تعامل مع نفسك كنسخة ويندوز.. حدث نفسك باستمرار

السبت، 04 مايو 2019 09:00 ص
تعامل مع نفسك كنسخة ويندوز.. حدث نفسك باستمرار
عقل
كتب مايكل فارس

اعتبر علماء النفس أن الإنسان يظلم نفسه حينما يحدد صورة ذهنية ثابتة يرسها لنفسه فى عقله،والتي ربما تكوّنت من خلال موقف قديم أو تفاعل مرّ عليه الزمن،أو حتى بالأمس، ثم نسج عنه فكرة ما أو أخذ عنه تصور ما، وقام بتثبيته في عقله، ولم يعد يرى إلا هذه الصورة وتلك الفكرة، ويمر الزمن وتتصاعد الأحداث وتهبط ويظل الشخص معتبرا أنه هذه الصورة التى رسمها فى ذاته.

 

الإنسان الذى لا يحدث صورته الذهنية يظلم نفسه، وقد فسر علماء مدرسة الجيشتالت في العلاج النفسي، ذلك بقولهم إن الشخص لو قام بالنظر إلى شجرة، فإن عينه تقوم بأخذ اللقطة الأولى لها، ثم تقوم بتخزينها في الذاكرة، ولا تستقبل منها أية صور جديدة، إلا لو هبت بعض الرياح، فتحرك أوراقها، وتهز أغصانها، وتفيق عيناك على صورة جديدة، ومشهد مختلف، وقامت كل مدرسة الجيشتالت على دراسة الإدراك والاستقبال وقوانينهما، وكيفية تجديدهما، وكيف أن استقبالاتنا المبكرة لمواقف في طفولتنا، وتثبيتها وعدم مراجعتها، قد وصلت بنا لبعض الأعراض والأمراض النفسية.

 

لذا فالإنسان كأنه درب نفسه على الراحة والاستسهال فلا يريد أن يبذل مجهود ليرى شيئا جديدا خلاف ما تعود عليه، لأن ذلك قد يفسد التصور القديم الذى لديه، ويهدم ذلك البنيان الهلامي الذي بناه على مدار سنوات أو حتى أيام، ومن الأسئلة التى تشرح ذلك مثل أتعلم ما هي الوظيفة الحقيقية لذلك؟ أتدري لماذا نثبّت الآخرين فى صورهم القديمة ومواقفهم السابقة؟، والأجابة لأن ذلك  يساعدنا على تثبيت أنفسنا أيضا، وإعفائها من مسؤولية أي حركة وأي تغير، لأنه يريحنا من أي مجهود نفسي نقوم به قد يفسد تصوراتنا السابقة عن أنفسنا وعن الآخرين.. لأنه يعفينا من مراجعة النفس واكتشاف الخطأ وتصحيح المسار وتجديد الاستقبال، فليبق إذن كل شيء فى مكانه وكل شخص في نسخته القديمة، الجيد دائماً جيد، والسيئ دائماً سيئ، الجميل ما زال جميلا والقبيح يظل قبيحا، ونعيش في قوالب نفسية مصمتة وتماثيل عقلية وشعورية جامدة لا حراك ولا حياة ولا تغيير.

 

عدم التحديث والتطور يعتبر ضد الطبيعة، ضد الكون، ضد قانون الخلائق، ضد البشرية نفسها، فالكون يتغير كل لحظة، والأرض لا تكف عن الدوران، مثلها مثل كل الكواكب حتى النجوم حتى المجرات، كلها في حركة دائمة وتغيّر مستمر كل لحظة فى موقع جديد وإحداثيات مختلفة لا تتكرر أبدا، ناهيك عن الليل والنهار وفصول السنة ومواسم الزرع والحصاد، حتى جسدك نفسهخلايا تموت وخلايا تتجدد، دماء تتدفق جيئة وذهابا فى أوردتك وشرايينك، نبضات لا تكف، أنفاس تتلاحق، هضم وتمثيل وإخراج، ودورات حياة كاملة فى كل خلية من خلاياك.

 

العلم أثبت أن الحركة هي الأصل والتغيير هو الطبيعة، والخيبة الكبرى هي أن تثبّت نفسك أو تثبّت غيرك عند أي موقف أو تفاعل أو كلمة أو نظرة أو خطأ أو موطن ضعف أو لحظة فشل، أو حتى لحظة نجاح، ويحرمنا ذلك ويحرم غيرنا من فرصة جديدة ورؤية مختلفة، وفى واحدة من أهم تفسيرات بعض الأمراض النفسية من منظور التحليل النفسي يسمى حرفياً (التثبيت)، بمعنى تثبيت النفس عند بعض المراحل القديمة في تاريخ نموها وتطورها أثناء الطفولة.

 

علماء النفس وضعوا خطوات خطوات هامة لتحمي نفسك من أمراض وأعراض نفسية سببها أفكار قديمة واعتقادات خاطئة وتصورات غير صحيحة من مواقف أو أشخاص سابقين؟، مثل  برامج الكمبيوتر التي "تحدث" دورياً؟ هذا ما ستفعله، ستقوم بعمل تحديث دوري لاستقبالك لنفسك وللآخرين، وستكتشف كل مرة أشياء لم تكن تعلم عنها شيئاً سابقاً، فيك وفيهم، فمثلا الكتاب الناجح يتم عمل طبعة أولى وثانية وثالثة منه، فما بالك بك أنت، أنت تستحق طبعة جديدة من نفسك وممن حولك كل لحظة، وكل دقيقة، وكل ساعة طبعة أنقى، وأحدث، وأوسع، وأشمل، وأرحب، وأوضح.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة