من التعددية إلى الشعبوية.. لماذا كفرت الشعوب بأجندات الأحزاب؟

السبت، 16 فبراير 2019 06:00 ص
من التعددية إلى الشعبوية.. لماذا كفرت الشعوب بأجندات الأحزاب؟
لماذا كفرت الشعوب بأجندات الأحزاب؟

 

ظاهرة «اللاحزبية» ليست وليدة اللحظة الراهنة، وإنما شهدت العديد من المراحل، بدأت بصعود ما يسمى بـ «التيارات الشعبوية»، التى تحمل خطابا موجها للطبقات الشعبية، بينما تكيل الانتقادات اللاذعة إلى المؤسسات، سواء كانت المؤسسات الحاكمة، أو حتى مظلتهم الحزبية نفسها، وهو ما يبدو واضحا فى الخطاب السياسى الذى يتبناه عددا من القادة الجدد حول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى اعتاد على انتقاد أسلافه سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين بسبب سياساتهم التى أخلت بموقع الولايات المتحدة باعتبارها القوى العظمى فى العالم.

وبسبب أصوله العربية الفلسطينية، ربما كان انتصار ناييب بوكيلى فى انتخابات الرئاسة الأخيرة بالسلفادور، ملفتا إلى حد كبير، بالإضافة إلى كونه مسلما ليكون الرئيس الثانى فى أمريكا اللاتينية الذى يعتنق الديانة الإسلامية، بعد الرئيس الأرجنتينى الأسبق كارلوس منعم، والذى اضطر إلى التحول نحو المسيحية ليتولى منصب الرئاسة فى بلاده، بسبب القوانين التى تمنع تولى غير المسيحيين لهذا المنصب، إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه فى صعود بوكيلى هو أنه الرئيس الأول الذى يدخل قصر الرئاسة فى بلاده دون ذراع سياسى حزبى، منذ الحرب الأهلية فى بلاده منذ أكثر من عقدين.

يبدو من الصعب تعميم حالة «اللاحزبية» لرئيس السلفادور الجديد، لقراءة التحول الكبير الذى يشهده المشهد السياسى الدولى، إلا أنه فى الواقع ربما لا يخرج عن إطار حالة عامة من التمرد على نظام «التعددية الحزبية» الذى أرساه الغرب منذ القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك فى بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما يبدو واضحا سواء فى النتائج التى باتت تسفر عنها الانتخابات فى العديد من دول أوروبا الرئيسية بالإضافة إلى الولايات المتحدة، والتى تخلى فيها الناخبون عن التصويت لأفكار وتوجهات حزبية، واتجهوا لدعم برامج بعينها رأوا فيها أنها تحقق مصالحهم، وهو الأمر الذى ساهم فى صعود ما يسمى بـ «التيارات الشعبوية» فى العديد من دول الغرب المتقدم، على حساب دعاة المبادئ الفضفاضة، على غرار حقوق الإنسان، والليبرالية والديمقراطية وغيرها.

ترامب حارب خصومه بالشعبوية

ترامب حارب خصومه بالشعبوية

ولا تقتصر الخلافات بين توجهات القادة الشعبويين وأحزابهم، على مجرد الخطابات السياسية، التى غالبا ما يستخدمون فيها الشعارات الرنانة، وإنما تمتد إلى داخل أروقة الحكم، أو المؤسسات الحزبية، على إثر سياسات أو قرارات معينة يتخذها الرئيس تبدو متعارضة مع الأيديولوجية الحزبية، على غرار الخلاف بين ترامب وجناح الصقور داخل الحزب الجمهورى، حول العديد من القرارات الأخيرة، وعلى رأسها الانسحاب من سوريا، وأفغانستان، حيث أنهم يعتبرون أن مثل هذه القرارات من شأنها التأثير عن النفوذ الأمريكى فى مناطق الصراع، فى ضوء عقيدة الجمهوريين القائمة على ضرورة استخدام القوة الصلبة لفرض الوجود الأمريكى، وهو ما يفسر تصويت مجلس الشيوخ الأمريكى، والذى يحظى بأغلبية جمهورية، على مشروع قرار لمعارضة قرارات ترامب السالفة الذكر.

وهنا يمكننا القول بأن صعود الشعبويين، والذين تزامن صعودهم إلى السلطة فى العديد من دول العالم، من بينها الولايات المتحدة والبرازيل، والهند بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية، يمثل بداية النهاية لما يمكننا تسميته بحقبة «الأحزاب السياسية» فى العالم، حتى وإن كان معظم هؤلاء القادة الشعبويين قد خاضوا الانتخابات التى وضعتهم فى مناصبهم تحت مظلة حزبية، غالبا كانت تميل نحو «اليمين»، فى ظل الخط المتشدد الذى يتبنونه تجاه المؤسسات.

إلا أن مؤشرات خفوت الدور الذى تلعبه الأحزاب السياسية على الساحة العالمية لا يقتصر على مجرد صعود القادة الشعبويين، وإنما يمتد إلى أبعاد أخرى تبدو واضحة فى الشارع الغربى سواء أوروبيا أو أمريكيا، حيث ظهرت مؤخرا حركات غير منظمة حظت بدعم قطاعات كبيرة من المواطنين، وعلى رأسها حركة السترات الصفراء، والتى برزت فى فرنسا، وكانت المحرك للعديد من الاحتجاجات التى شهدتها عدة عواصم أوروبية.

السترات الصفراء لاقت دعما كبيرا من المواطنين فى فرنسا
 
السترات الصفراء لاقت دعما كبيرا من المواطنين فى فرنسا

ويعد الدعم الشعبى الكبير لمثل هذه الحركة بمثابة تمردا صريحا على الأيديولوجيات الحزبية فى الدول الغربية، حيث يبقى اتجاه المواطنين نحو دعم حركات غير منظمة وتفتقد القيادة، بمثابة ليس فقط «كفرا» بالمبادئ التى أرستها الديمقراطية الغربية، وإنما أيضا بفكرة الأحزاب السياسية فى ظل الفشل الذريع لكافة الأنظمة التى حكمت بعض الدول فى السنوات الماضية، رغم اختلاف انتمائاتها الحزبية.

فلو نظرنا إلى النموذج الفرنسى على سبيل المثال، نجد أنه فى خلال بين عامى 2007 و2017، تواتر ثلاثة رؤساء على عرش الإليزيه، وهم نيكولا ساركوزى «حزب الجمهوريون اليمينى»، فرنسوا أولاند «الحزب الاشتراكى اليسارى»، بالإضافة إلى الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون (حزب إلى الأمام الوسط)، بينما فشلوا جميعا فى تحقيق طموحات المواطن الفرنسى، وهو ما بدا أولا عبر الصناديق الانتخابية التى أسفرت عن رحيل كلا من ساركوزى وأولاند بعد فترة رئاسية واحدة، بينما انفجر الفرنسيون فى وجه ماكرون، وهو ما بدا واضحا فى الاحتجاجات التى تشهدها باريس والتى شابها أعمال عنف وتخريب.

وبالتالى أصبح التزامن بين تمرد القادة الشعبويين الجدد على أجندات الأحزاب التى استتروا بمظلتها للصعود إلى السلطة من جانب، وحالة الغضب الشعبى تجاه فشل الأنظمة الحزبية على مدار سنوات من جانب أخر، دافعا لبعض الأحزاب السياسية التى قررت تغيير المعادلة السياسية من خلال الدوران فى فلك الحركات الشعبية، وليس العكس، على غرار حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف فى فرنسا، والذى آثر احتضان «السترات الصفراء»، وتبنى مطالبها، فى محاولة للتستر وراء شعبيتها الكبيرة بين المواطنين الفرنسيين فى المرحلة الراهنة، لتحقيق مكاسب سياسية فى المستقبل.

لوبان اختارت التحليق فى فلك السترات الصفراء لإنقاذ نفسها
لوبان اختارت التحليق فى فلك السترات الصفراء لإنقاذ نفسها

بينما اتجهت أحزاب أخرى نحو إحداث بعض التغييرات فى خطابها السياسى، ليتواءم مع نبض الشارع، وهو ما يبدو واضحا فيما يمكننا تسميته بـ«جناح بيرنى ساندرز» داخل الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة، الذى اتجه نحو تبنى خطابا يبدو اشتراكيا، لاسترضاء المواطنين الذين أنهكتهم الرأسمالية المتوحشة، وهو الأمر الذى أدى إلى حالة من الانقسام داخل أروقة الحزب، ربما يحاول الرئيس ترامب استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية فى العديد من القضايا الخلافية، وعلى رأسها قضية الجدار العازل الذى يسعى إلى بنائه على الحدود الأمريكية المكسيكية لاحتواء التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق