بيدي لا بيد عمرو.. دعم ميلشيات الإرهاب في ليبيا «يخرب» الاقتصاد التركي

الأربعاء، 24 يوليو 2019 09:00 م
بيدي لا بيد عمرو.. دعم ميلشيات الإرهاب في ليبيا «يخرب» الاقتصاد التركي

بيدي لا بيد عمرو ... مقولة قديمة تنطبق علي سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا ، بعد أن تسببت سياسياته في خسائر فادحة لبلاده .. ففي البداية دعم الديكتاتور العثماني عملية حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي ساعدت الانتفاضة المسلحة الشعبية على الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011، ومنذ ذلك الحين، انحرفت سياسة تركيا تجاه الحرب الأهلية الليبية اللاحقة بشكل كبير عن سياسة حلفائها الغربيين ومعظم الدول العربية.

بداية الانحراف التركي تمثل في تسليحها للعناصر المتطرفة ضد الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، في انتهاك واضح للحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على شحنات الأسلحة إلى الدولة التي مزقتها الحرب، حيث كانت الدوافع الأقتصادية هي الذريعة التي يتذرع بها أردوغان للتدخل في الشأن الليبي .

وقد رصدت العديد من التقارير أسباب التدخل التركي في ليبيا، وكان على رأس هذه الأسباب المشروعات والاستثمارات التركية في ليبيا، حيث أشار تقرير نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية، التي فصلت فيه أسباب تدخل تركيا في ليبيا، ووقوفها في دعم حكومة طرابلس وميليشياتها الإرهابية، حيث ذكرت الوكالة الأمريكية نقلا عن مصدرين مسئولين رفضا الكشف عن هويتهما، أن الحكومة التركية حريصة على استئناف مشروعات البناء التي تبلغ قيمتها حوالي 18 مليار دولار.

الحقيقة أن حجم الاستثمارات التركية الحقيقي يقترب من 30 مليار دولار، وتحديدا 28.9 مليار دولار، وهو ما أشار اليه ورئيس المجلس التنفيذي لرابطة المقاولين الأتراك مدحت ينيغون، فالرقم الذي ذكرته وكالة "بلومبرج" لا يأخذ في الحسبان سوى مشروعات البناء، كما أنه لا يراعي الغرامات التي تطالب بها الشركات التركية نتيجة توقف بعض أعمالها بعد اندلاع الثورة الليبية في فبراير 2011.

المشروعات التركية

أويتون أورهان، عضو مركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، يعتقد أن الجشع التركي كان أحد العوامل الحاسمة التي دفعت أنقرة للتدخل في ليبيا، وقال : "الكثير من الشركات التركية كانت نشطة بالفعل في ليبيا في ظل حكم معمر القذافي"، فقد كانت علاقة أردوغان جيدة بالقذافي، وقد ترجم ذلك في صورة إسناد العديد من المشروعات لا سيما مشروعات البناء والتشييد للشركات والمقاولين الأتراك.

لكن الحرب الأهلية الليبية التي اندلعت في فبراير 2011 والتي كتبت نهاية نظام العقيد معمر القذافي، جعلت ليبيا أقل أهمية من الناحية الاقتصادية، حيث انخفضت الفائدة في الاستثمار بشكل ملحوظ، وتسببت في توقف الكثير من المشروعات التركية، ومع ذلك، ظلت الحكومة التركية على اتصال وثيق مع حكومة طرابلس، واستمرت الشركات التركية في تلقي عقود العمل في ليبيا.

وأكدت التقارير الاقتصادية أن القطاعات الاقتصادية في ليبيا تضررت بشدة خلال الثماني سنوات الماضية بسبب تردي الأوضاع الأمنية في البلاد على خلفية الصراع الطاحن والحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس في ليبيا، التي مزقتها الميليشيات المسلحة الموالية لأنقرة، مما تسبب في خروج غالبية الاستثمارات الأجنبية في البلاد فضلا عن تضرر استثمارات الشركات الأجنبية بما فيها التركية، وهكذا أنقلب السحر على الساحر.

من جانبها نجحت أنقرة في توقيع عقد لتدشين الطريق الساحلي في طرابلس، لكن عندما اندلع النزاع مع الجيش الوطني الليبي، تم تجميد الكثير من مشروعات البناء، وخسرت الشركات التركية العاملة في ليبيا قدرا كبيرا من العقود، لذلك لا يدخر أردوغان وسعا في دعم حكومة طرابلس ومد ميليشياتها المسلحة وجماعاتها المتطرفة بأحدث أنواع الأسلحة لوقف زحف الجيش الوطني الليبي الساعي لاستعادة وحدة البلاد وتحرير العاصمة الليبية من قبضة الحكومة العميلة وميليشياتها الإرهابية.

التغلغل التركي

في إطار استمرار مسلسل التدخلات الأجنبية في ليبيا بحجة المساهمة في إيجاد حل سياسي للمأزق الذي تعيشه البلاد، تتحرك تركيا لإعادة وضعها على الأراضي الليبية، بما يضمن بقاء نفوذها في البلد العربي، الذي تطمع أنقرة في ثرواته من النفط، كما تسعى لتحويله إلى سوق رائج للبضائع والسلع التركية، فضلا عن جعل ليبيا قاعدة تحافظ منها على مصالحها في المنطقة، وتشارك من خلال في رسم مستقبل المنطقة العربية.

أنقرة تحاول الاستفادة من الوضع الراهن، حيث تتسارع تحركاتها في الفترة الأخيرة، من أجل التوسع في منافذها الاقتصادية في ليبيا وتحديدا في العاصمة طرابلس، التي تسيطر عليها حكومة السراج العميلة، التي تستعين بالأتراك على الجيش الوطني الليبي، وهو ما يخدم مصالح أردوغان الساعي لتنشيط دور بلاده في ليبيا، بما يعزز مصالحها ونفوذها، وتعزيز استثماراتها من بوابة التعاون الاستراتيجي مع حكومة طرابلس.

في فبراير 2018 قال مدير المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية في حكومة طرابلس أحمد الأربد، إن ليبيا بدأت في معالجة المشكلات التي تعرقل عمل الشركات التركية، موضحا أنه يجري حالياً التواصل مع الجانب التركي لاستئناف عمل تلك الشركات.

عودة الشركات

تحت شعار "شراكة ليبية تركية ناجحة" شارك وزير خارجية حكومة طرابلس، محمد الطاهر سيالة، ووزير التخطيط في أعمال المؤتمر الليبي التركي للتنمية والاستثمار، بمدينة إسطنبول التركية، حيث كان الهدف من هذا المؤتمر استعادة الشركات التركية التي تركت ليبيا إثر الحرب الأهلية في البلاد، ومعالجة الأوضاع الناتجة عما تعرض له الجانبان الليبي والتركي من أضرار جراء توقف أعمال الشركات التركية في ليبيا.

وأعلن سيالة خلال المؤتمر عن تشكيل لجنة مشتركة بين ليبيا وتركيا للتعاون الاقتصادي والاستثمار بين الحكومتين. وأوضح سيالة أن هذه اللجنة سوف تعمل على دراسة أوضاع جميع الشركات التركية العاملة في ليبيا، موضحًا أن مستوى العلاقات السياسية بين الحكومتين أتاح الفرصة أمام الشركات التركية للمساهمة في تنفيذ الكثير من المشروعات في طرابلس وزيادة حجم التبادل التجاري بين الحكومتين، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستساهم في دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.

ويأتي التقارب بين حكومة طرابلس وأنقرة، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة طبرق والجيش الوطني الليبي بزعامة المشير خليفة حفتر عن مقاطعة جميع الشركات التركية، ووقف جميع المشروعات التي تشارك في تنفيذها في الأراضي الليبي، بل وعدم السماح لأي طائرة أو سفينة تركية بالاقتراب من المياه الإقليمية والمجال الجوي الليبي في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الليبي.

مشروعات الكهرباء

ترتبط أنقرة مع حكومة الوفاق العميلة بمصالح اقتصادية متعددة، يأتي على رأسها مشروعات الكهرباء التي تنفذها الشركات التركية لهذه الحكومة، التي تستخدمها لمد أنقرة بالعملة الصعبة، لرد الجميل لولاة أمرها في أنقرة، على التسليح والدعم العسكري الذي تقدمه لها تركيا، حيث فتحت حكومة طرابلس الباب أمام شركات تركيا اللاتي طردتها حكومة طبرق، المنتخبة التي تتمتع بشرعية انتخابية من خلال البرلمان الليبي المنتخب.

وتنفذ تركيا العديد من المشروعات في ليبيا لا سيما في مجال الكهرباء، وتتجاوز قيمة المشروعات في هذا القطاع، 3 مليارات دينار ليبي (حوالي 2.25 مليار دولار أمريكي)، بحسب تصريح صحافي سابق لرئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء في ليبيا عبد المجيد حمزة.

تساهم تركيا في مشروع كبير له أهمية سياسية بقدر أهميتها الاقتصادية وإن لم تتخطاها وهو محطة طاقة أوباري الذي قيل عنه مرارا إنه الحل الأمثل لمشكلة الكهرباء في إقليم فزان. وفي 29 يناير أعلنت شركة الكهرباء الليبية "جيكول" المملوكة للدولة أن شركة البناء التركية "إنكا تكنيك" سوف تستأنف العمل في محطة "أوباري". بينما أكد موقع الشركة التركية أنها أكملت 98% من العمل فعليا. وقبل يومين تداولت وسائل التواصل الاجتماعي أنباء عن دخول المحطة للخدمة رسميًا.

إعادة الأعمار

مشروعات إعادة الإعمار تمثل كعكعة تسيل لعاب شركات المقاولات والبناء التركية، على الرغم من استفادة أنقرة من حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا المنقسمة بين حكومة طبرق في الشرق وحكومة طرابلس في الغرب، التي تضمن تدفق العملة الصعبة من البنوك الليبية إلى الخزانة التركية مقابل الحصول على السلاح التركي الذي تستخدمه الميليشيات الإرهابية ضد الجيش الوطني الليبي.

في نوفمبر 2018  أجرى رئيس المجلس الرئاسي بحكومة طرابلس، فائز السراج، مباحثات مع الرئيس التركي وكبار مسؤولي الدولة التركية في إسطنبول. وضم الوفد الليبي الذي ترأسه السراج مجموعة من الوزراء والمسؤولين في حكومته ومنهم وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، ووكيل وزارة الصحة، محمد هيثم، بالإضافة إلى السفير الليبي في أنقرة، عبد الرزاق مختار.

وبحث الجانبان في هذا الاجتماع سبل تطوير علاقاتهما في مختلف المجالات وتحديدًا في المجال الاقتصادي بين البلدين وآليات تطوير هذا التعاون. كما تناول اللقاء ملف الشركات التركية وإجراءات عودتها لاستئناف أعمالها في ليبيا، حيث أكد السراج على تعويله وأمله في عودة تلك الشركات لمساعدة حكومته في تنشيط اقتصاد طرابلس وإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها ميليشياته.

إردوغان جدد للسراج دعم أنقرة لحكومة الوفاق، وأشاد بما تبذله من جهود لتعزيز الوجود التركي في ليبيا، وحرصها على عودة الشركات التركية إلى ليبيا. وأكد الرئيس التركي على استعداد تركيا للمساهمة في المشروعات الاستثمارية  وبرامج إعادة الإعمار في ليبيا وتقديم ما يطلب منها في هذا الصدد.

 كما تسعى تركيا للاستحواذ علي أكبر قدر ممكن من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، بما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد التركي الذي يُعاني منذ العام 2016، وذلك من خلال الدفع بشركات المقاولات التركية للعمل في ليبيا، فضلاً عن تعويض الخسائر الاقتصادية التي تعرّضت لها تركيا في ليبيا بعد العام 2011،سواء لتدهور الأوضاع الأمنية أو لقرار حكومة الشرق الليبي بإيقاف التعامل مع الشركات التركية بسبب دعم تركيا للإسلاميين في الغرب.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة