المناصرون والخصوم يفتكون بالغنوشي.. «النهضة» تنتهي سياسيًا في تونس

الجمعة، 05 يونيو 2020 11:00 م
المناصرون والخصوم يفتكون بالغنوشي.. «النهضة» تنتهي سياسيًا في تونس
الغنوشي وعبد الفتاح مورو
محمد فزاع

تصاعدت الانتقادات إلى راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية، بشأن دعم المحور التركي القطري في الملف الليبي، تبعها مساءلة من النواب في البرلمان - وسط أجواء مشحونة وسجالات- حول تكريس صفته كرئيس للبرلمان التونسي لخدمة أجندات سياسية تخدم أنقرة والجماعة الإرهابية في ليبيا، خاصّةً مع رصد تحركاته الخارجية المشبوهة واتصالات باتت تهدد دبلوماسية البلد.

وفي تاريخ تونس تعد هذه المرّة الأولى التي يحاسب فيها رئيس البرلمان - الرجل الثاني في الدولة وفق الدستور التونسي- إذ لم يحدث أن تمت مساءلة رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان سابقًا) مصطفى بن جعفر، أو رئيس البرلمان السابق محمد الناصر، ولا حتى الرؤساء الذين تعاقبوا على البرلمان قبل ثورة يناير 2011.
 
 
البرلمان التونسي برئاسة الغنوشي كان أسقط لائحة تقدّم بها الحزب الدستوري الحر المعارض تقضي بإلزام مجلس نواب الشعب برفض التدخل العسكري في ليبيا، والتزام تونس بمبدأ الحياد بخصوص الصراع الليبي ورفض إقامة قواعد لوجستية وعسكرية في تونس هدفها التدخل في ليبيا، الأمر الذي حدث بسببه مشادات كلامية ومناوشات بين نواب حركة النهضة وباقي الأحزاب، لمحاسب «الغنوشي» خاصّةً بعد أن توعّد برلمانيون بتقديم إثباتات في الجلسة، فيما لوح آخرون بسحب الثقة من رئيس البرلمان، مستقبلاً، بعد استيفاء الشروط القانونية والتنظيمية لذلك.

 
لا حلفاء بعد اليوم
مواقف الغنوشي أثارت استياءً واسعاً في الأوساط السياسية والبرلمانية التونسية، لما تضمنته من مخالفة للأعراف الدبلوماسية المعمول بها، وبسبب عدم تتطابق المواقف التونسية الرسمية من حكومة الوفاق في ليبيا، فضلاً عن سياسته تجاه أنقرة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان العدوانية.
 
وصب غضب البرلمانيين التونسيين، على الغنوشي وحزب النهضة، ومنهم الحلفاء السابقين الذين أصبحوا أعداء اليوم، إذ اعتبر زهير مخلوف النائب عن حزب قلب تونس - والذي يضم 28 نائباً، ويعد من الأحزاب التي صوّتت لصالح انتخاب الغنوشي رئيساً للبرلمان- أنّ الغنّوشي "خالف القوانين التونسية التي تحدّد صلاحيات رئيس البرلمان، وأنّه مع عزل كلّ من يتجاوز صلاحياته الدستورية، وأنّ الغنّوشي ليس فوق القانون ويجب محاسبته، وسحب الثقة منه وفق ما ينص عليه الدستور".
 
Zouhair-Makhlouf
 
وأكد مخلوف، أن حركة النهضة "تنتهج أعمال الدواعش عبر التورط في انقلابات وتفجيرات، وأنّ تلك المخططات لم تكشف حتى الآن من قبل مؤسسات الدولة"، مشيراً إلى أنّه يملك أدلة لإزاحة الحركة عن المشهد السياسي ككل.

سحب ثقة
وقال مجدي بوذينة النائب عن كتلة الحزب الدستوري الحر- يضم 16 نائباً- والذي بادر بلائحة المساءلة، إنّ "جلسة المساءلة ستكون منطلقاً لسحب الثقة من الغنّوشي الذي بات يثير غضباً شعبياً وبرلمانياً وسياسياً متزايداً، بسبب تحركاته المشبوهة، وسياساته التي لا تراعي مصالح البلاد، ولا استقرار أمنها القومي"، مشدّداً على أنّ مطلب تنحية الغنوشي لم يعد مطلب الحزب الدستوري الحر فحسب بل أصبح مطلباً شعبياً، وفق قوله.
 
 
وأشار بوذينة إلى أنّ الحزب بصدد تجميع عددٍ كافٍ من الإمضاءات من أجل عزل الغنّوشي، وأنّ بعض النواب حتّى من الكتل الداعمة للائتلاف الحاكم وقّعوا على العريضة، لافتاً إلى أنّ "بقاءه على رأس السلطة التشريعية خطر على البرلمان وعلى المصلحة العليا للبلاد وعلى الأمن القومي التونسي".
 
وأكد النائب محمد الصالح لطيفي عن كتلة المستقبل - تضم 9 نواب ومنحت الثقة لراشد الغنوشي لتولي رئاسة البرلمان- ، أنّ الغنوشي "ارتكب العديد من الخطايا المتعلقة بإقحام البلاد في سياسة المحاور، وحشرها في الحرب الدائرة في ليبيا، وهي مهمة كان يفترض أن تكون من صلاحيات رئيس الجمهورية قيس سعيد".
 
602x338_cmsv2_c6f29922-13dc-5ec9-8e44-b9ddbbe1c6a7-4722206
 
وأضاف اللطيفي أنّ مسألة عزل الغنّوشي باتت ضرورية لوضع حد لهذه التجاوزات، خاصّةً أنّه استغل منصبه كرئيس للبرلمان لخدمة حركته الإخوانية ومخططاتهم في المنطقة.

عزلة الغنّوشي
 
الانتقادات التي وجهت إلى الغنوشي من الخصوم والحلفاء لم تقف عند هذا الحد بل طالت حزب النهضة في الداخل، نظرًا لسياساته المنفردة وعدم أخذ رأي الجنماعة؛ حيث طالبه عضو مجلس شورى الحركة زبير الشهودي، باعتزال السياسة نهائياً، وفق ما نقلته قناة التاسعة المحلية خلال حوارٍ أجرته معه.
 
aan1
 
وقال الشهودي إنّه "لا مجال للتجديد له في مؤتمر الحركة القادم لأنّ القانون الداخلي يمنع ذلك"، مجدّداً التعبير عن رفضه الصارم لدعوات المناشدة للغنوشي بالبقاء على رأس النهضة، "لأنّها تضر بالديمقراطية داخل الحركة".
 
وكان عدد من قياديي الصف الأوّل للحركة وقّعوا بياناً نشرته وكالة الأنباء الرسمية، طالبوا فيه بضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي، في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجيات البلاد.

ولاية جديدة
وبمقتضى القوانين الداخلية للحركة لا يمكن لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، الترشح لولايةٍ جديدةٍ على رأس الحزب في المؤتمر القادم، الذي كان من المنتظر تنظيمه وسط هذا العام.
 
ومن بين الموقعين على هذه الوثيقة، القيادي البارز بالنهضة رفيق عبدالسلام صهر زعيم الحركة ، وعبدالكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى، ومحسن النويشي رئيس مكتب الانتخابات، وعبد الله الخلفاوي عضو المكتب السياسي.
 
ertty
 
وفي خطوة مفاجئة، أعلن عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة "النهضة" ومرشحها للانتخابات الرئاسية التي جرت في تونس العام الماضي، انسحابه من الحركة واعتزاله العمل السياسي، لافتاً إلى "وجود إشكالٍ كبيرٍ داخل الحركة لأنّ المعارك السياسية لم تعد خصومات على البرامج بل على الأيديولوجيا وتصفية الحسابات".
 
وشهدت حركة النهضة خلال الأشهر الأخيرة عشرات الاستقالات بسبب سياسات زعيمها راشد الغنوشي وتفرده بالرأي ومحاولة الاستيلاء على مواقع القرار فيها.

انتحار سياسي

وتشهد تونس حراكاً احتجاجياً ميدانياً، بالتزامن مع محاكمة الغنوشي في البرلمان، رفضاً لسياسات حركة النهضة ورئيسها في الداخل والخارج، الأمر الذي دفع مراقبون إلى توقع انتهاء الغنوشي سياسياً أو، على الأقل، إضعافه برلمانياً.

ويتوقع المحلل السياسي، محمد بوعود، أن تتعمّق أزمة الغنّوشي السياسية، "لأنّه اختار منذ البداية نهجاً خاطئاً، بإصراره على رئاسة البرلمان، متناسياً أنّ ما بعد القمة لا يبدأ إلا الانحدار، ولأنّه حوّل نفسه إلى هدفٍ لكل السهام السياسية".

اقرأ أيضا
بعد وصول ثروة الغنوشي مليار دولار.. تونسيون يطالبون الإخوان بالكشف عن مصادر أموالهم

لماذا سارع الغنوشي بمباركة السراج على "احتلال الوطية"؟

وأشار إلى أنّ "وضع الغنّوشي داخل حركة النّهضة بات يشهد تململاً وانتقاداً كما لم يشهده من قبل، وتعالت أصوات لأوّل مرّةٍ تطالب بضرورة رحيله حتّى من أقرب الناس إليه، لافتاً إلى أنّ وضعه في البرلمان تحوّل إلى عبءٍ على الدولة، واستنزافاً للوقت والجهد في معارك مع خصومه لا تنتهي حتى تبدأ أخرى من جديدة".

20170718125124anapicp-aa_ar_pho_gen-20170718154903-12573930-.h
 
وعن وضعه في السلطة التشريعية، قال بوعود إنّه لا يقل حرجاً عن وضعه الحزبي البرلماني؛ "إذ هو في خلافٍ مع رئيس الدولة، وفي صراعٍ مؤجّلٍ معه، قد ينفجر في أي لحظةٍ بسبب صراع الزعامات، إذ إنّ كلّاً منهما يرى نفسه الزعيم الأقوى، كما أنّه في خلافٍ مع رئيس الحكومة الذي يسعى إلى حشره في زاوية الرئيس المستضعف، ليحاول أن يفرض عليه توافقاً شبيهاً بالتوافق الذي أجراه مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق