«زينب» .. فتاة هزت عرش الصوفية

الإثنين، 24 أغسطس 2015 08:50 م
«زينب» .. فتاة هزت  عرش الصوفية

«مقصوفة الرقبة».. وصف يقال على الفتاة التي تتمرد دوماً على العُرْفِ والتقاليد وأحياناً تتخلى عن الأدب.

ومقصوفة كلمة عربية لكن معناها في الجملة مضروبة الرقبة، أي القتيلة .

يعود أصل معنى الجملة إلى حادثة زلزلت الكيان المصري وقتها .

وهي حادثة مقتل زينب بنت الشيخ خليل البكري الصديقي نقيب الأشراف وشيخ السادة البكرية

حيث قُتِلَت في 24 ربيع الأول سنة 1216 هجرية، الموافق 4 أغسطس سنة 1801 ميلادية .

لا أحد حتى الآن يدري أين دُفِنت زينب البكري، لكن كتب التاريخ كلها كتبت عن سبب قتلها

الغالبية حَمَّلوا والدها تبعات ما اقترفته من خروج عن الأصول ، والبعض رأوها حادثة عرضية

إلا أن في كل الأمور كانت حادثة مقتل زينب البكري هزت عرش الصوفية في مصر.

تبدأ الحكاية بدخول الحملة الفرنسية إلى مصر، ثم اتفاق الهدنة بين المشايخ ونابليون قبيل اندلاع ثورة القاهرة الأولى في أكتوبر سنة 1798 م.

وكان الشيخ خليل البكري أحد أعضاء الديوان الذي شكله نابليون فور دخوله إلى مصر.

لكن كان عمر مكرم هو نقيب الأشراف خلفاً لشقيق الشيخ خليل البكري، وغادر عمر مكرم متوجها إلى الشام فور دخول الحملة الفرنسية إلى مصر وذلك استعدادا للثورة .

بعد دخول الحملة الفرنسية إلى مصر وتعيين البكري عضوا في الديوان، اتخذ قراراً مفاجئا للغاية بالنسبة للمشايخ ، حيث توجه إلى نابليون و أخبره بأن نقابة الأشراف اغتصبت من البكرية على يد عمر مكرم ، وهو الأحق بها بحكم أنه شقيق النقيب الأسبق .

فأصدر نابليون قراراً بتعيينه نقيباً للأشراف .

وما لبث البكري بعد تعيينه إلا أنه أخذ الوقف من النقابة، وسكن أفخر المنازل ، وصار له ود مع الفرنسيين لدرجة أنه كان من أكابر الديوان .

ويصف الجبرتي حاله بأنه كان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عند الفرنسيين.

تستمر السنوات القليلة في التقدم وتثور القاهرة على الفرنسيين وعلى الشيخ البكري نفسه حيث هاجمه أناس كثيرون وصفهم الجبرتي بـ «المتهورين من العامة»، فنهبوا منزله وهتكوا حرمة منزله وعَرَّوا البكري من ملابسه فضلا عن اعتداءهم على حريمه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الأزبكية إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون وأطلقوه بعد أن أشرف على الهلاك.

وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره وأسكن روعه وألبسه ثيابًا وأكرمه وبقي بداره إلى أن انقضت أيام الثورة بانتصار الفرنسيين وعندها ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجددها.

ويحل شهر أغسطس من عام 1801م، ليكون البكري و الحملة الفرنسية على موعد مع القدر

فالحملة الفرنسية أعلنت رسمياً ترك الديار المصرية وحكمها، وتقرر خروج عساكرهم في آخر الشهر.

أما الشيخ البكري فكان قدره مختلفاً .

فقد اجتمع ممثل من الدولة العثمانية وواليها على مصر محمد خسرو باشا وبعض من المشايخ

لمحاكمة الشيخ البكري من منصبه لتهم عديدة كان أخطرها «سفور ابنته التي لم تتجاوز السادسة والعشرين عاما»

ساق الجبرتي وقائع المحاكمة حيث قال «وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه ـ أي في 24 ربيع الأول سنة 1216 هجرية، الموافق 4 أغسطس سنة 1801 ميلادية ـ طُلِبَت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا إلى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت: إني تبت من ذلك فقالوا لوالدها: ما تقول أنت فقال: أقول إني بريء منها فكسروا رقبتها».

وحملت التهم وجود علاقة غير شرعية أقيمت بين زينب و نابليون بسبب قرب أبيها منه.

ولتبرجها تأثراً بالحملة، لأن التبرج لم يكن يستدعي القتل، فضلا عن أن المحاكمة في ذلك اليوم كانت للنسوة التي فجرن، وبعد محاكمة ابنة البكري كانت محاكمة المرأة المسلمة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان وهربت بعد الحملة، وقضت المحكمة بقتلهن .

فيما حوكم الشيخ خليل البكري بتهمة اقتناء الغلمان، حيث كان لديه مملوك جميل اشتراه وشغف به، فقرروا انتزاعه منه، وجاء تاجر الرقيق وقال أن خليل أخذ المملوك غصبا، فأبطلت الصفقة وعاد المملوك إلى التاجر، وأبطلت بذلك شهادة العتق التي كان قد حررها له الشيخ خليل، وترتب على ذلك أيضا أن فسخ عقد زواج هذا المملوك على إحدى بنات خليل.

كما تقرر فسخ العقد الذي كان الشيخ خليل قد عقده لابنه على بنت السيد محمد أفندي البكري

وعاش خليل البكري بعدها وحيدا منزويا بعيدا عن الأضواء، ومات في عصر محمد علي دون أن يشعر به أحد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق