حمدي عبد الرحيم يكتب: معرض الكتاب والفريضة الغائبة

السبت، 21 يناير 2023 11:00 م
حمدي عبد الرحيم يكتب: معرض الكتاب والفريضة الغائبة

- الدولة ساندت معرض القاهرة الدولى للكتاب قدر ما تستطيع لكن الخطوة الجديدة التي ستنجينا أشرار تقلبات السوق تكون بإقامة صناعة الورق والأحبار في مصر 
 
لم يخلق الله، وظني أنه لن يخلق تطورًا جادًا وحقيقيًا بدون دفع الثمن.
 
كل حوادث التاريخ البعيد والقريب والمعاش يثبت وتؤكد لنا أن لكل تطور تضحيات وأثمان، قد تكون باهظة وفادحة.
 
انظر إلى سيرة سيد الخلق سيدنا محمد بن عبد الله، لقد بدأت دولته العظمى به وحده منفردًا بين جماعات شرسة من الكفار والمعاندين والرافضين له ولكل رسالته، ثم لم يكن معه يؤيده ويسانده سوى السيدة زوجه أمنا، أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد.
 
ثم جاء الصديق أبو بكر ومعه فتى الفتيان علي بن أبي طالب، فأصبحنا أمام أسرة مكونة من زوج وزوجة وربيب وصديق للزوج، ومن هؤلاء جاء المسلمون الذين أصبح عددهم الأيوم فوق المليار نسمة!
 
يقينًا دفعوا الثمن، بداية من حصارهم في شعب أبي طالب، وصولًا لتركهم بيوتهم وأموالهم ووطنهم وأهلهم في مكة ليقيموا في المدينة المنورة، هل هناك ثمن أضخم من هذا؟
 
ونحن أعني المصريين، حررنا أرضنا بعد قبولنا بدفع اقتحامنا لقناة السويس وتحطيمنا لخط بارليف، فلولا قبول جيشنا العظيم وشعبنا المضحي الكريم بدفع الثمن لظلت أرضنا تحت أقدام العدو وفي قبضته.
 
أقول هذا وعيني على معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو المعرض الذي ينتظره ملايين المصريين والعرب، وهو موسم الرواج وموسم التعارف بين كل المهتمين بصناعة النشر.
 
ينطلق معرض عامنا هذا في الخامس والعشرين من يناير الجاري 2023، يبدأ المعرض وصناعة النشر كلها تعاني الذي تعانيه من مشاكل وأزمات باتت تهدد كبريات دور النشر بالتوقف أو بتقليص حجم نشاطها في الحد الأدنى.
 
الدولة من ناحيتها يعز عليها، عدم إقامة المعرض الذي أصبح من علامات القاهرة منذ أكثر من نصف قرن، ولذا فقد ساندته قدر ما تستطيع، وقد جاءت مساندة الدولة عبر خطوات منظمة وجادة لا تعرف الفوضى أو الاستسهال.
 
فقد قررت أن تكون تذكرة الدخول بثمن زهيد وهو خمسة جنيهات للفرد، وهو مبلغ لا يعجز أحدًا، وقد أصدرت الهيئة العامة للكتاب بيانًا جاء فيه: "تسعى الهيئة للتيسير على القراء والمثقفين من جمهور المعرض، لذلك تم تطوير المنصة الرقمية، والتي تُمكن الزائرين من الحصول على تذاكر الدخول، عن طريق اختيار عدد مرات الحضور للمعرض، ومن ثم اختيار طرق الدفع المتاحة، وازدادت طرق الحصول عليها هذه الدورة، لتكون الخدمة ممكنة سواء عن طريق بطاقات الدفع "فيزا – ماستركارد – ميزة"، أو عن طريق "باي موب – الأهلي ممكن – أمان".
 
وأتاحت للزائر شراء الكتب عن طريق المنصة الرقمية إمكانية شراء الكتب إلكترونيًا من خلال خدمات الدفع المتعددة التي تتيحها المنصة؛ حيث تم البدء في إجراءات ميكنة خدمة الاشتراك في المعارض من الناشرين عن طريق التقديم إلى المعرض من خلال المنصة، ورفع بيانات دار النشر والكتب المشارك بها في المعرض، ودفع رسوم الاشتراك إلكترونيًا".
 
ثم أعلن الدكتور أحمد بهى الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، عن إطلاق وزيرة الثقافة مبادرة جديدة تحمل اسم الثقافة والفن للجميع، تتمثل في طرح إصدار بأسعار مخفضة تبدأ من 1 جنيه حتى 20 جنيهًا، وذلك لتشجيع زوار المعرض على اقتناء الكتب والقراءة.
 
أما محافظة القاهرة التي يحمل المعرض اسمها العريق فقد قررت كما ذكر محافظها اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، توفير أسطول من أتوبيسات هيئة النقل العام لخدمة زوار المعرض، حيث ستقوم هيئة النقل العام بالقاهرة بتوفير 58 أتوبيس لخدمة زوار معرض الكتاب تغطى معظم مناطق القاهرة بالإضافة للخطوط الحالية العابرة للمعرض.
 
كل ما سبق لا غبار عليه بل هو جهد مشكور لا نطمع في ظل الظروف الحالية، بما هو أكثر منه، ولكن أين التضحيات وأين الثمن المدفوع اللازم للتطوير الجاد المنظم.
 
معرض الكتاب هو في المحصلة النهائية يساوي مؤلف وناشر وقارئ، وهؤلاء جميعًا في قبضة آلات إنتاج الكتاب، وهذه الأخيرة هي ما تنقصنا ويجب أن ندفع ثمن امتلاكها.
 
ثمن الكتب أصبح فلكيًا، ليس جشعًا من الناشر، بل هو استجابة طبيعية لزيادات جنونية لحق بأسواق الأحبار والورق.
 
وجدت تصريحًا للسيد عمرو خضر رئيس الشعبة العامة لتجارة الورق وأصحاب المطابع باتحاد الغرف، قال فيه: "إن أسعار أوراق الطباعة زادت بنسبة كبيرة منذ بداية العام وحتى الآن بنسبة تخطت الـ 40% فيما يخص أوراق الطباعة المحلية"، مشيرا إلى أن مدخلات صناعة الأوراق غالبيتها يأتي لمصر عن طريق الاستيراد.
 
وأضاف السيد حضر: إن مصر تملك مصنعين محليين لإنتاج أوراق الكتابة والطباعة، لكن تأتي مدخلات الصناعة الخاصة بها من خارج مصر، ما سبب زيادة في أسعار المنتجات المعتمدة على تلك الصناعة.
 
فسعر طن الورق المحلي 27 ألف جنيه، وسعر طن الورق المستورد تجاوز الـ 40 ألف جنيه.

والحال كما ترى ماذا سيفعل الناشر والمؤلف والقارئ؟
 
سيستجيب رغم أنفه لأسعار عالمية ليس بيد الدولة التدخل فيها، اللهم إلا إذا وضعنا نقطة في آخر السطر وبدأنا فقرة جديدة سندفع ثمنها بكل تأكيد.
 
الخطوة الجديدة التي ستنجينا من  أشرار تقلبات السوق العالمية، تكون بإقامة صناعة الورق والأحبار في مصر، صناعة قوية متينة حتى لو كلفنا الأمر كلفة أعلى من استيراد الأحبار والورق، لأن عمليات الاستيراد غير مأمونة فقد تحدث أزمة مثل أزمة روسيا وأوكرانيا فتشل سلاسل التوريد وتزيد من كلفة الاستيراد.
 
الصناعة الوطنية هي الحل الوحيد للخروج من نفق أي أزمة، وبغيرها سنظل ندور في الحلقة الجهنمية المفرغة وسنظل أسرى لتقلبات السوق العالمية التي لا نستطيع تغيرها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق