كورونا يعيد تشكيل النظام العالمي.. الصراع الأمريكي- الروسي يكشف بعدا سياسيا للوباء

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020 04:05 م
كورونا يعيد تشكيل النظام العالمي.. الصراع الأمريكي- الروسي يكشف بعدا سياسيا للوباء
كورونا - أرشيفية

تتوقع الأوساط العالمية أن تسود حالة من التفاؤل في أعقاب إعلان شركة فايزر الأمريكية عن الوصول إلى عقار لعلاج كورونا، نجحت فيه التجارب بنسبة تصل إلى 90%، في ظل تزامنه مع العديد من المعطيات أهمها حالة الهلع، جراء ظهور موجة ثانية من الفيروس القاتل، وزيادة الأعداد بصورة كبيرة، في الأيام الماضية، في العديد من العواصم العالمية، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، وحتى منطقة الشرق الأوسط وآسيا، مما دفع العديد من الدول إلى العودة إلى الإغلاق وتشديد الإجراءات الاحترازية لاحتواء الأزمة، التي قد تتحول إلى كارثة إذا ما فشلت الدول في مجابهة الانتشار المتوقع للوباء خاصة في أشهر الشتاء القادمة.

وبالرغم من أن محاولات احتواء الفيروس ترتبط في المقام الأول بقدرات الدول على فرض الإجراءات الاحترازية، سواء ارتداء الكمامات في الشوارع، أو الحد من نزول المواطنين، لكن تبقى هناك أبعاد سياسية ارتبطت بالأزمة الصحية منذ بداية انتشاره، سواء فيما يتعلق بخروجه من الصين إلى كل أنحاء العالم، تزامنا مع صراع تجارى بين واشنطن وبكين، مما فتح الباب أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتوصيف الوباء بـ"الفيروس الصينى"، في إطار المعركة المحتدمة بين الجانبين، إلا أن أفاق الصراع السياسى بين الدول لتحقيق أكبر قدر من المكاسب من وراء "الأزمة" التي ضربت العالم، في الأشهر الماضية، ليحمل ظهور العقار الأمريكي في طياته أبعادا سياسية جديدة.

 

نموذج الصين.. قبضة بكين الحديدية تقوض مفهوم الديمقراطية

 

فلو نظرنا إلى أزمة كورونا منذ بدايتها، نجد أن ثمة تحولات شهدتها دولا عدة من وراء الفيروس القاتل، ربما أبرزها توارى المفاهيم السياسية التي طالما بشرت بها العديد من دول العالم المتقدم، على غرار الديمقراطية والحرية المفرطة، لصالح رؤى أخرى، تميل نحو مزيد من التوازن، لمنع تفشى الوباء، لتصبح الصين بمثابة النموذج الذى ينظر إليه شعوب العالم، بفضل نجاحها في فرض النظام، والإجراءات الاحترازية على المواطنين عبر "قبضتها الحديدية"، والتي أثمرت في نهاية المطاف في احتواء الأزمة في الداخل الصينى، في الوقت الذى عانت فيه دولا أكثر تقدما من إصابة الألاف على أراضيها يوميا، لتعجز مستشفياتها عن استقبال المرضى.

مكاسب الصين لم تقتصر على مجرد تقديم نموذج ملهما في إدارة الأزمة، بعيدا عن أفكار الغرب "النمطية"، وإنما امتدت إلى نجاحها المنقطع النظير في تقديم نفسها باعتبارها القوى التي يمكنها إنقاذ العالم، في مواجهة الأزمات، وذلك عبر تقديم يد العون إلى دول أوروبا المتقدمة، في مواجهة الوباء، رغم التنافس الاقتصادى والسياسى بينهم، في الوقت الذى فشلت فيه الولايات المتحدة عن القيام بدورها في هذا الإطار، مما ساهم في تحسين صورة بكين، ليس فقط على المستوى الدولى الرسمي، ولكن على مستوى الشعوب، ناهيك عن مكاسب الصين التجارية جراء تصدير أدوات طبية وأجهزة التنفس الصناعى، وأسرة للمستشفيات، إلى مختلف دول العالم، تمكنت من خلالها كسر حالة "الحصار" التجارى الذى سعت واشنطن لفرضه عليها في إطار حربهما التجارية.

 

إزاحة الكابوس.. أبعاد جديدة للقيادة الدولية

 

إلا أن المنافسة الدولية لم تقتصر على الكيفية التي يمكن التعامل بها مع الفيروس وإنما امتدت إلى البحث عن لقاح، في ظل محاولات متواترة من قبل العديد من القوى الدولية للوصول إلى العلاج الذى يمكنه إزاحة "الكابوس" الذى طارد ملايين البشر حول العالم طيلة الشهور الماضية، لتخلق بعدا جديدا، ليس فقط للصراع الدولى الجديد، وإنما أيضا المقومات التي لا يمكن التخلي عنها في القوى الدولية التي يمكنها المنافسة على قمة النظام الدولى، في مرحلة ما بعد كورونا.

ففي الوقت الذى لعبت فيه القوة العسكرية الدور الرئيسى لتمكين قوى أوروبا الرئيسية (بريطانيا وفرنسا) من قيادة العالم، خلال الحقبة الاستعمارية، بينما أضيف إليها البعد الاقتصادى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ليخلق قيادة ثنائية (أمريكية – سوفيتية) للعالم، في حين أصبحت التكنولوجيا عنصرا جديدا للقيادة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والتي حولت العالم إلى الأحادية القطبية بقيادة أمريكية، لتقدم أزمة كورونا مؤخرا "قوة العلم"، الذى من شأنه إنقاذ العالم من الأزمات القاتلة، بمثابة بعدا جديدا للقيادة الدولية للعالم، مما خلق حالة من التنافس بين القوى الدولية، سواء الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة، للوصول إلى "لقاح الخلاص" من كورونا.

 

التنافس الدولى.. انتصارات وانتكاسات تشكل عالم متعدد الأقطاب

 

المنافسة الدولية حول اللقاح، تجلت في أبهى صورها مع إعلان روسيا نجاحها في تحقيق هذا الهدف، في الأشهر الماضية، في ظل محاولات بعض الدول، وعلى رأسها واشنطن التشكيك في فاعليته، بينما كان الرفض الأمريكي للعرض الذى قدمته موسكو بتقديم علاجها للرئيس ترامب، بعد إعلانه الإصابة بكورونا قبل أسابيع، دليلا دامغا على الحساسية الأمريكية تجاه هذا الملف، حيث دائرة صناعة القرار في الولايات المتحدة ترى أن قبول العرض الروسى بمثابة هزيمة مهينة أمام الخصم التاريخى، بالإضافة إلى كونها اعتراف ضمنى بفاعلية اللقاح الروسى، وبالتالي إعادة موسكو إلى صدارة المشهد الدولى من جديد بعد سنوات من التوارى، منذ انهيار الاتحاد السوفيتى في التسعينات من القرن الماضى.

وهنا يمكننا القول بأن أزمة كورونا ستساهم إلى حد كبير في تشكيل النظام الدولى الجديد، والذى يبدو متعدد القيادة، وهو ما يبدو في انتصارات مرحلية حققتها كافة القوى المتنافسة بدءً من الصين مرورا بروسيا وحتى الولايات المتحدة، حيث فشلت القوى الثلاثة في الخروج من الأزمة بدون خسائر، في الوقت الذى نجحت فيه كلا من الصين وروسيا في إثبات قدرتهما على القيام بدور أوسع يتجاوز الداخل لدى كلا منهما، إلى خدمة العالم بأسره، بينما يمثل نجاح واشنطن في الوصول إلى اللقاح تعزيزا لمكانتها الدولية، في الوقت الذى ربما يساهم في تحسين صورتها بعد الكم الكبير من الإصابات والوفيات الذى شهدتها العديد من الولايات الأمريكية، خلال الأشهر الماضية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة