رسائل حاسمة للمناورات والتدريبات العسكرية المصرية المشتركة.. منظور جديد للسياسات الدفاعية

الإثنين، 16 نوفمبر 2020 11:00 م
رسائل حاسمة للمناورات والتدريبات العسكرية المصرية المشتركة.. منظور جديد للسياسات الدفاعية
القوات البحرية المصرية

تعكس المناورات والتدريبات البحرية المصرية الجارية خلال النصف الأول من شهر نوفمبر الجارى منظور جديد للسياسات الدفاعية العسكرية المصرية من المتصور أنها تؤسس لمرحلة جديدة ذات طابع استراتيجى متقدم، كما تعكس توجه أخر لإعادة تعريف المنظور التقليدى لدوائر الأمن القومى المصرى.

وتطور هذا المنظور إلى ما بات يعرف بالمجال الحيوى، وهو مساحة أوسع تنطوى على رصد المصالح المصرية التى لم تعد ترتبط بدوائر جيوسياسية متصلة، فعلى مدار الأعوام السابقة كانت الأنشطة العسكرية على هذا النحو تعرف بالاتجاهات الاستراتيجية الأربعة للحدود المصرية، أما هذا النمط فيمكن تعريفه بالأبعاد الخاصة بالمجال الحيوي.

وتعد كثافة المناورات وجدول أعمال ما تتضمنه من تدريبات، وتعدد مسارح العلميات التى تجرى فيها، تعكس القدرات العسكرية المصرية التى أعيد بنائها وتعزيزها ورفع كفاءتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية المصرية على الصعيد الداخلى والخارجى، وهناك أربع جبهات مختلفة تدور على مسارحها هذه المشروعات العسكرية، وهذه المسارح تتسم بعاملين أساسين وهما أنها تدور فى مناطق تشهد ترتيبات أمنية جديدة، أو تهديدات وتوترات مختلفة، منها البحر الأحمر.

وتوجد تهديدات متصاعدة فى ظل استمرار تردى الوضع الأمنى فى اليمن، والتصعيد الحوثى فى البحر الأحمر مؤخرًا، يتوازى مع تنامى دور الحرس الثورى الإيرانى فى اليمن، الذى أصبح له اليد الطولى فى الهيمنة على القرار السياسى والعسكرى الحوثى، وهناك تركيز على اشعال جبهة الحديدة ضمن نطاق الساحل الغربى اليمنى المطل على البحر الأحمر، وهو ما يمكن أن ينعكس على حركة المرور فى البحر الأحمر.

ويبدو أن هناك اهتمام بريطانى بالتعاون مع مصر فى التعامل مع هذه التهديدات، خاصة وأن بريطانيا هى التى تتولى الملف اليمنى فى مجلس الأمن، وسبق وأجريت مناورة مشتركة على مكافحة الألغام البحرية، فى ظل نشاط ايرانى – حوثى لتلغيم منطقة الساحل الغربى بشكل مكثف على غرار مضيق هرمز.

أيضا هناك الاتجاه الشمالى فى نطاق البحر المتوسط، وحيث أن ترتيبات الأمن فى المتوسط فى اطار تأسيس منتدى غاز حوض شرق المتوسط، وتعتبر مصر عضو بارز فى المنتدى، وبالتالى سعت مصر إلى إنشاء بنية عسكرية قوية تمثلت فى الأسطول الشمالى، لتأمين مصالحها الحيوية ومنها الاقتصادية فى المقام الأول، وعلى الجانب الأخر مع تزايد التوترات فى شرق المتوسط فى ضوء السياسات التركية الحالية التى تحاول أن تفرض واقع خاص بها فى شرق المتوسط، يتقاطع مع المصالح المصرية ومصالح الحلفاء لاسيما اليونان وقبرص، فضلا عن مسعاها لتواجد عسكرى دائم فى ليبيا، وبالتالى فإن الأنشطة العسكرية البحرية المصرية فى نطاق الأسطول الشمالى تعكس هذا الاتجاه، وأيضا مع فرنسا التى تشارك بقطع بحرية فى اطار العملية الأوربية.

أما فيما يخص العمق الجنوبى فى السودان، وتدريبات نسور النيل ولقاءات الدفاع الجوى، فهى تنطوى على عدة مؤشرات أيضا ومنها البدء فى برنامج التعاون العسكرى بمناورات جوية ينظوى على دلالة رئيسية تتعلق باسم التدريبات الذى يحمل اسم نسور النيل وهو ما يؤكد على الطابع الاستراتيجى لنطاق المجال الحيوى المصرى، وما ينطوى عليه من رسائل فى هذا الصدد.

وتزامن التدريب الجوى السودانى مع زيارة لوفد عسكرى رفيع المستوى من قيادة الدفاع الجوى السوادنى هو استكمال أيضا لهذا المنظور، كما يعكس من جانب أخر اطالع السودان على القدرات المصرية الفائقة والمتطورة فى هذا الصدد، ونقل التجربة المصرية الكاملة فى هذا المجال بشكل مؤسسى حيث انطوت الزيارة على جدول أعمال واسع ضم زيارة للمؤسسات الأكاديمية المتخصصة، وأيضا الزيارات الميدانية وبالتالى برنامج أطلعت مصر السودان على البرنامج النظرى والتطبيقى فى هذه التجربة.

وهناك أبعاد أخرى تتعلق بهذا التحرك المصرى، فى ظل تنامى التوترات الأمنية فى الإقليم، بالإضافة للتهديدات التى يتم التعامل معها فى سياق النشاط البحرى، فى القرن الأفريقى، هناك أيضا التوترات الأثيوبية المتصاعدة. كما تتم التدريبات المشتركة فى البحر الأسود مع الجانب الروسى، وهى وفقا للتعريف العسكرى يمكن أن يطلق على مناورة من هذا النوع بفتح استراتيجى فى منطقة ذات طابع استثنائى وخاص، من أكثر من منظور، فعلى سبيل المثال تؤسس لسابقة فى تاريخ البحرية المصرية الوصول إلى البحر الأسود، فعلى الرغم من تنامى الأنشطة العسكرية المصرية- الروسية، لكن اجراء تدريبات فى نطاق البحر الأسود يشكل قفزة نوعية بالنظر إلى الاهتمام الروسى بأجراء المناورة فى تلك المنطقة الحيوية، ويعتبر جزء رئيسى من تطوير العقيدة الاستراتيجية، من دوائر الأمن القومى إلى المجال الحيوى.

وتعد الفكرة أوسع مما كان يعرف بشكل تقليدى فى الاستراتيجية العسكرية المصرية بدوائر الأمن القومى، وحيث أصبح مفهوم الأمن القومى المصرى يتجاوز فكرة دول الجوار، إلى نطاق ما بعد دول الجوار، وما بعد حدود النطاق الجيوسياسى لهذه الدوائر، فى ظل التقدم العسكرى الهائل، فما يحدث فى دول ليست مجاورة أصبح ينعكس على الأمن القومى المصرى، على نحو ما جرى فى الصومال من قبل وما يحدث فى إثيوبيا حاليا، وما يحدث أيضا فى التفاعلات الخاصة بشرق المتوسط التى أضافت دول جوار إلى الحدود الاستراتيجية المصرية البحرية.

وتدل كل تلك التدريبات والمناورات على القدرة فى القيام بعدة أنشطة بحرية متعددة على فى ثلاث جبهات بشكل متزامن مختلفة والاستعداد لإجراء مناورة فى جبهة رابعة يعكس مدى قوى المؤسسة العسكرية المصرية فى الانتشار على تلك الجبهات، وبالتالى كفاءة القيادة العسكرية على اجراء أنشطة مختلفة ذات طابع بحرى وجوي.

وبالنظر إلى برامج التدريب يمكن القول أن الأنشطة العسكرية المصرية الحالية تشكل قفزة نوعية فى مجال التدريبات المشتركة لاسيما مع الجانبين الروسى والبريطانى، والتى تتعامل مع تهديدات ومخاطر غير تقليدية. وتعتبر المناورات والتدريبات على الخطوط الأمامية للمجال الحيوى المصرى، تشكل سوابق جديدة، فأغلب هذه التمرينات تجرى للمرة الأولى، سواء فى البحر الأسود، أو فى السودان، وبالتالى تشكل قيمة مضافة للقدرات والخبرات المصرية وتعزيز العلاقات المشتركة مع الأطراف التى تجرى معها تلك المناورات، حتى وإن كانت العلاقات مع هذه الدول تاريخية، مثل روسيا والسودان، لكن تطويرها فى هذا الاتجاه يعكس مدى قوة هذه العلاقات وتقييم الأطراف لضرورة التعاون المشترك للتعامل مع المخاطر والتهديدات المحتملة.

وأيضا ترسل المناورات والتدريبات رسائل اعادة حسابات القوى المناوئة، على الجبهة الأخرى من المتصور أن هناك أطراف ستعيد حساباتها تجاه مصر، فى ضوء ما يجرى من مناورات عسكرية متقدمة، فمن المؤكد أن إجراء مناورات فى البحر الأسود تنظر إليه تركيا على أنه ضوء أحمر لها، سواء فى إطار دورها فى شرق المتوسط، أو من منظور العلاقة مع روسيا، كذلك بالنسبة للسودان من المؤكد أن هناك قوى إقليمية ودولية ستعيد حساباتها تجاه مصر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق