مهرجان القاهرة السينمائي.. مصر التي لا تنضب

السبت، 11 ديسمبر 2021 06:18 م
مهرجان القاهرة السينمائي.. مصر التي لا تنضب
مصطفى الجمل

خالد الصاوي وكريم عبد العزيز وماجد الكدواني امتداد لجيل العظماء في السينما المصرية

الثلاثى يمارس المهنة بمنهج الكبار ولا يتوروطون في زلات المغرورين وأصحاب لافتات نامبر وان

الرفقيان كرمهما القاهرة السينمائي بجائزة  فاتن حمامة في دورتين مختلفتين والصاوي قدر بكتاب يحمل اسمه وسيرته الذاتية

مختل من يظن أن هذه الأرض ستنضب يوماً، وتبخل أن تقدم للعالم كل يوم نماذج فريدة في كل المجالات، مصر التي أنارت الدنيا بعلمائها وأدباءها وشعرائها ومثقفيها وفنانيها، لن تقف يوماً عند نحوم رحلواً أو اعتزلوا، ولن تتأثر بتلك الموجات الملوثة للذوق العام التي تطل علينا ما بين الحين والآخر.

في مهرجان القاهرة السينمائي الذى أختتمت دورته الـ43 الأسبوع الماضى، توهج ثلاثة من نجوم الفن في مصر، والذين برهنوا بالأفعال لا الأقوال أنهم امتداد لجيل العظماء في السينما المصرية، لم يتسرب الكبر لنفوسهم ولم يخدعهم ما حققوه من نجاح طوال عشرات السنوات الماضية لينحوا نفسهم جانباً عن هؤلاء الصغار الذين يشقون طريقهم للفن والتمثيل.

النجوم الثلاثة هم الفنان كريم عبد العزيز ورفيق دربه ماجد الكدواني، والعبقري خالد الصاوي، الذي أبهر الجميع بمقدمته في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 43 وخفة ظله.

الساحر الجديد كريم عبد العزيز

كريم محمد عبد العزيز، من مواليد برج الأسد، ويحوز على كثير من صفات هذا البرج الإيجابين، كتميزه بشخصيته الساحرة، التي تجعله دوما محط الأنظار أينما حلّ، فضلاً عن ثقته بنفسه، وحبه وإخلاصه للجميع وتمتعه بجذب الآخرين، مع قدرته الكبيرة على السيطرة على شيء ما في شخصيته، وهيمنته على عيوبه.

ظهر كريم في أول عمل سينمائي له وهو طفل في فيلم البعض يذهب للمأذون مرتين، وهو من إخراج والده المخرج محمد عبد العزيز، الذي أشبعه بحب الفن والتمثيل والإخراج، وعلمه ما هو أهم من ذلك احترام الذات وتلك المهنة الراقية المساهمة بشكل كبير في تشكيل وعي الأمم، وهو ما طبقه كريم بالحرف الواحد.

لم تكن بلاتوهات التصوير والاستديوهات بغريبة على كريم نتيجة لعمل والده الدائم في هذه الأماكن واصطحابه له إلأيها بسبب وبدون.

انضم كريم إلى معهد السينما عام 1994، وتخرج منه بقسم إخراج عام 1997، فعمل مساعد مخرج لفترة، ثم قرر التوجه إلى مجال التمثيل ليحتل الجزء الأكبر من اهتمامه في هذا المجال إلى أن جاءت له فرصة التمثيل مع المخرج شريف عرفة الذي كان أول من قدمه للجمهور، ثم اختارته الفنانة سميرة أحمد للقيام بدور ابن شقيقها في مسلسل «امرأة من زمن الحب»، إلى أن فتحت الشهرة له أبوابها وتوالت عليه العروض ليلعب دور البطولة المطلقة أمام منى زكي وحلا شيحة في فيلم «ليه خلتني أحبك».

حالة سعادة كبيرة انتابت غالبية الوسط الفني مع إعلان تكريم الفنان كريم عبد العزيز في الدورة الـ 43 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في إشارة واضحة للشعبية والمحبة التي يمتلكها كريم في هذا الوسط المضروب بالأحقاد والكراهية، بينما أعلن كريم ليس فقط بشعوره بالسعادة ولكن بالفخر الشديد أن يرتبط اسمه بمهرجان القاهرة، ويكون ضمن قائمة المكرمين الطويلة التي يضمها تاريخ المهرجان منذ بداية سنواته الأولى، وتتكون من عدد كبير من الأسماء البارزة واللامعة في تاريخ الفن في العالم وليس في مصر فقط.

وعن حصوله على جائزة مكتوب عليها اسم الفنانة الراحلة فاتن حمامة، قال إنه أمر غير عادي بالنسبة له بالمرة، فهو قيمة وشرف لأي فنان يتم التكريم بها، كما أنه أكبر تكريم سواءً بسبب أنه يحمل اسم الراحلة أو أنه من مهرجان القاهرة الدولي، معتبراً هذا التكريم تكريم العمر.

وعن اللحظة الفنية التي يعيشها الآن، قال إنها أهم فترة في حياته الفنية.

وفي تصريحات صحفية كشف كريم سر خلطته السحرية، التي قادته إلى هذا النجاح المبهر، فقال إن السر في أنهم جيل تربوا على أيدي أساتذة كبار علموه هو وزملائه كيف يحترمون الفن والناس. ومن احترامه لنفسه ولمن علموه ولجمهوره لم ينسى في لحظة تكريمه أن يقدم الشكر، لكاتب أول مشهد وأول جملة له، وكانت من كتابة الأستاذ الراحل وحيد حامد، وكذلك المخرج شريف عرفة الذي آمن بموهبته.

كما عبر كريم عن امتنانه وشكره لكل مخرج عمل معه خلال مسيرته الفنية قائلا: "لا يوجد مخرج لم يضف لي، فقد عملت مع ساندرا نشأت وشريف عرفة ومروان حامد وكل مخرج يترك بصمة بداخلي، أما عمالقة الفن مثل عادل إمام ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وأحمد زكي فكانوا بمثابة البوصلة التي توجهني خلال مشوار عملي وتعلمت منهم الكثير والكثير".

وعن كون دراسته للإخراج ساعدته في أن يحترف التمثيل بتلك الطريقة قال: «لقد نشأت في بيت فني، وهي نعمة كبيرة من الله، فقد تعملت من والدي احترام الفن وأن أمتلك وجهة نظر خاصة بي، فقد نشأت في بيت مخرج علمني كيف أفكر وأعبر عن رأيي وقراراتي، بالإضافة إلى دراستي للإخراج، فقد أفادتني كثيرا في التمثيل على الرغم من إشفاق والدي علي من دخول عالم الفن، ولكني دخلته بكامل إرادتي وبدأت من فيلم "أضحك الصورة تطلع حلوة"، والصراحة كنت خائفا في بداية العمل، حيث أعطاني المخرج شريف عرفة مشهدا من الفيلم لأحمد زكي وقالي لي "أريدك أن تقدم هذا المشهد"، وفي الحقيقة أعتبر العمل مع هؤلاء العمالقة توفيقا من الله في بدايتي وشعرت أنني مدفي بالكبار في عملي».

 

ووجه نصيحة للشباب من الفنانين حول النجومية قائلا "أفضل شيء في النجومية ألا تشعر بها، وأكبر نصيحة للنجوم الشباب هي حب شغلك واحترمه ومواعيدك، ولذلك نصيحة والدي كانت "إننا لم نخترع السينما، ولكنها إرث من سبقونا، وحافظوا عليها، ولذلك عليك احترام صناعة السينما والورق والمواعيد"، كما أن عملي لا يجعلني أتدخل في الورق أو الإخراج، ولكن هناك مناقشات مستمرة مع المخرج والمؤلف، والسبب هو دراستي للإخراج".

وعن الصعوبات والمشكلات التي واجهته قال "لا يوجد عمل بدون صعوبات خاصة كوجه جديد تبحث عن فرصة في السينما وتريد أن تبني اسمك بعدما تثبت نفسك، فتتوجه إلى مرحلة ثانية تقدم أعمالا ناجحة، ثم مسؤولية الحفاظ على الاسم والنجاح، إلى جانب أننا كجيل عشنا تغيرات كبيرة سياسية واجتماعية، وأعتقد أنها أصعب الصعوبات التي مرت علينا كجيل، بالإضافة إلى أننا نأخذ وقتا طويلا في التحضيرات عكس الجيل الذي سبقنا في غزارة الأفلام، وكانت غلطة أصبحت سمة جيل بأكمله، وبدأنا تغييره وهو عتاب لي ولجيلي، ولكننا غيرنا هذه الاستراتيجية، كما أننا لم نترب على فكرة نمر وان وتصدر المشهد بل تربينا على تمني الخير لبعض، وأن يحب الجمهور عملنا، ولدينا يقين أن الدنيا يوم فوق ويوم تحت فقط".

وحول ما إذا كان سيفكر في خطوة الإخراج مثلما قام العديد من نجوم هوليوود بذلك قائلا "لا أعرف متى سأتمكن من القيام بتلك الخطوة، ولم أضع أي خطة لذلك أو موعدا بتحقيق حلم الإخراج ولكنه من الأمور التي أتمنى أن أحققها".

ماجد الكدواني.. مبدع للغة السينمائية

أما رفيق رحلة كريم الفنية الفنان ماجد الكدواني فلا يختلف عنه كثيراً، والأمر الغريب أنه حصل على نفس الجائزة التي حملت اسم الفنان العظيمة الراحلة فاتن حمامة، في الدورة الـ39 من مهرجان القاهرة السينمائى.

استطاع ماجد الكدواني فى سنوات قليلة أن يبدع لغة سينمائية خاصة امتلك وحده مفاتيحها ومفرداتها، حتى عده الجميع ممثل من العيار الثقيل يختفى خلف ابتسامة متواضعة، حضور هادئ وروح تلقائية.

دخل ماجد الكدواني التمثيل بالصدفة الغريبة، فلم يكن في مخططه أبداً أن يعود من الكويت حيث كانت دراسته برفقة أهله للالتحاق بكلية الفنون الجميلة وتحديداً قسم الديكور المسرحي، ويقول عن هذه الفترة: «لا يعلم أحد ما السر الذى سرى من خشبة المسرح وتملك روحي؟ أو هل نداهة الفن نشرت سحرها فى وجداني فأصبحت أحد دراويشه؟».

ازداد الكدوانى تعلقاً بعد ذلك بالمسرح مواظباً على المشاركة فى الأعمال المسرحية التى قدمتها الكلية، وبعد التخرج، قرر أن يأخذ خطوة أكثر جدية ناحية التمثيل فقام بالالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وكانت البداية فى الطريق الاحترافى فى عام 1994 عندما شارك فى مسرحية «727» ومسلسل «أرابيسك»، تلاهما عدد من الأدوار الصغيرة فى أعمال سينمائية وتليفزيونية متفرقة.

قدم ماجد الكدواني مجموعة من الأعمال ما زالت حاضرة فى وجدان المصريين، منها الثنائى الذى قدمه مع الفنان كريم عبدالعزيز فى «حرامية فى كى جى تو» و«حرامية فى تايلاند»، أو مع أحمد مكى فى «طير انت» و«لا تراجع ولا استسلام»، و«الرهينة» مع أحمد عز، وغيرها أعمال وصلت إلى ما يقرب من 80 عملاً، لكن جاء دوره في مسلسل "الأختيار 2" مع الفنان كريم عبد العزيز ليزيد التصاق الجمهور به وبأبداعه الفني.

خالد الصاوي.. تاريخ إنسانى صنع فنانا

أما الفنان القدير خالد الصاوي، فقررت إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط تكريمه بإطلاق كتاب يحمل اسم «خالد الصاوي.. وجوه وهوامش» تأليف الناقدة ناهد صلاح، ويتناول سردًا تحليليًا لسيرة الفنان الذي يكشف فيه عن جذوره العائلية والاجتماعية وكيف شكلت عائلته الراسخة في النضال الوطني من الإسكندرية إلى الصعيد إلى حي الظاهر ووسط البلد ومصر الجديدة تكوينه الفني، هذا الملمح البارز في تاريخه الإنساني صنع منه فنانًا على أكثر من مستوى، كاتبًا، شاعرًا، مخرجًا، وحتى موسيقيًا، وممثلًا يتأثر بواقعه، ويؤدي أدواره وهو يدرك الحد الفاصل بين الشخصية الفنية وشخصيته الحقيقية.

قصة حياة خالد الصاوي غنية بمعطيات ووقائع تكشف أن حياته يستحيل حكيها في سردية واحدة، ويصعب تجاهل الهوامش فيها، نظرا لأنه شغوف بالهوامش؛ منها ما يُحدد زاويته لرؤية الجوف وتشعبه، ومنها يلتقط الوجوه التي تعينه سواء في مشروعه التمثيلي أو اشتباكاته مع الحياة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق