سيبقى الفن فنًا والهرتلة هرتلة

الأحد، 10 أكتوبر 2021 10:00 ص
سيبقى الفن فنًا والهرتلة هرتلة
حمدي عبد الرحيم يكتب:

يبرع بعضهم في جرنا لمناقشات حول مصطلحات مثل "التناص" والمعارضة الشعرية، وتظهر براعتهم عندما يتعلق الأمر بشأن مجتمعي، تمثل له تلك المصطلحات طلاسم لا يعرف لها رأسًا من قدمين، الحق أن تلك المصطلحات تفعل في بعض الأحيان فعل قنابل الدخان التي تطلق لإخفاء حقائق تجري على مسرح العمليات.

قنابل الدخان تلك تصوب الآن تجاه التراث أو الميراث، ويقينًا لا أقصد التراث الديني بل أعنى وأقصد التراث على مختلف أصعدته وأنواعه، التراث الإنساني بعموم حالاته، الذي يجب أن يكون هناك حساسية معينة في التعامل معه، لأن الإضافة أو الحذف من أي تراث تلزمه رهافة تراعي أدق التفاصيل، والتراث أو الميراث هو ما ورثناه عن أجدادنا القدامى، وليس مقصورًا على الميراث أو التراث الديني.

ولكي يكون كلامي واضحًا فسأضرب لك مثلًا بأغنية شائعة جدًا، يحفظها أغلبنا ولطالما تغنينا بها في رحلاتنا المدرسية.

يقول مطلع الأغنية: "لقصر بلدنا بلد سواح فيها الاجانب تتفسح".

فما هو شعورك عندما تسمع أحدهم وقد قام بتحريف كلمات المطلع ليصبح: "لقصر بلدنا بلد صياع فيها المطاوي بتتفتح؟".

لا أظنك سترضى عن هذا التحريف، بل أظنك ستشمئز منه وتنفر من مغنيه، وأحسبك لن تسامح في هذا الفعل حتى لو كان الأمر أمر أغنية وليس شيئًا مقدسًا أو له من قشرة التقديس نصيب.

وهذا لأن ذائقتك قد تربت على احترام كلام هو بشري بامتياز ولكنه يمجد مكانًا عزيزًا ويتغنى بجماله وبخصال أهله الطيبة، فإذا ما تعرض ذلك التمجيد لتحريف وتسخيف المعاني الطيبة، فإن هذا يغضب كل صاحب ذوق رفيع.

وأذكر أنه قبل سنوات تجرأ سخيف من السخفاء وجاء بنشيد من أناشيد معركة رمضان المجيدة وهبط به من علياء الفن إلى حضيض نفايات المطابخ.

كان مطلع النشيد يقول: "

بسم الله الله أكبر بسم الله بسم الله

بسم الله أذن وكبر بسم الله بسم الله

نصرة لبلدنا.. بسم الله بسم الله

بإيدين ولادنا.. بسم الله بسم الله

وأدان ع المدنة.. بسم الله بسم الله

بتحيي جهادنا..  بسم الله بسم الله

الله أكبر أذن وكبر

وقول يا رب النصرة تكبر".

تسمع هذه المطلع فتعود لقلبك نشوة لحظات غالية عزيزة، عندما اقتحم الأبطال قناة السويس ودمروا خط بارليف ولقنوا العدو درسًا قاسيًا في فنون القتال ومكارم الشجاعة، ولذا فأنت تضن به على الابتذال والسخافة، وتصنه من عبث العابثين الذين جعلوه: "احش وقوّر والناظرة تكبر وتقول يا رب".

ما تلك السخافة؟

ليس لأحد الحق في التعمية محتميًا بالحرية أو بالتناص أو بالمعارضة الشعرية، لأن هناك ما يميز الفن عن "الهرتلة" والغيبوبة تحت مخدر أو تحت استحسان جماهير عريضة أو قليلة.

سيبقى الفن فنًا و "الهرتلة" هرتلة لا تزيد ولا تنقص وإن لبست أحسن الثياب وأقبل عليها الناس.

أمامنا الآن مناجاة كتبها شاعر يتضرع بها لمولانا عز وجل، الشاعر قال في مطلع مناجاته "مولاي إني ببابك قد مددت يدي"، ومولاه هو مولانا جميعًا، الله رب العالمين وخالق كل شيء، فأي تلاعب بهذا المطلع استجابة لمخدر استحسان الجماهير وهو عيب وفظاظة وغلظة وذوق فاسد سقيم، كان أمام الأستاذ المطرب ألف مطلع ومطلع يداعب بها جمهوره أو صديقه الأستاذ "مروان"، ولكن ذوقه جعل الدنيا تضيق في وجهه فلم يجد إلا مطلعًا له حساسية خاصة عند عموم المتلقين.

مناجاة الذات الإلهية شيء ومداعبات الأصدقاء شيء آخر، والخلط بينهما يفتح أبواب من الفتن لا تنقصنا ونحن في غنى عنها.

والدفاع عن المطرب وتبرير ما فعله أمر لا يقره ذوق سليم، وتخويف الناس بدعوى حماية الحرية مضحك ولا يقال أبدًا في هذا السياق إلا إذا كان بعضهم مصر على إطلاق المزيد من قنابل الدخان.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق