«صوت الأمة» وزوار الفجر

الأحد، 23 فبراير 2020 02:54 م
«صوت الأمة» وزوار الفجر
هبة جعفر تكتب :

20  عاما مرت على تأسيس جريدة «صوت الأمة» للوهلة الأولى، تشعر بالاندهاش فكيف مرت هذه السنوات سريعا، رغم ما تحمله من الكثير من الذكريات والأزمات واللحظات السعيدة بداخلها، فتجربة العمل بالجريدة كان حلما يراود عقلى منذ الالتحاق بالجامعة، فرغم وجود العديد من الصحف القومية وعدد قليل من المستقلة، لكن يبقى اسم «صوت الأمة» مميزا ليس للقارئ فقط، لكن أيضا بالمجال الصحفى، فهذا الكيان ساهم فى فترات كثيرة فى رسم السياسات، وتغيير الوزارات وكشف الحقائق، فهى صاحبة خط جرئ يسير دون مخاوف من المصادرة وضغوط الدولة فى وقت كانت حرية الرأى والتعبير تهمة يعاقب عليها كل من تسول له نفسه بأنها حق كفله القانون.
 
مرت سنوات الجامعة الأربع، ومنذ اليوم الأول لانتهاء الدراسة، قررت خوض التجربة، ودخول المجال الصحفى دون واسطة أو محسوبية، لتبدأ أولى خطواتى نحو بوابة «صوت الأمة»، ولم أجد صعوبة فى الالتحاق بالجريدة فخلال نصف ساعة، وبعد مقابلة رئيس قسم الحوادث بالجريدة الزميل رضا عوض، بمقرها القديم بميدان لبنان، بدأت العمل لتكن النصيحة الأولى قراءة الجريدة بشكل مستمر لمعرفة الخط السياسى والتحقيقات التى تتناولها الجريدة فى أعدادها، فهى تختلف بشكل كبير فى خطاها.
 
لم يكن العمل داخل قسم الحوادث أمرا هينا، ولكنه كان مفيدا بشكل كبير فى فهم سياسية الجريدة، وبعد مرور شهر، كان نزول أول موضوع صحفى بالجريدة باسمى وهو «رحلة بحث عن 7 أشخاص فقدوا بالصحراء أثناء بحثهم عن عمل ولكنهم ضلوا الطريق»، لم يمر شهرين حتى تمكنت من فهم السياسية التحريرية، القائمة على كشف الحقائق بالمستندات ومواجهة الفساد أى ما كان فاعله لتتوالى الموضوعات المدعومة بالمستندات ومن بينها الكشف عن عصابة للتنقيب عن الآثار بقنا يتزعمها لواء شرطة، وشقيق شخصية بالرئاسة، وعرفت وقتها بقضية الآثار الكبرى ليكون لـ «صوت الأمة» السبق فى فتح القضية ونشر تحقيقاتها.
 
لم يكن التواجد داخل الصحيفة أمرا سهلًا، فالتربص بالصحفيين وملاحقتهم قضائيا كان بمثابة العقاب الذى يناله صحفيو الجريدة نظير كشف الحقائق، وقد كنت من بين هؤلاء الذين كشفوا قضايا التعذيب داخل أقسام الشرطة فى فترة استخدم قلة من ضباط الشرطة التعذيب للحصول على المعلومات من المتهمين، وبين ليلة وضحاها صدر حكم قضائى بتغريمى مبلغا ماليا كبيرا نظير نشر تقرير عن التعذيب، وتحركت قوات الأمن من ثلاث جهات أمنية للبحث عن مقر سكنى لمدة ثلاثة أيام، لتكن النهاية بوجود زوار الفجر أمام منزلى وإحالتى للمحكمة «أما الدفع أو الحبس»، لم تتخل الجريدة عن مسئوليتها اتجاه الصحفيين، كما تعودنا، وتحركت إدارة الجريدة لدفع المبلغ، وتمت مساعدتى على الخروج من الأزمة، وبعد وقفة احتجاجية للتنديد بما حدث نال باقى الزملاء جزاءهم بإرسال قوات الأمن لمسكنهم وتهديدهم بوجود قضايا ضدهم.
 
خرجت الجموع فى ثورة 25 يناير للتنديد ببعض ممارسات النظام فى ذلك الوقت، ولعبت وقتها مانشتات «صوت الأمة» دورا قويا فى الثورة، وساهمت فى كشف منتخب الفاسدين، وكان لها حضور قوى فى تشكيل وعى المواطن بنقل ما يدور بالميدان من تكوينات لأحزاب وحركات سياسية واجتماعية، وكان لمقالات رئيس التحرير دور فى رسم التحركات والأوضاع السياسية.
 
مرت أحداث الثورة، وجاءت الانتخابات الرئاسية، وتحققت تنبؤات الجريدة بمحاولة الإخوان ركوب الموجة، لتصبح «صوت الأمة» بمثابة الانذار وحائط الصد ضد صعود الإخوان لمقعد الرئاسة، وبعد الانتخابات شنت الجريدة على مدار عام الحملات ضد توجهات الإخوان، وفشلهم فى إدارة الدولة واتباع سياسات فرق تسد حتى جاءت نهاية الإخوان وسقوطهم المدوى لتكمل الجريدة فى مساندة الدولة ومساعدتها للنهوض من كبوتها والوقوف فى وجه الإرهاب.
 
 13 عاما قضيتها داخل جريدة «صوت الأمة»، كانت بمثابة البوصلة لطريقى فى بلاط صاحبة الجلالة، فهى التجربة الصحفية الفريدة التى تركت بصمة قوية لدى جميع الصحفيين، فهى كانت بمثابة شهادة المرور لمساندة أصحاب الحقوق والمظلومين وبوق للدفاع عن الحرية والحياة الكريمة للمواطن، وفى الختام فالسلام على روح الراحل صاحب التجربة القوية عصام إسماعيل فهمى لتأسيسه جريدة مستقلة فريدة جمعت المئات من الصحفيين الكبار وتركت علامة قوية تدرس فى بلاط صاحبة الجلالة لسنوات قادمة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق