الشهيد محمد مبروك.. رجلٌ أوجع جماعة

الأحد، 25 أبريل 2021 01:00 ص
الشهيد محمد مبروك.. رجلٌ أوجع جماعة
أمل غريب

- الاختيار 2 وثق بطولات رجل الأمن الوطنى الذى فضح تخابر أول رئيس ضد دولته.. اغتالته جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة صديق خائن

استخدمه الله ليلقي الرعب في قلوب قوم شقوا الصف وزرعوا الفتنة وأرادوا بهذا البلد كل سوء.. كان رجلاً يعرف معنى الوطن، ويقدر كل ذرة تراب فيه.. لم يهب تهديداتهم ولم يزعزعه ما فعلوه فيه مع وصولهم للحكم ومحاولة تهميشه ليكون بعيداً عن اصطياد رؤوسهم وتقديمها للمحاكمات العادلة..

الكلمات السابقة والسطور التالية، ومثلها العشرات والمئات لن تفي حق البطل العقيد الشهيد محمد مبروك حقه، الذي سجل اسمه بحروف من ذهب في تاريخ مصر، بعد ما سجله من بطولات في ملف مواجهة الجماعات الإسلامية بشكل عام وجماعة الإخوان الإرهابية بشكل خاص.

العقيد محمد مبروك، الذي يظهر في مسلسل الاختيار 2 هذا العام ويجسد شخصيته الفنان إياد نصار، كان مسؤولاً عن ملف جماعة الإخوان الإرهابية في قطاع الأمن الوطني، واغتالته يد الإرهاب يوم 18 نوفمبر عام 2013، أثناء مروره بسيارته في شارع نجاتي حي مدينة نصر.

شرب العقيد الشهيد حب الوطن، من حي الزيتون الشعبي الذي ولد فيه بالقاهرة عام 1974، وكونه وحيد والديه جعله محل اهتمام كبير من قبلهما، وكانا حريصان بعيداً عن إلحاقه بكلية الشرطة أن يخرجانه للمجتمع بأفضل صورة ممكنة.

عام 1997، كانت بدايته المبشرة في مباحث أمن الدولة الذى تحول بعد الثورة إلى الأمن الوطني، ولما حققه من نجاحات في هذا القطاع، كان معروفاً لجماعة الإخوان الإرهابية، التي لم تتوان في إبعاده عن القطاع فور وصولها للحكم، فصدرت الأوامر التي قدمت وقتها من مكتب إرشاد الجماعة بنقله لمكتب الأمن الوطني بمديرية أمن الجيزة، لكن كيدهم لم يفلح وأتت ثورة 30 يونيو لتطيح بهم وتعيد البطل مبروك لمكانه، ويبدأ معهم معركة جديدة، كان يعي خطورتها ولكن ذلك لم يغير من قراره بفضح الجماعة، وإثبات تخابرهم مع جهات خارجية، وتقديم كل الأدلة التي تؤيد ذلك للقضاء المصري.

في قضية التخابر الكبرى، التي كشفت لأول مرة في التاريخ تخابر رئيس دولة ضد الدولة التي يتولى رئاستها، قدم البطل محمد مبروك تسجيلات لعدة مكالمات عبر الهاتف بتاريخ 9 يناير 2011، بإذن من النيابة العامة، بين محمد مرسي العياط، عضو مكتب الإرشاد في ذلك الوقت، وأحمد عبد العاطي، مسؤول التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية أثناء تواجده في تركيا، وكذلك رسائل إلكترونية متبادلة بينهم، وباشر الشهيد مبروك، التحريات بنفسه، فكانت الركيزة الأساسية بقضية التخابر مع حماس، وبناء عليها تم إلقاء القبض على محمد مرسي، و34 أخرين من قيادات الجماعة.

تحريات العقيد البطل محمد مبروك في يناير 2011، قالت إن الإرهابي محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان في ذلك الوقت، عقد عدة اجتماعات تنظيمية في مقر الجماعة بالمنيل، بقيادات الجماعة الإرهابية، درسوا خلالها توجيه دعوات إلى عدد من العناصر السياسية وممثلي القوى السياسية والنقابية حينها، للتظاهر ضد وزارة الداخلية والشرطة المصرية، بالتزامن مع ذكرى عيدها يوم 25 يناير 2011،  وذلك بهدف تحقيق أهداف وتعليمات التنظيم الدولي بالخارج، كذلك ناقش المرشد العام للجماعة الإرهابية، وباقي أعضاء مكتب الإرشاد، إعداد مخطط خطير، يستهدف إسقاط الدولة المصرية، ونشر الفوضى بها، بهدف الاستيلاء على حكم مصر، أملا في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في الداخل والخارج، بالتعاون مع دولا أجنبية، في مقدمتها طمس الهوية والشخصية المصرية، وصولا إلى الاستيلاء على حكم البلاد، وتقسيم مصر، سياسيا، بعد فشل كل المحاولات الخارجية في تقسيمها على أساس طائفي.

رصدت تحريات «مبروك» التكليفات الصادرة من مكتب إرشاد الجماعة، لعناصرها في الهيكل التنظيمي، للسفر إلى تركيا لمقابلة أحد الأعضاء الهاربين، والتباحث معه حول كيفية استغلال التظاهرات المنتظر أن تجوب البلد خير استغلال وكيفية القفز عليها من أجل الوصول إلى سدة الحكم، والتأكد من الموقف الأمريكي نحو الجماعة والأحداث، وإلى أي مدى سيقفون بجوارها في هذه المرحلة.

التحريات المرصودة من قبل الشهيد، ذكرت بالتحديد أن التعليمات كان مصدرها محمد مرسي العياط، وصادرة للقيادتين الاخوانيتين محمد سعد الكتاتني، ومتولي صلاح عبد المقصود متولي، واللذين تولا بالفعل تنفيذ المهمة قبل عودتهما بالتعليمات القادمة من التنظيم بالخارج، والتي تضمنت 10 مطالب وضعهم أحد عناصر الاستخبارات الأمريكية، وأعنلتها الجماعة في وجه النظام المصري وهي على يقين بأنه صعب تحقيقهم، مما ساعدهم في شحن الشباب واستخدامهم في وجه النظام المصري، ومضاعفة الأزمات.

 ذكر البطل الشهيد أن الفترة من 2005 إلى 2011 شهدت تخابر جماعة الإخوان الإرهابية وممثليها السابقين في مجلسي الشعب والشورى، مع منظمات أجنبية خارج مصر، منها حركة حماس، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وكذلك إفشاء أسرار تتعلق بالأمن القومي، وأيضا التنسيق مع تنظيمات تمارس العنف المسلح داخل مصر وخارجها، والتحالف مع جماعات تكفيرية في سيناء، بقصد الإعداد لعمليات إرهابية على الأراضي المصرية، وإسقاط النظام المصري حينها، والاستيلاء على مقاليد السلطة بالقوة.

وبناءً على تحريات العقيد الشهيد محمد مبروك، والمكالمة التي رصدها بين محمد مرسي، وأحمد عبد العاطي، وغيرها من الأدلة التي ساقتها النيابة العامة أمام المحكمة، فقد أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة، أحكاما رادعة بحق المتهمين  الـ 35 في قضية "التخابر مع حماس"، من قيادات وعناصر جماعة الإخوان الإرهابية، إلا أن قيام أحداث ثورة 25 يناير، كانت هي طوق النجاة الزائف، الذي تشبث به أعضاء الجماعة للفرار من سجن وادي النطرون، بمساعدة أعضاء من حركة حماس والحرس الثوري الإيراني.

وعقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، أدلى الشهيد محمد مبروك بأقواله أمام نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، في القضية الشهيرة، وكان هو الشاهد الرئيسي بها، أثبتت المحكمة شهادته التي فضح فيها عمالة وخيانة جماعة الإخوان وعناصرها وأعضائها الإرهابيين، إلا أن قيادات الإخوان داخل السجون، عندما علمت بأن العقيد مبروك، هو من يقف وراء المعلومات التي تم تقديمها إلى النيابة وفتحها من جديد، أصدرت تعليمات مباشرة باغتياله، وبنفس يد المجموعة الإرهابية التي حاولت اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الأسبق، في 5 سبتمبر 2013 التي خطط لها ونفذها الإرهابي المقبور هشام عشماوي، قائد تنظيم أنصار بيت المقدس في ذلك الوقت.

غاب جسد الشهيد لكن عمله ظل باقياً، فبعد حادث اغتياله بـ4 سنوات، وتحديدا في نوفمبر 2017، عقدت محكمة جنايات أمن الدولة العليا، جلسة محاكمة محمد مرسي العياط، ومعه قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، في مقر أكاديمية الشرطة بالتجمع الأول، من دون حضور بطل الجلسة والقضية والتحريات، الشهيد البطل مبروك، ضابط الأمن الوطني، لكن حضر بدلا عنه "محضر التحريات" الذي كتبه بيده، بكل أمانة ووطنية وضمير حي، وثق من خلاله بالأدلة القاطعة والتسجيلات، خيانة محمد مرسي العياط، ضد مصر، وخيانة جماعة الإخوان للوطن وأبناءه.

وفي 11 سبتمبر 2019، أسدلت محكمة جنايات القاهرة، التي عقدت بمجمع المحاكم بطرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، رئيس الدائرة الاولى بمجمع المحاكم بطره، الستار على قضية "التخابر مع حماس"، بمعاقبة 11 متهما من بينهم مرشد الجماعة، محمد بديع، بالسجن المؤبد، و3 متهمين بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، ومتهمان بالسجن لمدة 7 سنوات، وقضت ببراءة 6 متهمين مما نسب إليهم.

وجاء في حيثيات حكم المحكمة، أن الهدف الرئيسي الذي كانت تسعى إليه الجماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها، وكانت تستره بستار الدين وزعم خادع بأنها جماعة دعوية، هو الاستيلاء على حكم البلاد وقيام الدولة الإسلامية، والذي من أجل بلوغه لا بأس أن تتحالف مع من يمكنها مبتغاها، ولو اختلفت عقائدهم ومعتقداتهم ما دامت اتفقت مصالحهم نحو هدف واحد هو إسقاط الدولة المصرية، تمهيداً لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة، غير عابئين بما يمكن أن يخلفه هذا الاتفاق الغادر من أضرار قد تصيب كبد الوطن فيضحى إلى زوال، ولما كان حلم الدولة الإسلامية الذي ينشدون لا يتحقق إلا بزوال النظام القائم بالبلاد، والذي يمثل حجر عثره أمامهم، إذ أن إقامتها رهن بفناء الدولة والبناء على أنقاضها، فلا سبيل لذلك إلا بزعزعة أركان الدولة وأعمدتها الراسخة من خلال إشاعة الفوضى بالبلاد، فكان ذلك عماد خطتهم.

لم يكن الشهيد مبروك ليناً أمام رصاص الجماعة الإرهابية، فلم يستطيعوا أن ينالوا منه من المرة الأولى، بل سبقة محاولتين اغتيال، وهو ما اعترف به المتهمين في الاغتيال، فقال كل من  المتهمين، محمد على عفيفى بدوى ناصف، مؤسس تنظيم أنصار بيت المقدس خارج نطاق محافظة سيناء ومدن القناة، ومحمد بكرى محمد هارون، باجتماعهم مع باقى المتهمين المنفذين لعملية الاغتيال، وهم أشرف على حسنين، وعمرو محمد مصطفى عبد الحميد، ووسام مصطفى سيد، وأحمد عزت شعبان، وهو رجل أعمال ومدير إحدى الشركات، وأحد ممولى التنظيم، وأنس إبراهيم، على قتل العقيد مبروك، بأن وضعوا مخططًا حدد دور كل منهم، فأعدوا لهذا الغرض سيارات وأسلحة نارية وبنادق آلية، ثم انطلقوا نحو مسكن مبروك، وتواجد أمامه المتهمون أشرف على حسانين، وعمرو حسنين مصطفى، ووسام مصطفى سيد، وفور مشاهدتهم للشهيد متوجهًا إلى سيارته لاستقلالها للمغادرة من مقر عمله، هاتفوا المتهمين محمد على عفيفى، ومحمد بكرى هارون، والمتوقفين الكامنين على مقربةِ من مسكنه بسيارةِ قادها المتهمُ بكرى هارون، فتتبعوه حتى حاذوا سيارته، وأمطروه بوابل من الأعيرةِ الناريةِ، بقصد إزهاق روحه.

لم تستطع يد الغدر الآثم، النيل من الجسد الطاهر للشهيد محمد مبروك، إلا بمساعدة أحد زملائه، المقدم "محمد عويس" الذي كان يعمل ضابط بالإدارة العامة لمرور القاهرة، وهو أحد المتهمين في قضية اغتيال العقيد مبروك، بالاشتراك مع خلية أنصار بيت المقدس.

وذكرت تحقيقات النيابة، أن أعضاء تنظيم بيت المقدس، المقبوض عليهم، طلبوا من المقدم محمد عويس، إمدادهم بمعلومات عن مجموعة من الضباط الذين يعملون في جهاز الأمن الوطني، وكان من بينهم الشهيد مبروك، فما كان من عويس، صديق الشهيد مبروك، إلا إمداد التنظيم الإرهابي بكل المعلومات الكافية عن خط سير وتحركات زميله محمد مبروك، فكان صيدا سهلا على أنصار بيت المقدس، واغتالوه في حي مدينة نصر، أثناء ذهابه إلى مقر عمله، بإطلاق الأعيرة النارية صوبه، نال منها 13 طلقة وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.

بعد إلقاء القبض على المتهمين المنفذين لعملية اغتيال الشهيد محمد مبروك، اعترفوا على المقدم محمد عويس، وبالقبض عليه ومواجهته باعترافات المتهمين بحقه، اعترف هو الأخر، بانه أرشد المتهمين على خط سير الشهيد مبروك، ورقم الكود الخاص به، وعنوان سكنه، للمساعدة في اغتياله، كذلك اعترف في أقواله أمام النيابة، بأنه كان دائم الحرص على حضور جلسات ودروس دينية، سعيا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ومساعدة القائمين عليها.

رحم الله الشهيد البطل الفدائي، العقيد محمد مبروك، الذي قدم دمائه الذكية وروحه الطاهرة، التي فاضت إلى بارئها، تاركاً وراءه لوطنه وأبناءه الصغار، تاريخاً ناصع البياض كُتب بحروف من نور وسطور من ذهب، ليحف اسمه في سجلات أبناء مصر المخلصين الأبرار .

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة