صوت الأمة العدد 1000.. مصطفى الجمل يكتب: «صوت الأمة» التى حَنت علينا

السبت، 22 فبراير 2020 03:02 م
صوت الأمة العدد 1000.. مصطفى الجمل يكتب: «صوت الأمة» التى حَنت علينا
مصطفى الجمل

كنا أطفالا انتهوا لتوهم من الدراسة الثانوية، قلوبنا وأبصارنا عالقة بمجال نحقق فيه الحسنيين «السيط والغنى»، لم نكن من هواة الرياضة ولا الكيمياء ولا حتى التجارة والحقوق، كان الشغف أكثر بالكتابة والشعر والقصائد والمسرح والنقد الأدبى، وكانت الصحافة المدخل الواسع لهذا كله، فاخترنا من الكليات ما يخدم هذه الفكرة، أملا فى جريدة تحتضنا بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية، وقبل أن نتحرك خطوة واحدة كانت «صوت الأمة» أكرم من فكرنا وأحلامنا وخططنا، كانت حاضرة كمغارة على بابا، فتحت لنا أبوابها بلسان حال: «ادخلوها الآن ولكم ما شئتم».
 
دخلت البيت الكبير قبل عشر سنوات من الآن، وبالتحديد فى شهر أكتوبر، واعتبرت يوم الـ 16 من هذا الشهر مولدا ثانيا لى، ولحسن الصدف أنه لا يبتعد عن المولد الأول سوى ثلاثة أيام.  
 
فى فيلا بوسط حى الدقى، كان المقر الذى عرفنا فيه قدسية الاجتماع الأسبوعى وما معنى «الترويسة»، وماذا يراد بـ«المصدر»، وكيف هو التحقيق الذى يختلف عن التقرير، وكيف نصنع حوارا مع مصدر، فيخرج منه عشرات الأفكار لسلسلة تحقيقات، تسلى بها صيامك إن انقطع عنك الوحى الأسبوعى، وملت مصادرك «زنك»، وقطعت عنك مدد المعلومات والمستندات أو كما نسميها على ترابيزة الاجتماعات «الورق». 
 
هنا عرفت كيف تصنع علاقة مع مصدرك قائمة على الندية المؤدية إلى تبادل الاحترام، لا إلى الاحتقار أيكما للآخر، ولا لتعالى بعضكما على بعض، تعلمت كيف تقطع على مصدرك وسواسه بأن يفكر مجرد التفكير فى أن ينظر إليك نظرة غير لائقة، وأقطع على وسواسى الخناس استغلالى لسطلة النشر المؤدى مباشرة إلى التشويه والتشهير شر استغلال.
 
هنا عرفت أن «الزبون» ليس بالضرورة أن يكون دائما على حق، وأننا لسنا فى «طابونة» أو «مطعم» لنستحى أن نقول لـ«الزبون»- المسئول- أنت فاسد أو مخطئ، وما بينك وبينى قناتين لا ثالت لهما، فلك أن ترسل ردا على ما هو منشور وللجريدة حق التعقيب، أو أن تلجأ إلى القضاء.
 
هنا عرفت كيف أن احترام مصدرك لك لا يقوم بأى شكل على التبعية، وصياغة المدح فيه شعرا ونثرا، وأن احترامه لك لابد أن يكون قائما على تأكده من أنك لن تترك سوطك يوما، ولن تأخذك به رحمة إن قرر التلاعب بما هو يخص العامة بأى شكل من الأشكال.
 
هنا تعلمنا أن احترام المصادر لنا لا يقوم إلا على معرفتهم التامة بقدرتنا على التفكير والابتكار والإلحاح فى طلب المعلومة الصحيحة مهما كانت المشقة، وتزيينها وكأنها عروس، وزفها فى ليلة كبيرة إلى الجمهور، وليس على الاكتفاء بما هو مرسل من المصدر من بيانات أو تصريحات ونشرها كما هى دون التدقيق والتوثيق، وطرح الاستفهامات التى لا تفنى ولا تستحدث من العدم.
 
تعلمنا أن تقدير المسئولين لمدرسة كـ «صوت الأمة»، مبنى على ما كان وسيظل يميزها عن غير من جيرانها بالقدرة على استنباط ما بين السطور، واستنتاج ما هو باطن مما هو ظاهر، وبرزوته فى قوالب صحفية شيقة قادرة على جذب القارئ مهما كانت درجة نفوره من أوضاع الصحافة الناقل بعضها عن بعضها، والمكتفية بما يبوح به المصدر وما يتفضل به من بيانات.
 
هنا ناطحنا مسئولين وشخصيات عامة، كان يهتز لمرورها قطر بأكمله، لم نخش فى نشر مستند أو معلومة لومة لائم ولو كان  يخص ذى بطش، هنا عرفنا كيف تصنع «السبعينة»، وكيف تتصرف مع الاختصار بطريقة غير التى تستخدم فى محال الجزارة، وأسهل الطرق للوصول إلى الصفحة الأولى.
 
هنا «صوت الأمة» التى حنت علينا، فكان لها الفضل والمنة فى أن نتعلم ونتعلم ونتعلم، قبل أن نقدم للجمهور ليتعرف علينا ولو بقدر بسيط.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة