"السيل الشمالي – 2" يشعل حرب الغاز في أوروبا

الأحد، 16 يونيو 2019 11:45 ص
"السيل الشمالي – 2" يشعل حرب الغاز في أوروبا
د. مغازي البدراوي – متخصص في الشأن الروسي

مشروع "السيل الشمالي2" هو مشروع لمد أنبوب لضخ الغاز من روسيا عبر قاع بحر البلطيق إلى أوروبا الغربية عبر ألمانيا، وتشارك في المشروع عدة شركات عالمية هي "غازبروم" الروسية التي تمتلك 50% منه، و"كونسورتيوم" مكوّن من 5 شركات طاقة أوروبية تحتفظ بالـ50% المتبقية منه بواقع 10% لكل منها.
 
وفي بداية مايو، الماضي باشرت ألمانيا بتشييد أول مقطع بري من "السيل الشمالي -2"، حيث تشارك في مشروع الخط المذكور، "غازبروم" الروسية والشركتان الألمانيتان Uniper  وWintershall وشركة "شل" البريطانية الهولندية، وشركة Engie الفرنسية وOMV النمساوية.
 
ويزيد طول أنابيب المشروع على 1200 كلم وتصل طاقته إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا على أن ينجز في نهاية العام المقبل.
ويتضمن المشروع مد خطي أنابيب لنقل الغاز تبلغ طاقتهما الإجمالية 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، لضخ الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق. وتقدر تكلفته بـ9.5 مليار يورو، ومن المتوقع أن يدشن قبل نهاية عام 2019.
 
ويلقى خط "السيل الشمالي2" معارضة قوية الولايات المتحدة التي تخشى زيادة نفوذ روسيا  في أوروبا، وتسعى لتسويق الغاز المسال الأميركي كبديل للغاز الطبيعي الروسي.
 
وسبق أن تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتينعن الأسباب التي تجعل مشروع الغاز "السيل الشمالي2" ضروريا لأوروبا. وقال بوتين، إن مشروع الغاز الروسي "السيل الشمالي2" مهم لأوروبا، نظرا لزيادة الطلب على الغاز من قبل المستهلكين الأوروبيين، مشددا على أن نمو الطلب يترافق مع تراجع احتياطيات أوروبا من هذه المادة.
 
وكدليل على ذلك أشار الرئيس بوتين إلى أن إمدادات شركة "غازبروم" الروسية إلى دول الاتحاد الأوروبي نمت بنسبة 13%، في حين أن موارد الدول الأوروبية، وخاصة النرويج وبريطانيا، تنضب. كما أكد الرئيس بوتين استعداد روسيا لمنافسة جميع موردي الغاز في السوق الأوروبية على أسس عادلة وفي إطار القانون الدولي.
 
وكان الرئيس الروسي بوتين قد أكد خلال مباحثاته مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في سوتشي على أن "السيل الشمالي2" مشروع اقتصادي بحت لا يجب خلطه بالسياسة.  وشدد بوتين على أن روسيا، ومنذ بدء الاتحاد السوفيتي بإمداداته للغاز إلى غرب أوروبا، "كانت ولا تزال توفر الطاقة دون انقطاع وتقدم إسهاما كبيرا في ضمان أمن القارة الأوروبية بأكملها في مجال الطاقة".
 
ومن أكبر الدول رفضاً لمشروع السيل الشمالي أوكرانيا، خاصة وأنه سيحرمها من ترانزيت الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، حيث حذرت كييف الأوروبيين من هذا المشروع اعتبرت الخارجية الأوكرانية أن مشروع "السيل الشمالي -2" لضخ الغاز الروسي إلى أوروبا سيتيح سيطرة ألمانيا على سوق الغاز الأوروبية بالكامل والتحكم بها، وسيمثل ما يشبه الغزو العسكري الروسي لأوروبا بمساعدة ألمانيا.
 
موسكو ترى إن "محاولات التصدي لمشروع تجاري بحت تتعارض مع جميع قواعد وأنظمة التجارة وقواعد منظمة التجارة العالمية وتشكل انتهاكا واضحا لمعاييرها، ولا يمكن تفسيرها بأي شيء".
 
المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن فرض عقوبات على بناء السيل الشمالي -2   منذ عدة شهور، وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها عن مشروع قانون أمريكي يتضمن فرض عقوبات على الشركات المشاركة في تنفيذ مشروع "السيل الشمالي 2"، الهادف لضخ الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق.
 
ويقول الخبراء الروس أنه "للأمريكيين مصلحة بتسويق غازهم الطبيعي المسال في الأسواق الأوروبية، وينبغي النظر إلى الأخبار التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال في سياق محاولة الضغط الدبلوماسي على الاتحاد الأوروبي لإعطاء فرصة لتوسيع وجود الغاز الطبيعي المسال (الأمريكي) في السوق الأوروبية".
 
مشروع "السيل الشمالي-2"، فائق الأهمية بالنسبة لقطاع الطاقة الأوروبي، وللمشاركين فيه. فألمانيا، مثلا، تدعم بثبات هذا المشروع، بصرف النظر عن أي خطاب معاد لروسيا وأي عقوبات من تلك التي فرضت على روسيا في السنوات الأربع الأخيرة، بما في ذلك بمشاركة ألمانيا نفسها.
 
السناتور الأميركي الجمهوري جون باراسو من ولاية وايومينغ الأمريكية قدم للكونغرس مشروع قانون حول خط الغاز الروسي لأوروبا "السيل الشمالي -2"، وطالب بالإسراع بتمويل حلفاء واشنطن والناتو بالغاز المسال الأميركي، ويرى السناتور أن هذا القانون سيسمح لأعضاء حلف الناتوبتفادي "الضغوط السياسية وتلاعب روسيا بالأسواق"، كما يدعم قوة أمن الطاقة لدى دول الحلف، ويضمن لهم مصادر طاقة أميركية مستقرة ومضمونة، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد مباحثاته الأخيرة مع رئيس بولندا أنجي دودا، صرح بنية واشنطن فرض عقوبات أحادية على الدول التي ستشارك في خط الغاز الروسي "السيل الشمالي- 2". 
 
حديث رجال السياسة الأميركيينحول مسألة أمن الطاقة لأوروبا وعن الثقة وضمانات استمرار الإنتاج تثير شكوك محددة وموضوعية، حيث أن خطوط الأنابيب الروسية المستقرة في الأرض على مسافات أكثر من ألف كيلومتر والمعدة لنقل الغاز لأوروبا، تعتبر حتى الآن من الناحية العملية والواقعية أكبر ضمانة على أمن الطاقة في شمال وجنوب أوروبا، وهي أضمن بكثير من الغاز الأميركي المسال الذي تنقله السفن والشاحنات التي يمكن توقفها في أي لحظة ولأي سبب، كما أن الكثير من الخبراء يرون صعوبة استبدال الغاز الروسي الرخيص بالغاز الأميركي المسال المرتفع الأسعار في الأسواق الأوروبية، الأمر الذي يعكس سوء النوايا والمنافسة غير الشريفة من الجانب الأميركي، وربما لا تتخيل واشنطن مدى تأثير هذه السياسة على حلفائها الأوروبيين. 
 
إصدار واشنطن للعقوبات على الدول المشتركة في خط "السيل الشمالي – 2" أمر ممكن، لكن تنفيذ هذه العقوبات على أرض الواقع أمر صعب للغاية، نظراً لأنها لن تمس دول على عداء مع الولايات المتحدة، بل ستمس حلفاء واشنطن الذين يؤيدونها في فرض عقوبات على الدول الأخرى، هذه الدول التي تطلب منها واشنطن تأييد عقوباتها ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرهم، كيف ستفرض واشنطن عليهم عقوبات، ومن سيؤيد واشنطن حينذاك؟، ناهيك عن أن مطالب واشنطن بمقاطعة خط الغاز الروسي ستسبب أضرارا كثيرة للدول الأوروبية، ولهذا فإن معظم القادة والرؤساء الأوروبيين في غاية القلق من هذا القانون المعروض على الكونغرس.
 
رئيس كرواتيا السابق ستيبان ميسيتش أعلن أن العقوبات الأميركية ضد روسيا غير قانونية، وستسبب أضراراً لجميع الأطراف، بما فيهم الاقتصاد الكرواتي، ويرى أن أية عقوبات أحادية بدون الأمم المتحدة هي عقوبات غير قانونية، ويذكر الرئيس الكرواتي السابقميسيتش أنه عندما أيدت كرواتيا العقوبات ضد روسيا في عام 2014واتخذت إجراءات محددة في هذا الهدف، الاقتصاد الكرواتي تدهور بشكل كارثي، وكانت من أكثر الدول المتأثرة في أوروبا بالعقوبات ضد روسيا، هذه العقوبات التي بلغت جملة خسائرها لدول أوروبا فقط خلال عام 2015 نحو 8 مليار دولار،  ويقول الرئيس ميسيتش أنه في عام 2015 لم توجد شركة على أراضي كرواتيا لم تعاني من العقوبات ضد روسيا.
 
الخبراء يرون أن العقوبات الأميركية ضد خطوط تصدير الغاز الروسية لأوروبا تسبب مشاكل كبيرة في العلاقات الأميركية الألمانية، في الوقت الذي يشكل فيه البيزنس الألماني أهمية كبيرة للسوق الأميركية، هذا إلى جانب طموحات ألمانيا الكبيرة لأن تصبح النقطة الرئيسية لتوزيع الغاز القادم من روسيا إلى أوروبا، كما أن الغاز الروسي ليس مجرد أنابيب ناقلة فقط، بل هو مصدر رئيسي أيضاً للصناعات الكيميائية، وسيطرة ألمانيا على توزيع الغاز الروسي في أوروبا تعطيها امتيازا وقوة اقتصادية وسياسية كبيرة في أوروبا.
 
المراقبون يتوقعون صراعاً شرساً بين مختلف مراكز القوى السياسية، خاصة التي ستدافع عن مصالح ألمانيا في هذا المشروع، وكذلك الذين سيدافعون عن مصالح واشنطن، ومن الصعب التنبؤ الآن، كيف سينتهي هذا الصراع، وإن كان من المحتمل أن يعوق أو يبطئ هذا الصراع بناء خط الأنابيب "السيل الشمالي – 2"، لكنه بالقطع لن يوقفه.
 
بالنسبة للولايات المتحدة، فرض عقوبات مدمرة على شركات الطاقة الكبيرة من الاتحاد الأوروبي، يشكل مخاطرة كبرى. لأن ذلك يعني عمليا إعلان حرب تجارية ويدفع الاتحاد الأوروبي إلى علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع روسيا. 
 
في الولايات المتحدة، على الأرجح يدركون ذلك... وإذا ما غامرت أمريكا، على الرغم من ذلك، بإطلاق النار على حلفائها، فإن "السيل الشمالي-2" سوف يبنى حتى من دون دعم مالي من الاتحاد الأوروبي وغيره. 
 
يمكن تشديد العقوبات إلى ما لانهاية، ومع ذلك فلا أحد يستطيع منع الأوروبيين من شراء الغاز الروسي، ومنع ألمانيا من الكسب من عبور الغاز أراضيها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق