بين التجريم والتحريم.. كيف يتعامل الشرع والقانون مع نبش المقابر وحرق جثث الموتى؟

الأربعاء، 07 أبريل 2021 06:00 م
بين التجريم والتحريم.. كيف يتعامل الشرع والقانون مع نبش المقابر وحرق جثث الموتى؟

حالة كبيرة من الجدل طفت علي السطح خلال الأيام الماضية بعد الواقعة المؤسفة التي حدثت في مدينة حلوان بمحافظة القاهرة، حيث قام مجهولون بنبش قبر سيدة متوفية بفيروس كورونا وإشعال النار فى جثتها فى مدفنها.
 
في بداية أزمة انتشار فيروس كورونا العام الماضي كان الأمر مجرد أسئلة تطرح على دار الإفتاء والأطباء المتخصصين حول إمكانية حرق الجثث، ولكن الكارثة الكبرى أن الأسئلة تحولت لواقع مرير نتيجة نبش قبر تلك الممرضة الأربعينية وحرق جثتها. 
 
ونتيجة تلك الواقعة أعادت جميع الجهات المختصة عملية شرح وتغسيل ودفن الميت بفيروس كورونا – كوفيد 19 – حيث أن جميع الجهات المعنية  أدلت بدلوها عن الإجراءات التي يتم التعامل بها مع حالات الوفاة بمرض كورونا، واستمرار تطبيق الاحتياطات ذاتها التي كانت تطبق على المريض أثناء حياته، فقد شاركت وزارة الصحة والسكان في حملة التوعية هذه وكذلك شاركت كل من دار الإفتاء والأزهر الشريف من خلال الرأي الشرعي حول هذه المسألة.  
 
من جانبه قال الخبير القانوني والمحامي بالنقض أحمد حجاج، أن "نبش القبور" من الجرائم التي انتشرت في الفترة الماضية خاصة في أعمال السحر والدجل، على الرغم من كونها مُحرمة فى جميع الأديان السماوية، في الوقت الذي دعت فيه كل الأديان إلى حرمة جثمان الإنسان محفوظة حيا وميتا، لكننا أصبحنا الآن نعيش في أيام تُمتهن فيه حرمة الجثامين وتُجمع العظام والرفات بعد سنة أو سنتان من الدفن وربما بعد عدة أشهر.
 
وأضاف أن المتهمين بنبش قبر موظفة مستشفى حلوان وحرق جثتها يواجهون عقوبة الحبس من 24 ساعة إلى 3 سنوات، كما أن الجريمة تعد جنحة طبقا لنص المادة 160 في الفقرة رقم 3 من قانون العقوبات المصري، الذي ينص على أن تكون عقوبة نبش القبور والتمثيل بالجثة هي الحبس لمدة تبدء من 24 ساعة وتصل لـ3 سنوات، موضحا أنه في حالة تنفيذ ذلك لغرض إرهابي تصل المدة إلى 5 سنوات.
 
وقال حجاج، أنه قبل الحديث عن دوافع تلك الجريمة النكراء، لابد من الحديث عن مسألة تغليظ العقوبة فى المقام الأول حيث أن عقوبة "نبش القبور" تضمنتها المادة 160 من قانون العقوبات المصري بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كالتالي:
 
أولًا: كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد.
 
ثانيًا: كل من خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزًا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
 
ثالثا: كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها، وتكون العقوبة السجن الذى لا تزيد مدته على 5 سنوات إذا ارتكبت أى من الجرائم المنصوص عليها فى المادة 160 تنفيذًا لغرض إرهابى.
 
وكشف"حجاج" أن اركان الجريمة منها الركن المادى، وهو كل فعل مادى من شأنه الإخلال باحترام الموتى، وأن يكون الفعل معبرا عن إرادة الجانى ورغبته، وأن يكون من شأن الفعل امتهان حرمة القبور أو تدنيسها، كإخراج الجثث من المقبرة فى غير الأحوال المصرح بها قانونا، والقصد الجنائى أن يرتكب الجانى بإرادته الفعل المؤثم، ولا عبرة بالباعث، إلا أن مسألة حرق جثث الموتى لازالت بلا عقوبة صريحة وتحتاج إلى تشريع حاسم يكون خاص بتلك الجريمة حيث لا يمكن تكييفها حسب مادة من مواد القانون.
 
والمحافظة التابعة لها المقابر فى المقام الأول هى المسئولة عنها، وعن تأمينها وحمايتها من خلال حرّاس المقابر، فمن المعلوم أن هناك إجراءات وخطوات وشروط قانونية لتعيين حارس المدفن، يجب الالتزام بها ثم يكونون مسئولون أمام المحافظة عن أى تجاوزات تحدث منهم، إلا أن الأزمة فى الوقت الراهن ليست فى حراس المقابر بينما تكون فى مساعدى حراس المقابر الذين يستعينون بهم للقيام بأعمال الحراسة والرعاية، حيث أن منهم غير الأمناء على المقابر- بحسب "حجاج". 
 
وفى سياق أخر، كشف الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان عن بعض الأسرار والأمور الخاصة بـ"نبش المقابر" من خلال الوثائق وأوراق القضايا حيث أكد أنه تطلع إلى كثير من قضايا "نبش المقابر" التى تورط فيها حراس مقابر ومساعديهم الذى يعملون على دفن الأعمال والسحر فى المقابر بغرض الانتقام أو الإنجاب أو جلب الحبيب مقابل أموال باهظة، وذلك رغم تحريم الدين لمثل هذه الأعمال.
 
وضمن هذه القضايا - بحسب "البدوى" - قيام مساعدى حُرّاس المقابر بنبشها ليلاَ لإستخراج الجثامين وفصل أعضاءها أو أجزاءها من بعضها البعض لبيع العظام  والجماجم من المقابر وفى العادةً يقومون ببيعها لتجار المخدرات، من خلال قيام البعض بطحنها ومزجها ببعض المواد من أجل بيعها بأسعار مرتفعة، فى الوقت الذى يقوم فيه بعض الترابية بغلى عظام الجثامين أو الهياكل لإزالة الأنسجة والشحوم والتخلص من الرائحة الكريهة، ويتم بيعها لبعض الطلاب بأسعار متفاوت على حسب الزبون ومقدرته المالية، وهذا ما ورد فى العديد من قضايا "نبش المقابر".
 
200 ألف مقبرة فى القاهرة
 
المحافظة هى المتهم الأول والرئيس فى كارثة "نبش المقابر" حيث أن محافظة القاهرة بمفردها تحتوى على ما يزيد عن 200 ألف مقبرة تقع فى إيدى حراس آمنيين يعملون على حمايتها ليلاَ نهاراَ وحماية حرمة الموتى من النبش والانتهاك، بينما البعض الآخر يتسم بالنزاهة والأمانة ويراعى ضميره فى كل شى يفعله، بينما آخرون منهم يلهثون وراء جشعهم المادى ورغباتهم لكسب بضع جنيهات مقابل بيع ضمائرهم والتفريط فى الأمانة التى فى أعناقهم- هكذا يقول "البدوى".
 
 
 
 
رأى دار الإفتاء في الأزمة  
 
وعن هذه الأزمة – أبدت دار الإفتاء المصرية برأيها الشرعى حول أزمة نبش القبور وحرق الجثث من خلال الإجابة على السؤال: "هل يجوز التخلص من جثث المتوفين بفيروس كورونا بالحرق أو الإذابة مع الخوف من انتشار العدوى إلى الأحياء؟".. سؤال أجابت عليه دار الإفتاء المصرية في فتوى حديثة لها في ظل انتشار فيروس كورونا.
 
وقالت دار الإفتاء المصرية: "لا يجوز شرعًا التخلص من جثث المتوفين بفيروس كورونا بالحرق أو الإذابة خوفًا من انتقال العدوى للأصحاء، لِما فيه من إيذاء الميت وإهانته؛ لأنه محترم بعد موته كاحترامه حال حياته، وحرمته بعد موته باقية".
 
وأضافت دار الإفتاء المصرية: "ولِما تقرر أن جثة المتوفى بالفيروس لا يُسمح بالتعامل معها إلا للخبراء المتدربين في مجال الأوبئة، مستخدمين معدات الحماية ووسائل الوقاية، وقد احتال الخبراء لذلك بوضع الجثث بعد تغسيلها في أكياس طبية واقية، ثُم وضعها بعد ذلك في تابوت مُعَدٍّ لذلك، ولِما تقرر طبيًّا أن الفيروس لا ينتشر ويتكاثر إلا في الخلايا الحية، عن طريق التنفس والرذاذ والتلامس ونحو ذلك، وهذا كله لا يتصور حصوله من الشخص المتوفى بهذا الفيروس".
 
 
 
-ما هي كيفية تغسيل الميت بفيروس كورونا ؟
 
 
أما عن مسألة كيفية تغسيل الميت بفيروس كورونا – يجيب الدكتور محمد جاب الله، استشاري الطب الشرعي وعضو الجمعية اليابانية للعلوم الطبية الشرعية، أن هناك 5 خطوات يتم اتباعها بشكل رسمي لتغسيل المتوفى بكورونا كالتالى:
 
1-فى الحقيقة يتم نقل المتوفى نتيجة فيروس كورونا فور وفاته مباشرة من القسم الطبي برفعه بالملاءة المحيطة به، ومن ثم نقله إلى ثلاجة المستشفى، على ترولي قابل للتطهير والتنظيف، مع مراعاة ارتداء الواقيات الشخصية المنصوص عليها طبيا.
 
2-الذي يقوم بعلمية النقل هم كل من الطاقم الطبي والعمال المتخصصون، وذلك أثناء ارتدائهم الأقنعة المخصصة للتعامل مع مرضى كورونا، والملابس الواقية.
 
3-يمنع فى حقيقة الأمر منعا باتا أن يقوم أهل المتوفى بتقبيل أو مجرد لمس جسد المتوفى أو التعامل معه تحت أي ظرف ويسمح لفرد واحد فقط من الأسرة لا غير حضور عملية تجهيز الجثمان بعد ارتداء الملابس الواقية المخصصة وأن يقف على بعد متر من الجثمان.
 
4-كما يجب تغطية أجزاء جسم المتوفى التي يخرج منها إفرازات بضمادات غير منفذة.
 
5-يمسح أي تلوثات أو إفرازات تخرج من الجثمان بالرش الخفيف بماء مخلوط بالمطهرات المنصوص عليها طبيا وغير مسموح بالغُسل العادي منعا لانتشار رذاذ الماء الملوث من جسد المتوفى. 
 
 
-كيفية عملية التكفين بشكل صحيح حتى لا ينقل العدوى للأحياء ؟
 
1-يقول "جاب الله": فى البداية يتم لف جثمان المتوفى بفيروس كورونا في 3 طبقات وهي كالآتي:
 
-طبقة من قماش الكتان أو القطن الأبيض ثم يرش ماء مخلوط بالمطهرات.
 
أ-طبقة من غطاء بلاستيكي غير منفذ للماء ثم يرش ماء مخلوط بالمطهرات.
 
ب-يتم وضع الجثمان في كيس حفظ جثث بلاستيكي محكم الغلق وغير منفذ للماء، ثم يتم مسح الكيس بالماء المخلوط بالمواد المطهرة
 
2-يتم وضع الجثمان داخل تابوت أو صندوق نقل بلاستيكي أو خشبي ويتم إغلاقه بإحكام ويتم رشه بالماء المخلوط بالمطهرات.
 
3-يتم إجراء صلاة الجنازة عليه بواسطة الحضور المرتدين للملابس الواقية، ثم يتم وضعه في سيارة لنقل الموتى يتم تعقيمها قبل وبعد النقل ولا يتم نقل فيها أي شخص آخر سوى فرد من العائلة يرتدي الملابس الواقية والمسعفين الرسميين المتخصصين في طريقة التعامل مع جثث المتوفين من مرض كورونا.
 
 
 
-ما هي إجراءات الدفن الصحيحة؟ 
 
 
1-يراعى الالتزام من جانب من يقوم بالدفن ارتداء الواقيات الشخصية، وتواجد أقل عدد ممكن عند دخول الجثة إلى المقبرة، والالتزام التام بغسيل الأيدي بالكحول عند توفره لكل من تعامل مع المتوفى، وتنظيف وتطهير كافة أسطح العمل التي تلامست مع الجثة.
 
2-يتم وضع الجثمان في القبر وإغلاقه بإحكام وعدم فتح القبر إطلاقا قبل مرور أسبوع على الدفن لضمان أن يكون الفيروس قد مات على أية أسطح صلبة ملوثة عند النقل.
 
 
هل يمكن نقل الفيروس من الميت إلى الحي ؟
 
-لا يمكن نقل الفيروس من الميت إلى الحي إلا عن طريق ملامسة شخص على قيد الحياة لجسد الميت وما عليه من إفرازات دون ارتداء الملابس الواقية اللازمة، ولكن عند تطهير جثمان المتوفى بصورة صحيحة و تكفينه بالطريقة السابق ذكرها فلن يكون مصدرا للعدوى.
 
-المصدر الوحيد للعدوى هم الأشخاص الأحياء الذين قاموا بمخالطة المتوفى أثناء حياته كأفراد الأسرة، لذا يمنع وجودهم عند تشييع الجنازة نظرا لما يحملونه من خطر نشر العدوى، إن كانوا حاملين للمرض، ويكتفى بشخص واحد فقط عند الدفن على أن يرتدي الملابس الواقية اللازمة.
 
ما هو موقف الطب من رفض بعض القرى دفن الميت بكورونا في المقابر الخاصة بالقرية ؟
 
لا يوجد طبيا ما يمنع من دفن جثمان المتوفى بمرض كورونا في المقابر الخاصة بالقرى إن تم التغسيل والتكفين بالطريقة السابق ذكرها وتم نقل ودفن الجثمان بالصورة الصحيحة مع الأخذ في الاعتبار عدم فتح القبر قبل مرور أسبوع من الدفن.
 
ـ دفن جثمان المتوفى بمرض كورونا لا يؤدي إلى انتشار المرض أو نقله، وما يساهم من انتشار، ونقل المرض هو وجود تزاحم بين المشيعين للجنازة أو المحتجين على الدفن.
 
هل هناك حاجة لحرق جثث الموتى بكورونا؟ أم تكفي الإجراءات الاحترازية والوقائية في التعامل مع الجثمان؟
 
من وجهة النظر الطبية فإنه لا توجد حاجة لحرق جثث المتوفين بمرض كورونا والتطهير، والتكفين السابق ذكره كافيان لمنع انتقال المرض مع أخذ كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية في التعامل مع الجثمان.
 
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق