الانتخابات التركية.. هل هي بداية حقبة جديدة؟

الإثنين، 08 أبريل 2019 03:00 م
الانتخابات التركية.. هل هي بداية حقبة جديدة؟
إردوغان- أرشيفية
صابر عزت

 
تعد هزيمة حزب العدالة والتنمية، واحدة من أبرز الأحداث السياسية حول العالم، خاصة وأن إردوغان خسر في انتخابات البلديات، 8 مدن هي الأبرز في تركيا، ويعد إجمالي دخلهم في الناتج المحلي، لاقتصاد أنقرة، نحو 60%، من الإنتاج الكلي لتركيا.
 
وربما كان أبرز أسباب خسارة إردوغان وحزبه لتلك المدن، هي الأزمات الاقتصادية، التي يبدو وأنها تفوق قدرات ديكتاتور تركيا، خاصة وأنه لم يقدم ما يذكر في تلك الأزمة حتى الآن، بل يتفاقم الوضع يوما تلو الأخر، حتى مع إعلان إردوغان وحكومته عن برنامج الإصلاح الاقتصادي الكبير، الذي يشبه إلى حد كبير برنامج مصر، والذي سخر منه إردوغان في وقت سابق.
 
كل تلك الأسباب، وغيرها الكثير دفعت الأتراك، إلى أن يجعلوا إردوغان يخسر المدن الثمانية، التي تمثل القوة الاقتصادية في دولة الدكتاتور، وهنا يطرح سؤال نفسه جليا، أمام الأتراك والعالم أجمع.. هل الخسارة السابق بمثابة تهديد لإردوغان ورجاله، وهل هي بداية حقبة جديد تستعد لقيادة تركيا؟
 
من المعلوم لدى الجميع، أن هزيمة حزب العدالة والتنمية في أنقرة، تشكل ضربة موجعة، لكن خسارته إردوغان لاسطنبول تشكل صدمة أكبر، حيث نشأ وترعرع وبدأت مسيرته السياسية فيها. فلماذا خسر الإسلاميون بزعامة إردوغان الانتخابات البلدية في المدن الكبرى؟
 
وتشكل هزيمة حزب إردوغان ذي الجذور الإسلامية في أنقرة ضربة كبيرة للرئيس. ومن شأن الخسارة في اسطنبول، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أمثال العاصمة واستهل فيها إردوغان مسيرته السياسية وكان رئيسا لبلديتها في التسعينيات، أن تكون صدمة أكبر.
 
فقد مُني الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية بخسارة حزبه الإسلامي الحاكم (العدالة والتنمية) السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب عام 2001 واتجاهه لخسارة الانتخابات في اسطنبول أكبر مدن البلاد. و‭‬‬كان إردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل (16 عاما) وحكم البلاد بقبضة حديدية، قد نظم حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل التصويت الذي وصفه بأنه «مسألة مصيرية» بالنسبة لتركيا.
 
لكن لقاءاته الجماهيرية اليومية والتغطية الإعلامية الداعمة له في معظمها لم تكسبه تأييد العاصمة أو تضمن له نتيجة حاسمة في اسطنبول، في وقت تتجه فيه البلاد نحو تراجع اقتصادي أثر بشدة على الناخبين.
 
وشهدت الانتخابات نسبة إقبال كبيرة، بلغت 84.52%، من إجمالي 57 مليون ناخب، لهم حق الانتخاب، للتصويت في 194 ألفا و390 صندوقا انتخابيا، موزعين على جميع أنحاء الولايات التركية الـ 81.
 
الهزائم الموجعة تلقاها إردوغان في أكبر 3 مدن تركية، تضم أكثر من ربع عدد سكان البلاد البالغ 82 مليون نسمة، وهي أنقرة وإزمير وإسطنبول، بالإضافة إلى 6 مدن كبرى أخرى تمثل ثقلا سياحيًا واقتصاديًا بالبلاد.
 
لكن الصفعة بالغة التأثير، وذات الدلالة السياسية، تلقاها رجب في المدينة التي يحكم منها البلاد، العاصمة أنقرة، التي اقتنصها مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، منصور يافاش، بـ 50.9% من الأصوات، مقابل 47.1% لمحمد أوزاسيكي، مرشح الحزب الحاكم، وفقا لبيانات الأناضول.
 
تاريخ جديد يسطره حزب المعارضة الرئيس، بعد انتزاعه مقعد عمدة أنقرة، بعد 25 عاما من سيطرة، حزب العدالة والتنمية، وسلفه حزب الرفاه، ما يعني أن الرئيس سيمارس سلطاته في مدينة خارجة عن سيطرته.
 
أما إسطنبول التي فاز بها مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، وأطاح برئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، بفارق 28 ألف صوت، هي الرئة الاقتصادية للبلاد، وأكبر مدنها من حيث عدد السكان، 15 مليون نسمة، وينظر إليها باعتبارها المركز الثقافي والاقتصادي والمالي، ورمز تركيا الحضاري، والجسر الذي يربط آسيا مع أوروبا.
 
وتحمل خسارة إسطنبول على وجه الخصوص حساسية بالنسبة لإردوغان، الذي ترعرع في قاسم باشا، أحد أحياء المدينة، والذي يقطنه أفراد الطبقة العاملة، ولطالما كرر لأعضاء حزبه أن الفوز بها، يساوي الفوز بتركيا كاملة.
 
لذا رشّح لها أحد أهم وأقرب أنصاره، بن علي يلدريم، الذي بات مستقبله السياسى مجهولا، بعد استقالته من رئاسة البرلمان، متوهما أنه ذاهب إلى نزهة في البلديات. وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية، في أنقرة، إيسي أياتا: «إسطنبول هي قلبه وتحمل أهمية بالغة بالنسبة إليه، إنها المكان الأول الذي بدأوا بالفوز فيه».
 
بضياع إزمير من إردوغان، يكتمل ثالوث الخسارة الذي توقعته مراكز استطلاع الرأي، فهي المدينة الثالثة الأكثر اكتظاظا بالسكان، بعد إسطنبول وأنقرة، وميناء التصدير الرئيس، والمدينة الصناعية الثانية بعد إسطنبول. ووفقا لصحيفة «إيه بي سي» التركية، مثلت نتائج الانتخابات في مدينة ريزا، الواقعة في  الجزء الشمالي الشرقي للبلاد، صفعة أخرى للرئيس إردوغان، الذي قضى طفولته في المدينة، الواقعة على البحر الأسود.
 
حيث أشارت النتائج إلى فوز مرشح المعارضة، لرئاسة مقاطعة فندقلي، أرجومند شاهين تشرفت أوغلو، على منافسه مرشح الحزب الحاكم، مصطفى قاسم زورلو.
 
استطاعت المعارضة قطع يد رجب إردوغان، وإلحاق هزيمة ساحقة برجاله، في مدن ساحل البحر المتوسط، والمراكز السياحية الكبرى، مثل أنطاليا وأضنة وميناء مرسين، والتي كانت بمثابة منجم من الذهب للحزب الحاكم، لما تدره من أرباح مالية كبيرة، نتاج مواردها السياحية والتجارية، والتي كان يستغلها العدالة والتنمية في تمويل نشاطاته، ومخططاته الخارجية، حيث ذهبت جميعها إلى حزب الشعب الجمهوري، والمتحالفين معه.
 
مدينة أنطاليا، هي درة السياحة التركية، وتتصدر قائمة أجمل المدن السياحية في العالم، وخسارتها تعتبر فقدان مورد ماليً كبير، كان يستولى عليه الحزب الحاكم. وتستحوذ ولاية أنطاليا على 34 بالمئة من إجمالي الأماكن السياحية في البلاد، وفق بيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية، استقبلت العام الماضي فقط، أكثر من 10 ملايين سائح، من مختلف أنحاء العالم.
 
أضنة هي خامس المدن التركية الكبرى، من حيث عدد السكان، ورابع مدينة من حيث الموارد والثروات المعدنية، وتنتشر بها مناجم الكروم والحديد والمنجنيز والرصاص والزنك فيها، وتقع في قلب منطقة تشوكوروفا، وهي المنطقة الجغرافية والاقتصادية والثقافية، التي تغطي مقاطعات مرسين وأضنة وعثمانية وخطاي. 
 
وشملت قائمة خسائر العدالة والتنمية بلديات، أماسيا، وأرداهان، أرتوين، بيله جك، بولو، بوردور، جانقري، أرزينجان، غيرسون، كارامان، قسطموني، قرشهير، وسينوب، وديار بكر، وهي البلديات التي كان يسيطر عليها طوال السنوات الماضية، لكنها تحررت هذه المرة من قبضة عصابة السلطان.
 
وتشير الأرقام والنسب، إلا أن إردوغان في مرحلة النهاية، وهو الأمر الذي يدفعه لمحاولة كسب مزيدا من الوقت، عن طريق طرح برنامجه الاقتصادي الجديد، ولكن خسارته لانتخابات البلديات- أو بالمعنى الأحرى المدن الاقتصادية الكبرى- أصبحت تشكل عائقا في تنفيذ برنامجه الاقتصادي.
 
وهو ما دفع «إردوغان» لاستخدام أخر أوراقه، فلاشك أن فقدان إسطنبول يمثل ضربة قاسية جدًا لرجب إردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية، فإلى جانب كونها قاطرة اقتصاد تركيا وأكبر مدنها، ارتبطت المدينة برحلة صعوده لسدة الحكم بعدما تبوأ رئاسة بلديتها عام 1994، وعنها قال: «إذا تعثرنا فيها، فقدنا قدرتنا في عموم البلاد». لذلك طعن ديكتاتور تركيا على كافة النتائج في إسطنبول.
 
في محاولة يائسة لكسب بعض الوقت، بهدفين، محاولة استعادة الدولة الأبرز ومقلاع انطلاق الدكتاتور في عالم السياسة، واستخدماها في الانطلاق نحو خطوات الإصلاح الاقتصادي، والهدف الأخير، وطمس معالم الفساد التي شهدتها على يد إردوغان ورجال حزبه.. وهنا يبقى السؤال: «هل يتمكن إردوغان من العودة المستحيلة؟.. أما هي مجرد خطوات لانطلاق الحقبة الجديدة».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق