كاتب أمريكي يتساءل "هل إيران بلد أم قضية"

الثلاثاء، 26 يناير 2016 03:14 ص
كاتب أمريكي يتساءل "هل إيران بلد أم قضية"
الكاتب الأمريكي دويل مكمانوس

رأى الكاتب الأمريكي دويل مكمانوس أن أفعال إيران على مدار الأسبوع الأخير قد لا تبدو للأمريكيين مجرد أفعال مدهشة فحسب، وإنما متناقضة.

وسرد مكمانوس - في مقال نشرته "لوس أنجلوس تايمز" - كيف اندفعت إيران إلى الوفاء بالتزاماتها تحت الاتفاق النووي المبرم العام المنصرم، مُفكّكة الترسانة التي كانت تعتمد عليها لتصنيع قنبلة نووية، وفي الوقت ذاته، أصر مسئولون على متابعة إجراء اختبارات لصواريخ بالستية في انتهاك واضح لقرار آخر أصدرته الأمم المتحدة.

وقد سارعت إيران إلى الإفراج عن 10 بحارة أمريكيين انحرفت مراكبهم إلى المياه الإقليمية الإيرانية، وقالت إنهم تلقوا واجب الضيافة الإسلامية. ثم ما لبث الحرس الثوري أن بث فيديو يظهر البحارة جاثين على رُكَبهم، بينما الجنرالات متباهين قائلين "ها هم الأمريكيون يعترفون في خضوع بقوتنا وبأسنا."

كما تفاوضت أجهزة استخبارات إيران بهدوء على صفقة لتبادل خمسة سجناء أمريكيين بـسبعة إيرانيين، ثم ساومت هذه الأجهزة على السماح لزوجة وأُمّ أحد هؤلاء الأمريكيين بمغادرة البلاد، ثم ما لبث مسئول متشدد أن خرج زاعما أن تسوية واشنطن ذات الـ7. 1 مليار دولار لدعوى قضائية إيرانية إنما تمّ دفعها كفدية للسجناء، وهو ما نفاه البيت الأبيض.

ويرى المراقبون المعنيون بالشأن الإيراني أن أمثال هذه الرسائل معتادة من طهران.. ويقول عباس ميلاني، الباحث في الشأن الإيراني بمعهد هوفر في جامعة ستانفورد، إن إيران بلدٌ معقد؛ فعلى مستوىً ما، يستخدم الساسة الإيرانيون استراتيجية "السير على طريقين متناقضين في آن واحد" القديمة، وعلى مستوىً أكثر عمقا، ثمة صراع مستعرٌ على مستقبل البلد، ولا ندري إلامَ سيؤول هذا الصراع.

المشكلة الراهنة هي أن إيران لم تحسم خيارها حتى الآن بين ما وصفه هنري كيسنجر قبل سنوات عديدة: عمّا إذا كانت بلدًا أم قضية؟ دولة عادية أم دولة ثورية؟

ويرى مكمانوس أن إيران على الصعيد العملي سياسيا تبدو أقرب إلى أن تكون دولة عادية؛ فهي تمتثل للاتفاقيات، وتطلق سراح البحارة، وتحل نزاعات قديمة.. غير أن الإيرانيين يجدون في الخطوات الرمزية أمرًا صعبا.

وقد وافق المرشد الأعلى المتشدد علي خامنئي بمضمض على الصفقات مع الولايات المتحدة كثمن لتحرير البلاد من نيّر العقوبات الاقتصادية. (ويقول مسئولون أمريكيون إن خامنئي شخصيا اعتمد قرار إطلاق سراح البحارة والسجناء بالإضافة إلى الاتفاق النووي".

ورأى مكمانوس أن إيران انفتحت على الغرب بشكل جيد بعد الاتفاق النووي، ويقول مسئولون أمريكيون إن طهران باتت تدعم مساعي تقودها أمريكا نحو محادثات سلام على صعيد الحرب الأهلية السورية وعلى أصعدة أخرى.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي السابق في إيران جون ليمبرت إن ثمة تحول كبير في السياسة الخارجية الإيرانية، على الأقل فيما يتعلق بالتعامل مع الولايات المتحدة؛ لقد كان أمرا مستبعدا ولا يمكن تصوره أن تتحادث إيران وأمريكا كل مع الأخرى مباشرة على نحو ما يجرى الآن وحول عدد كبير من القضايا.

على الجانب الآخر، طالما رفض الإيرانيون مقترحات لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، حتى إنهم رفضوا مقترحا أمريكيا بتدشين خط ساخن بين القوات المسحلة للبلدين، حتى ولو كان ذلك من شأنه الحيلولة دون وقوع صدامات لم تكن حتمية الوقوع.

ورأى مكمانوس أن هذه المقاومة وذلك الرفض للتطبيع الرسمي مع أمريكا إنما كان في جزءٍ منه راجعًا إلى محاولة الاحتفاظ بتصور إيران الثوري لذاتها؛ يقول الباحث ميلاني في هذا الصدد "لقد بنى خامنئي كل مِنصّته السياسية على أساس من العداء للأمْرَكة، وهو ببساطة لا يستطيع الاعتراف بأن فكرته قد انهارت".. فحتى بعد أن رخصّ تقاربا فرضه الواقع مع الولايات المتحدة، فإن خامنئي أطلق سيلا من البيانات الهادرة ندد فيها بالشيطان الأكبر وحذر من التآمر الغربي.

ويرى كريم سجادبور، المحلل الأمريكي المعني بالشأن الإيراني لدى مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن أفضل وصف للناتج السياسي لتلك الحال هو "خصومة مُحْتَواة."
ويرى مكمانوس أن الطبيعة ذات الوجهين للسياسة الخارجية الإيرانية تعكس فيما تعكس صراعا سياسيا بين المتشددين والرئيس الإصلاحي حسن روحاني، بينما خامنئي كالمعتاد "ولكن ليس دائما" يدعم جانب المتشددين.

وقد أججّ انتصار روحاني بإبرام الاتفاق النووي هذا الصراع؛ ويأمل روحاني في أن يعطي هذا الاتفاق دَفعة لإئتلافه الإصلاحي على طريق الانتخابات البرلمانية المزمعة في 26 فبراير المقبل، غير أن الأسبوع الماضي شهد قيام مجلس وصاية البلاد بنزع الأهلية عن آلاف الإصلاحيين حتى لا يخوضوا سباق الانتخابات مثيرا بذلك جدلا حادا بين روحاني الذي عارض الإجراء من جهة وخامنئي من الجهة الأخرى.

ورصد مكمانوس تحذير مسئولين أمريكيين ومحللين معنيين بالشأن الإيراني من أنهم يتوقعون نزاعات جديدة بين أمريكا وإيران مستقبلا، ليس فقط لأن البلدين لايزالان مختلفين على العديد من القضايا، وإنما أيضا لأن متشددي طهران يرغبون في استعادة نفوذهم من جديد.
ورأى الكاتب أنه من الخير أن يتوقف ملالي إيران عن قيادة الجُوقات المرددّة لهتاف "الموت لأمريكا"، غير أن هذا لن يحدث لفترة طويلة، ولا بأس في ذلك.

ونوّه مكمانوس في ختام مقاله عن أن ثمة سابقة تاريخية في السياسة الخارجية الأمريكية عن كيفية التعاطي سلميا مع قوة معادية أو مهددة "لقد شقّ الرؤساء الأمريكيون طريقهم عبر نصف قرن من نزاع عالمي مع الاتحاد السوفياتي ونحو نصف قرن من خلافات مع الصين دونما الذهاب لحرب، وبالإمكان اتباع الطريق ذاتها مع إيران هي الأخرى."

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة