يوسف أيوب يكتب: لبنان في مفترق طرق

السبت، 09 نوفمبر 2019 03:00 م
يوسف أيوب يكتب: لبنان في مفترق طرق
مظاهرات لبنان

ما يحدث فى لبنان مرتبط أساسا بما يدور حول سوريا حاليا من نقاش بعد العدوان العسكرى التركى الجائر على الشمال السورى
 

دائما ما نقول إن لبنان هو تجسيد مصغر لوضع المنطقة، إن استقر فهو إشارة إلى استقرار المنطقة، وإن انتابته اضطرابات كان ذلك مؤشرا أن المنطقة مقبلة على توتر أكبر، فالتركيبة السياسية داخل لبنان تعبر عن الواقع العربى.

يشهد لبنان حاليا حراكا سياسيا مرجعه أزمة اقتصادية تعيشها الدولة العربية منذ سنوات، ووصل به الحال إلى العودة مرة أخرى إلى النقطة صفر، فحكومة سعد الحريرى استقالت بعد احتجاجات استمرت فى الشارع لأسابيع، وفى نفس الوقت ينتاب الخوف والقلق رجال قصر بعبدا، الرئيس ميشال عون، ومن خلفه التيار العونى الذى يترأسه زوج ابنته، ووزير الخارجية جبران باسيل، وما بين استقالة الحكومة وخوف الرئاسة بقيت مواقف القوى السياسية موزعة ما بين التحذير من فراغ سياسى يمتد لسنوات، وآخرين يرون أن الوقت حان لإحداث صدمة سياسية كبرى فى لبنان تعيد للدولة استقرارها الذى افتقدته لسنوات طويلة.
 
بطبيعة الحال ما يحدث فى لبنان مرتبط أساسا بما يدور حول سوريا حاليا من نقاش، بعد العدوان العسكرى التركى الجائر على الشمال السورى، وأيضا الحوارات الدائرة حول إقامة منطقة «آمنة» على الحدود التركية السورية، وهو ما زاد من التوترات التى تعيشها سوريا منذ 2011 وإلى الآن، والتى يحاول بعض السياسيين التوصل إلى تهدئة بشأنها، وأقرب الطرق لهذه التهدئة هو انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية السورية فى جنيف للاتفاق على وضع دستور جديد للبلد الذى مزقته الخلافات والحروب أيضا.
 
كما أن ما يحدث فى لبنان مرتبط أيضا بالوضع فى اليمن والعراق وغيرهما من دول المنطقة، التى تشهد حراكا سياسيا وشعبيا أيضا لمواجهة «قوى الفساد» التى أحدثت تأثيرات سلبية فى هذه الدول، لكن لا يغيب عنا حقيقة مهمة، أن هذه التحركات رغم أوضاع البلدان العربية السلبية، إلا أنها لم تكن لتحدث بهذا الشكل إلا إذا كان هناك فى الخارج من يؤيدها ويدعمها، وهذا الأمر لا يرتبط بنظرية المؤامرة الخارجية التى لا تستهوى البعض منا، لكنها مرتبطة أساسا بمجريات الأمور فى المنطقة.
 
فما يحدث فى لبنان ومعه أيضا العراق لا يمكن بأى شكل من الأشكال فصله عن التهديدات الأمريكية لإيران على سبيل المثال، فمن المعروف أن فى بغداد وبيروت امتدادات سياسية لإيران، وهى امتدادات أو ما يمكن وصفها بأذرع قوية، وتتحكم فى فواصل الدولتين، سواء من خلال السيطرة على الحكومة أو على الشارع، وهو ما أعطى طهران ميزة نسبية فى المنطقة، وهو الأمر الذى تفطن له واشنطن جيدا، وتدرك أن استمرار هذا الوضع سيكون فى صالح إيران، وأن أى محاولة لمجابهة إيران أو التأثير على نظامها السياسى لا بد أن تأتى عبر امتداداتها الخارجية أولا، قبل الحديث عن أوضاع الداخل، وهو ما أعتقد أنه يحدث حاليا فى العراق ولبنان، خاصة إذا نظرنا إلى الوضع فى لبنان تحديدا بعين مجردة عن أى انتماءات سياسية أو أيديولوجية، فما يجرى فى بيروت يسير فى اتجاه تقليم أظافر حزب الله، الذى خرج أمينه العام، حسن نصر الله، محذرا من استقالة الحكومة، لأنه سيكون من الصعب على اللبنانيين التوافق على حكومة جديدة، لكن ما هى إلا أيام واستقالت حكومة الحريرى، وبات الوضع فى بيروت معرضا للغوص فى بئر عميقة، لا يمكن الخروج منها إلا بتنحية فصيل معين أو تقديم الكثير من التنازلات التى سيكون لها تأثير مباشر على وضعية من سيقدم التنازل، وأقصد هنا تحديدا حزب الله، الذى يبدو من الصورة التى تصل إلينا أنه المقصود بما يحدث، وأن الوقت حان ليعيد دراسة المشهد، ليس بناء على نظرية القوة أو السيطرة على الشارع، بل من منطق سياسة إخراج لبنان من مأزق الحزبية والطائفية.
 
هذا هو ما يحدث فى لبنان، الذى كما قلت لا يمكن فصله عما تشهده المنطقة بشكل عام، ما بين تغيرات استراتيجية وتقلبات سياسية، فالمنطقة العربية تعيش هذه الأيام ما يمكن وصفه بمرحلة السخونة السياسية التى لا يدرك أحد إلى أين ستصل مستقبلا، لأن الأوراق باتت متداخلة، وإذا نظرنا على سبيل المثال لما يحدث فى المغرب العربى وتحديدا تونس والجزائر لأدركنا أن المنطقة لا تعرف إلى أين ستذهب، ففى الجزائر رغم الاتفاق على تنظيم انتخابات رئاسية تنهى حالة الفوضى التى شهدتها الدولة العربية لعدة أشهر، إلا أن ما يحدث من حراك فى الشارع ربما يشير إلى أن خطوة الانتخابات الرئاسية لن تهدئ الأوضاع فى الداخل، خاصة أن بعض قوى الإسلام السياسى لا تزال ترى أن نتائج الإطاحة بنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لم تمنحهم أى ميزة، وهم يريدون أن يكونوا موجودين فى صدارة المشهد.
 
من الجزائر إلى تونس التى عاشت الأسابيع الماضية حراكا انتخابيا، أتى برئيس كانت توجهاته فى السابق مقلقة للكثيرين، لكنه حتى الآن ومنذ وصوله إلى قصر قرطاج لم يعلن عن تفاصيل خططه السياسية، وإن كانت المؤشرات تقول إنه سيكون فى تحالف قوى مع حركة النهضة الإخوانية التى أعلنت وقوفها مع قيس سعيد فى جولة الإعادة، وربما تكون خطوة الإبقاء حتى الآن على «يوسف الشاهد» المقرب من الإخوان فى رئاسة الحكومة مع الإطاحة بوزيرى الخارجية والدفاع، دليلا على عودة تونس إلى فترة ما بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن على، وهى فترة الصعود السياسى للإخوان، والتى أعقبها انفجار فى الشارع التونسى الذى رفض الحكم الإخوانى، ولم تملك «النهضة» من سبيل إلا التراجع خطوة للخلف، لأن الشارع كان مضادا لها، لكنها اليوم تشعر بأنها فى وضعية قوية، فالرئيس حليف لها، كما أن الحركة استطاعت خلال السنوات الخمس الماضية تكوين خلايا داخلية أو ما أسمته المعارضة المدنية التونسية «جهاز سرى خاص»، بمثابة اليد الطولى لحركة النهضة لمواجهة أى من الرافضين لوجودهم فى صدارة المشهد السياسى، لذلك ليس مستغربا بعد أيام أن نرى راشد الغنوشى، زعيم النهضة، رئيسا للبرلمان التونسى، أو رئيسا للحكومة، لتكمل «النهضة» قبضتها السياسية على تونس، دون خوف من أى تقلبات داخلية، على أمل أن تكون عودتهم فى تونس بداية لعودة الإخوان إلى بلدان أخرى فى المنطقة.
 
مشروع الإخوان وتيارات الإسلام السياسى فى تونس والجزائر بطبيعة الحال يقلق الكثيرين، خاصة المدافعين عن المدنية، لكن بالعودة إلى لبنان مرة أخرى سنجد أن أحلام الإخوان المتجددة فى تونس والجزائر ما هى إلا أضغاث أحلام، لأن الشارع العربى لم يعد يخاف أو يهاب من الإسلام السياسى، حتى وإن كان متدثرا بعباءات خارجية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة