العشوائية في أبهى صورها

الثلاثاء، 22 يونيو 2021 02:02 م
العشوائية في أبهى صورها
شيرين سيف الدين

 
بالأمس تألمنا بشدة عند سماع خبر حادث اصطدام قطار بضائع بحافلة نقل عمال في منطقة حلوان، وكان أول ما خطر على بال الأغلبية هو أن ما حدث سببه سائق القطار، إلا أن الأمر في هذه الواقعة جاء مخالفا تماما وكان سببه الرئيسي سير الحافلة على الشريط الخاص بسير القطار وفي الاتجاه المعاكس في طريق شديد الضيق لم يُمَكِن سائقها من الخروج عن الشريط عند مواجهته للقطار.
 
حين تشاهد موقع الحدث تشعر بالذهول، حيث إن الشريط يسير في طريق ضيق بشكل ملفت بسبب البناء المخالف الذي ظل يتعدى على حرم الطريق حتى وصل إلى هذا الحال، في انتهاك صارخ وعشوائية لا مثيل لها، مع الأسف لسنوات طوال كانت كل تلك المخالفات تحدث على مرأى ومسمع المسئولين من محافظين ورؤساء أحياء دون أن يحركوا ساكنا، إلى أن أصبحت العشوائية حق مكتسب للمواطنين وأصبح كل مواطن يفعل ما يحلو له، لأنه يعلم جيدا أنه آمن من العقاب، وبالرغم من أن القيادة المصرية  بدأت في محاربة تلك العشوائية الموروثة إلا أن هناك العديد من المواطنين لايزالون يقاومون التغيير ويرفضونه بشكل لافت للنظر.
 
ما أثار استغرابى بشدة أمس كان ما ذكره وزير النقل، الفريق كامل الوزير في مداخلة تليفونية مع أحد البرامج للتعليق علي الحادث، حيث قال وهو في غاية الاستياء أنه منذ فترة وأثناء زيارته للمنطقة التي شهدت الفاجعة فوجئ بسيارات السكان مصطفة بطول شريط السكة الحديد، ووجد العديد من الورش والمقاعد الخاصة بالمقاهي الموجودة على جانب الشريط، وحينما انتقد الوضع وتحدث مع قاطني المنطقة وأصحاب المقاهي، جاء ردهم بعيدا عن أي إحساس بالمسئولية، وطالبوا القطارات بالانتظار والتوقف لحين إخلاءهم لشريط السكة الحديد حتى يتسنى للقطار التحرك في تلك المنطقة، وكأنهم أصحاب الحق والقطار هو المخطئ!.
 
ذكرتني أيضا تلك الردود بصورة انتشرت منذ مدة لصلاة الجمعة بإحدى القرى التي اصطف بها أعداد من المصلين على شريط القطار كي يأدوا الفريضة، دون اعتبار لكارثة واردة الحدوث بسبب فعلتهم، متناسين القاعدة الفقهية "لا ضرر ولا ضرار"، وكنت أتمنى من خطيب الجمعة أن يحدثهم في خطبته عن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وعن فضل إماطة الأذى عن الطريق، لكن مع الأسف وعلى العكس فقد تركهم يتسببون في إيذاء الطريق بشكل صارخ دون تدخل لإثنائهم عن تلك الخطيئة التي قد تودي بحياة الأرواح.
 
من المحزن أن ترث مصر وقيادتها شعباً ترعرع أغلبه على العشوائية وعدم الشعور بالمسؤولية، ورفض النظام والقانون، وأصبحت عيونه تتقبل القبح وكل ما هو خطأ، وتلفظ الجمال وكل ما هو صحيح ويحتج الكثير منه وينتفض عند محاولات الإصلاح لإعادة مصر لشكلها الراقي المنظم المحترم الذي نشاهده في أفلامنا القديمة.
 
ما يحدث الآن من مخالفات من قبل بعض المواطنين الرافضين لشكل "الجمهورية الجديدة" لابد له من وقفة صارمة من قبل مسئولي الأحياء دون تراخي، ويحتاج أيضا لمساعدة مجلس النواب في تعديل القوانين إن كانت تحتاج للتعديل لإعطاء رؤساء الأحياء حق التصرف للقضاء على المخالفات التي تشهدها أغلب المناطق، والتي نراها في كل مكان سواء من المقاهي التي تملأ المناطق السكنية وتكدر حياة السكان وتشغل الأرصفة بالمقاعد والرواد، أو ثلاجات وصناديق محلات البقالة، أو الأحجار التي يضعها أصحاب المحلات في الشارع العام لمنع السيارات من الوقوف أمام المحلات وغيرها من المظاهر الغير حضارية والتي يتفرد بها المجتمع المصري وكأن الأرصفة والشوارع أصبحت ضمن حقوق أصحاب المحلات ومن ممتلكاتهم الخاصة ، ومع الأسف أصبحت العشوائية هي السلوك المألوف لدى قطاع كبير لديه القدرة على تشويه كل ما هو جميل!.
 
نحتاج وبشدة لقوانين قوية تطبق بمنتهى الحزم على الجميع حتى يصبح النظام عادة مألوفة للجميع وعلى المعترض تحمل العقبات.
 
إن مصر وقيادتها وحكومتها تسعى جاهدة لإصلاح ما أفسده الزمان، ولا مجال اليوم لاستمرار فاسد أو مفسد، فالأساس الآن هو القضاء على الفساد بجميع أشكاله.
 

 

تعليقات (4)
مأساة
بواسطة: فادي
بتاريخ: الثلاثاء، 22 يونيو 2021 03:22 م

بجد مأساة شعب ضد نفسه ولازم حل للعقول دي

ما اكثر القوانين
بواسطة: دينا شمس
بتاريخ: الثلاثاء، 22 يونيو 2021 03:23 م

القوانين كثيرة لكن شعب بيخالف ورؤساء أحياء سايبينها عشواىية بيريحوا دماغهم ..لكن كلي أمل أن القادم أفضل

ضروري جدا
بواسطة: أمل
بتاريخ: الأربعاء، 23 يونيو 2021 12:36 م

ضروري جدا إيجاد حل فمن أمن العقاب أساء الأدب

مقال مميز
بواسطة: نجوى
بتاريخ: الأربعاء، 23 يونيو 2021 12:37 م

الحقيقة مقال مميز وضع يده على جرح عميق في جسد الوطن ربنا يصلح الحال

اضف تعليق