«نعم» أحرقتهم.. وتبنى المستقبل: المصريون يفضحون معارضة الحناجر والمصالح

الأحد، 28 أبريل 2019 09:00 ص
«نعم» أحرقتهم.. وتبنى المستقبل: المصريون يفضحون معارضة الحناجر والمصالح
مصطفى النجار

تبرر أغلب الأحزاب غيابها بالعجز المالى وكُلفة الوجود والعمل السياسى.. فإنها تغيب أيضا عن الأنشطة غير المُكلفة

فتح مجلس النواب أبوابه للمعارضين قبل المؤيدين ليدلوا بآرائهم فى التعديلات الدستورية، فحضروا فى جلسات الحوار المجتمعى، وقالوا رأيهم دون مقاطعة من أحد، بل وتجاوب البرلمان مع ملاحظات كثيرة طرحوها، لكن كانت المفاجأة أن بعضهم خرج محاولا التشكيك فى آليات الحوار، ودعوا المصريين إلى مقاطعة الاستفتاء، وساروا على نهج الجماعة الإرهابية التى لا تزال تعيش فى وهم العودة.

ليس فقط وهم عودة المعزول، لكن أيضا العودة إلى ما قبل 25 يناير 2011، وتحديدا حكم مبارك الذى شهد حدودا مرسومة بعناية بين النظام والمعارضة، يتبادل فيها رجال الطرفين الأدوار تحت سقف منخفض، لا يُسمح بتجاوزه، ولا يقبل النظام نفسه النزول عنه.. وهى الفترة التى تمتعت خلالها فصائل عدة من الساحة السياسية بعلاقات وطيدة مع أجهزة الحكم، وصلت إلى المساندة والدعم المادى المباشر، على أن تضطلع بالدور المُحدد لها، كديكور ضابط لفراغ الساحة السياسية، ولمسات «مكياج» محسوبة على وجه الدولة.
 
هذا هو الوضع الذى يريده من يطلقون على أنفسهم «معارضة»، يريدون العودة  دون أن يكون لهم حضور، فهم تعودوا على دور الكومبارس، لا جديد فى عقولهم سوى ذلك، هدفهم أن تعود سياسة الابتزاز مرة أخرى، فهكذا تربوا من خلال توظيف آليات الاحتجاج الحنجورية وديكتاتورية الأقلية، غير مؤمنة بأن الأوضاع تبدلت، وأن الشعب لم يعد يثق فى الحنجوريين، وهو ما تجلّى بشكل بالغ الوضوح والصدمة فى الاستحقاقات السياسية والدستورية، وفى الفعاليات التى يتوجّب على القوى السياسية اللجوء فيها إلى الشارع، بدلا من صفقات الغرف المغلقة، لذا كان الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية مُنعطفا حادا فى مسار قوى المعارضة، وضوءا كاشفا لمحنتها العميقة واهتراء أدوات عملها.
 
من الجمعة 19 أبريل إلى الاثنين 22 أبريل، بواقع ثلاثة أيام للخارج وثلاثة للداخل بالتشارك فى يومين، احتشد أكثر من 27 مليون مصرى، أمام قرابة 14 ألف لجنة تصويت فى الداخل و139 لجنة فى 122 دولة حول العالم، وهى الأرقام الرسمية المعلنة من الهيئة الوطنية للانتخابات، ذهبوا إلى مراكز الاقتراع ليقولوا كلمتهم فى التعديلات الدستورية، بما يعنى استمرار حالة الزخم التى أثمرتها التطورات السياسية بعد 30 يونيو، وربما لا يكون ذلك فى صالح خطاب المعارضة وقوى الاحتجاج التى تتحدث عن إغلاق المجال السياسى وانحسار المشاركة وتراجع الإقبال الشعبى على الاستحقاقات الانتخابية والدستورية.
 
الملايين الـ27 التى ذهبت إلى مراكز الاقتراع وقالت رأيها فى التعديلات، كانت أكبر دليل على فشل مشروع المعارضة فى مصر، وكتبت شهادة وفاة سياسية لها، خاصة أنه منذ طرح التعديلات الدستورية للنقاش فى مجلس النواب لم تفرز المعارضة خطابا متماسكا للتعاطى مع الأمر، بل ربما لم تبلور رؤية واضحة للحوار والاشتباك السياسى، وحصرت موقفها فى الرفض جملة واحدة بشكل مطلق، مع ادعاء أن خريطة التعديلات المقترحة تمثل تعدّيًا على المجال السياسى وذهابا به إلى مدى أبعد من الحصار والمصادرة، إلى جانب تعدّيها على الدستور الذى يشترط فى المادة 226 عدم المساس بالمواد المتعلقة بمُدد الرئاسة. 
 
وبعيدا عن التبسيط الذى تعاطت به قوى الرفض السياسى مع الأمر، فإن التفاصيل المتواترة داخل مشهدها الواسع حملت قدرا لافتا من التناقض، أولا بتمسّكها القاطع بدستور 2014 فى صيغته القائمة رغم حديثها الدائم عن عواره وامتلائه بالثغرات، وثانيا بسيرها فى اتجاه مصادرة الإرادة الشعبية الحاكمة للدستور والمالكة له، بمحاولة حرمانها من تقرير مصيره والحق فى تعديله، بعدما وضعته موضع النفاذ فى استفتاء شعبى سابق قبل خمس سنوات، والأخطر أن تلك القوى التى شاركت فى كتابة الدستور، ثم رأت لاحقا أنه مشوب بالعوار، عادت وتمسكت به، بدون إقرار بمشاركتها فى كتابة وثيقة مرتبكة، أو اعترافها بحاجة تلك الوثيقة للضبط وسد الثغرات، وربما إعادة التأسيس بشكل أكثر اتزانا وتماسكا. الشاهد فى موقف المعارضة من التعديلات الدستورية أنه لم ينصب على جوهر التعديلات ولا مضمون المواد المقترحة، بل كان رافضا للدستور نفسه وليس لتعديله، إذ تعترف الوثيقة الدستورية بإمكانية التعديل وتنظم مساره، ومن ثمّ فإن مصادرة ذلك الاعتراف بمثابة مصادرة للدستور نفسه ومن ثم  مصادرة للإرادة الشعبية المنشئة له والمالكة لحق صياغته وضبطه بشكل حصرى.
 
إذا عدنا إلى جلسات الحوار المجتمعى داخل مجلس النواب سنقف على أسباب سقوط المعارضة، فنجد أن أحد رؤساء الأحزاب المشاركين اقترح تخصيص كوتة حزبية ضمن عضوية البرلمان، بواقع مقعد لكل حزب، واقترح آخر إلغاء الحظر الدستورى على انتماء رئيس الجمهورية لحزب سياسى، وإذا ربطنا تلك الاقتراحات وما يشبهها من أفكار بما تتداوله كثير من فصائل المعارضة عن وجوب دعم الدولة للأحزاب ماديا، سنصل إلى النتيجة التى يريدها هؤلاء، أن تكون معارضة للابتزاز وتحقيق المكاسب الخاصة فقط.
 
فشل المعارضة لم يكن وليد النقاش حول التعديلات الدستورية، وإنما كان سابقا، فقد كانت ثورة 25 يناير مفاجأة مدوية للجميع، النظام والمعارضة على حد السواء، ولم يكن فى الساحة السياسية طرف جاهز إلا جماعة الإخوان، هكذا أقنعت القوى السياسية نفسها مع أول فشل فى الاستفتاء على تعديل دستور 1971 خلال مارس 2011، لكن استمرار تلك الجاهزية مقابل استمرار العجز فى كل الاستحقاقات التالية، سواء انتخابات البرلمان 2011 أو انتخابات الرئاسة والاستفتاء على دستور 2012، وانتخابات الرئاسة والاستفتاء على دستور 2014، وانتخابات مجلس النواب 2015، وانتخابات الرئاسة 2018، يبدو أنه لم يكن كافيا لإشعار القوى السياسية بحاجتها للتوقف وتدارس المشهد واستخلاص الدروس من تكرار الفشل.
 
فى استفتاء مارس 2011 عجزت القوى السياسية عن تنظيم صفوفها واستقطاب الشارع، فتركت الصناديق للتيار الدينى وجماعة الإخوان التى زرعت اثنين من أعضائها ضمن سبعة تولوا تعديل الدستور، وفى انتخابات البرلمان التالية انشفت الصفوف، فتحالفت بعض قوى المعارضة من الناصريين والتيار القومى مع الإخوان والترشح على قوائمها، بينما شكلت مجموعات أخرى قوائم مستقلة، وانضمت مجموعة ثالثة إلى تحالف من الأحزاب القديمة والناشئة، وكانت النتيجة أن استحوذت الجماعة الإرهابية وحلفاؤها على أغلبية المجلسين، وتكرر الأمر فى الاستفتاء على دستور الجماعة، ثم فى الانتخابات الرئاسية التى لعب فيها الإخوان بأربعة مرشحين من التيار الدينى، بينما تشرذم التيار المدنى بين 9 مرشحين، حتى انتهى المشهد إلى ترويج «الاشتراكيين الثوريين» أشد فصائل اليسار تطرفا وعداء للإسلاميين لمرشح الإخوان فى جولة الإعادة.
 
وفى انتخابات الرئاسة 2014 انقسم التيار المدنى حول حمدين صباحى، فحل ثالثا بعد الأصوات الباطلة، وفى رئاسة 2018 عجز مرشح التيار المحتمل، خالد على، وكيل مؤسسى حزب العيش والحرية «تحت التأسيس منذ أكثر من 5 سنوات» عن استكمال عتبة التأييد الشعبى، إلى جانب تزامن الأمر مع فضائح أخلاقية داخل الحزب والمركز الحقوقى المملوك له، فأعلن انسحابه من السباق مستعينا بآليات المزايدة والابتزاز السياسى بدلا من الإقرار بالعجز عن الوصول للشارع أو انقسام تياره حوله واختلافهم عليه!
 
هذا المسار الطويل المصحوب بمحطات فشل عديدة طوال ثمانى سنوات، كان يُوجب على القوى السياسية التوقف ودراسة المشهد، خاصة أن لمحات النجاح القليلة للتيار تحققت فى كنف الإخوان وتحت رعايتهم، سواء فى انتخابات برلمان 2011، أو حتى فى الانتخابات الرئاسية 2012 التى التفوا فيها حول مرشح الجماعة فى «مؤتمر فيرمونت» وتبنوا خطاب الإخوان الضاغط على مؤسسات الدولة لإعلان النتيجة كما يريدون، وهو ما يُعيد للأذهان مسارات التحالف السابقة فى برلمانات 1984 و1987، بالتحالف مع أحزاب الوفد والأحرار، و«العمل» الذى كان اشتراكيا قبل أن يتحول إلى الوجهة الإسلامية!
 
هذا هو حال المعارضة، فمصر تزخر بـ104 أحزاب، لم ينجح فى الوصول للبرلمان منها إلا 16 حزبا، أصبحت 15 بعد إسقاط عضوية محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إضافة إلى حزب التجمع الذى حصل على مقعد واحد بالتعيين، ما يعنى أن 90 حزبا تمثل قرابة 90 % من إجمالى الساحة السياسية غائبة تماما عن السلطة التشريعية، وإلى جانب ذلك فإنها غائبة أيضا عن الوجود السياسى، فأغلبها لا تملك مقرات فى المحافظات أو حتى أنحاء العاصمة، ولا يزيد أعضاؤها عن مجموعة المؤسسين، بل إن نسبة منها اشترت توكيلات التأسيس من مواطنين لا ينتمون لتلك الأحزاب ولا مدوناتها السياسية وانحيازاتها الأيديولوجية، وبينما تبرر أغلب الأحزاب غيابها بالعجز المالى وكُلفة الوجود والعمل السياسى، فإنها تغيب أيضا عن الأنشطة غير المُكلفة، مثل تنظيم الندوات واللقاءات، واستقطاب العضويات وتدريب الكوادر والقواعد الدُنيا، بل إنها لا تملك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعى ولا يتواجد خطابها بأية صورة حتى فى الفضاء الافتراضى، وبطبيعة الحال لا تملك خططا ولا برامج عمل ولا استعدادات للاشتباك السياسى أو الاستحقاقات الانتخابية والدستورية القادمة، ما يُبشر بمزيد من الفشل، ومزيد من المزايدات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق