الشعب الأمريكي كلمة السر.. كيف أصبح ترامب رئيسا للجميع؟

الجمعة، 08 فبراير 2019 12:00 م
الشعب الأمريكي كلمة السر.. كيف أصبح ترامب رئيسا للجميع؟
الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب

يبدو الحديث عن الوحدة بين الأمريكيين طبيعيا إلى حد كبير فى ظل طبيعة الخطاب الذى أدلى به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى يطلق عليه «حالة الاتحاد»، وهو الخطاب السنوى الذى يقدمه رؤساء أمريكا لطرح رؤيته للعديد من القضايا أمام الكونجرس بشعبتيه، سواء فى الداخل أو على مستوى السياسة الخارجية، إلا أن توقيت الخطاب هذا العام يأتى فى ظل حالة ربما غير مسبوقة من الانقسام بين البيت الأبيض والكونجرس، حول العديد من الملفات السياسية وأبرزها قضية تمويل الجدار العازل، فى ظل رفض الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس تقديم ما يقرب من 6 مليارات دولارات لبناء جدار على الحدود الأمريكية المكسيكية، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى قرارها المثير للجدل بالإغلاق الحكومى لمدة 35 يوما ليكون أطول إغلاق فى التاريخ الأمريكى.
 
ولعل حالة الانقسام غير المسبوق داخل أروقة السياسة الأمريكية كانت سببا رئيسيا فى إثارة احتمالات كبيرة حول إمكانية إلغاء الخطاب، أو تأجيله، وهو الأمر الذى حاولت رئيسة مجلس النواب الأمريكى التلويح به فى سجالها مع ترامب حول الجدار العازل، وهو الأمر الذى ربما ساهم فى تراجع ترامب عن قراره مؤقتا، ليجد فى الخطاب فرصة جديدة لمخاطبة، ليس أعضاء الكونجرس، وإنما لتقديم رسائل جديدة للمواطن الأمريكى، تحمل فى طياتها حرصا على تحقيق التطلعات التى انتخبوه من أجلها، وهو ما بدا واضحا فى إصراره الواضح على بناء الجدار والحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين على الأراضى الأمريكية، والذين يراهم قطاعا كبيرا من الأمريكيين تهديدا أمنيا واقتصاديا قد يقوض فرصهم فى الحصول على حياة آمنة ومستقرة.

وهنا تبدو «حالة الاتحاد» فى رؤية الرئيس ترامب لهذا العام مختلفة إلى حد كبير عن كافة الخطابات السابقة، سواء التى أدلى بها أسلافه، أو حتى خطابه السابق فى نفس المناسبة بالعالم الماضى، عندما كان يحظى حزبه بالأغلبية فى شعبتى الكونجرس، حيث سعى الرئيس الأمريكى فى خطابه نحو تجاوز الرؤية الحزبية الضيقة، ربما ليضع نفسه فى خانة جديدة يمكننا تسميتها بـ«رئيس كل الأمريكيين»، خاصة وأن خلافاته لا تقتصر على الديمقراطيين، وإنما امتدت إلى جناح «الصقور» داخل الحزب الجمهورى، الذى ينتمى إليه، حول العديد من القرارات التى اتخذها مؤخرا، وعلى رأسها الانسحاب العسكرى من سوريا، والتراجع عن قرار الإغلاق الحكومى، بالإضافة إلى امتعاضهم جراء نيته الانسحاب من أفغانستان، إثر مفاوضات السلام التى تخوضها إدارته حاليا مع حركة طالبان.
 
وتعد الخلافات بين الرئيس ترامب وعددا من قيادات الحزب الجمهورى البارزين ليست وليدة اللحظة فقد سبق له وأن خاض معارك عدة ضدهم، منذ ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ومن بينهم جون ماكين، وبول رايان، حيث كان الموت كان كفيلا بإقصاء الأول، بينما قرر الثانى الابتعاد عن الساحة السياسية بقراره عدم الترشح لفترة جديدة فى الكونجرس، فى خطوة تمثل انتصارا مهما لترامب فى طريقه نحو السيطرة على توجهات الجمهوريين.

وبالتالى يصبح خطاب ترامب هذه المرة لا يمثل رؤية الحزب الذى ينتمى إليه، رغم وجود الكثير من القواسم المشتركة بينهما، إلا أنها تمتد إلى تمثيل رغبات المواطن الأمريكى، والتى يدركها جيدا، وهو ما يمثل امتدادا صريحا لأسلوب إدارته الذى يبدو جديدا إلى كبير، حيث اعتمد على الرئيس الأمريكى على توجيه خطابه للمواطنين الأمريكيين مباشرة عبر منصته على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» منذ بداية حقبته متجاوزا العديد من الحواجز التى وضعها أسلافه لاعتبارات رئاسية أو حزبية، كما أنه لجأ للمواطن مباشرة كذلك فى أوج خلافه مع الديمقراطيين حول الجدار العازل عبر تقديم خطاب للأمة، سعى من خلاله مداعبة رغباتهم فى حياة اقتصادية مستقرة، ومخاوفهم الأمنية تارة أخرى، ليتجاوز من جديد التقاليد المتعارف عليها فى مثل هذه الأزمات.
 
ويمثل حديث ترامب عن الأجندة التى يقدمها خلال الخطاب، ووصفه لها بأنها ليست «أجندة للجمهوريين أو الديمقراطيين وإنما أجندة الشعب الأمريكى»، بالإضافة إلى انتقاداته لأسلافه «سواء ديمقراطيين أو جمهوريين» دليلا دامغا على رغبته فى تجاوز الصورة الحزبية النمطية التى اتسمت بها كافة الخطابات التى أدلى بها أسلافه، فى امتداد لمحاولاته لتوسيع قاعدته الشعبية لتتجاوز الحزبيين لتصل إلى قطاعات أخرى من المواطنين الأمريكيين، سواء من المنتمين للحزب الديمقراطى، أو من اللاحزبيين، فى صورة جديدة ربما يحاول تقديمها الرئيس الأمريكى للسياسة الأمريكية والتى قامت على أساس حزبى منذ عقود طويلة من الزمن.
 
يبدو أن النهج الذى يتبناه الرئيس ترامب فى مخاطبة الأمريكيين، يمثل وسيلة فعالة للغاية فى محاولات الديمقراطيين تشويه صورته منذ صعوده إلى البيت الأبيض قبل عامين، وربما قبل ذلك، خلال حملته الانتخابية، وانتصاره التاريخى على منافسته فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هيلارى كلينتون، حيث سعوا إلى تحريك النشطاء والأقلام الموالية لهم لتحقيق هذا الهدف، وهو ما أدى إلى العديد من الصدامات بين الرئيس الأمريكى وقطاع كبير من المنابر الإعلامية، والتى وصفها مرات عدة بالكذب والتدليس.
 
ولعل المحاولات التى تبناها الساسة الديمقراطيون ربما نجحت خاصة فى بداية حقبته الرئاسية، حيث خرجت العديد من التظاهرات فى مناطق عدة تحمل شعارات على «ترامب ليس رئيسى»، وهو ما يرجع بصورة كبيرة إلى الحملات التى أطلقتها العديد من المنابر الإعلامية، إلا أن نهج ترامب فى الاعتماد على خطاب المواطن مباشرة، خاصة عبر «تويتر» ساهم بصورة كبيرة على الأقل فى توضيح الكثير من الحقائق التى نشرت بصورة مغلوطة عبر أذرع الديمقراطيين الإعلامية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق