أدى إلى اندلاع النيران بالشقة، وأن ما ساقه الحكم من شواهد وقرائن تدليلاً على صحة استخلاصه واستنتاجه وتبريراً لقضائه بالإعدام – مجملها أن المتهمة قامت بتهديد زوجها بعد شجارهما معاً، وأن الأخير تركها بمفردها بالشقة رفقة نجليه، وأنها تواجدت بمدخل العقار عقب اندلاع الحريق وبيدها مفتاح الشقة، وإتيانها من التصرفات ما يبعث على صلتها بالجريمة كل ذلك على النحو سالف السرد – لا يفيد بطريق اللزوم وعلى وجه القطع واليقين بأن المتهمة هي من قارفت فعلي سكب مادة الجازولين وإشعال النيران – الفعل المادة – لابتنائها على الظن والاستنتاج والافتراض، ولا على هكذا تبني أحكام الإدانة.

ومن ثم فإن ما تساند إليه الحكم بأسبابه يكون قاصـــراً عن حمل قضائه، لا يكفي ولا يؤدي إلى ما رتبه عليه من نتيجة، ولا يغني فى ذلك استناد الحكم إلى أقوال ضابط المباحث – الشاهد الأول – فيما تضمنته تحرياته السرية من أن الطاعنة هي من ارتكبت الفعل المادي للجريمة، ذلك أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً فى ذلك عن عقيدة يحصّلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً فى تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره.

 ولا يصح فى القانون أن يدخل فى تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها رأياً لسواه، لأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلاّ أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة يقينية أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة، هذا إلى أنه يتعين فى أحكام الإدانة – كما سبقت الإشارة – أن تبني على الجزم واليقـين لا علــى مجرد الظن والتخميــن، فإن الحكم يكون قد تعيب بالفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، ولا يغير من ذلك أن يكون الحكم قد عوّل على ما ورد بتقريري المعمل الجنائي والطب الشرعي، لما هو مقرر من أن التقارير الفنية لا تنهض بذاتها دليلاً على نسبة الاتهام إلى المتهم، وإن كانت تصح كدليل يؤيد أقوال الشهود، لِمَا تقدم جميعه، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة، وذلك دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق