الاستغاثات بين الحقيقة والادعاء في المشهد الانتخابي

الثلاثاء، 09 ديسمبر 2025 04:07 م
الاستغاثات بين الحقيقة والادعاء في المشهد الانتخابي
ولاء عزيز

مع انطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شهدت الساحة السياسية المصرية واحدة من أكثر الفترات جدلًا خلال السنوات الماضية. فبمجرد بداية التصويت، خرج بعض المرشحين على الرأي العام معلنين انسحابهم أو اعتراضهم على عدم تكافؤ الفرص وغياب النزاهة، ثم تصاعدت موجة الاتهامات عبر المنصات الرقمية بلا ضوابط. بدا المشهد وكأن الدولة على حافة فوضى سياسية، قبل أن يتدخّل السيد الرئيس عبر تصريح مقتضب وواضح: الانحياز للمواطن، والالتزام بانتخابات أكثر شفافية ونزاهة.
 
هذا التصريح فتح الباب لموجة أخرى أكثر اتساعًا: قبول الطعون من الهيئة الوطنية للانتخابات، ثم نظرها أمام المحكمة الإدارية العليا، وصولًا إلى الإعلان عن إعادة 47 دائرة من أصل 70. هنا تحولت الساحة الانتخابية إلى حالة من الارتباك، ووجد الشارع نفسه أمام مشهد مختلط بين الحق والباطل، بين المظلوم والمدّعي، وبين من يملك دليلًا ومن يملك ضجيجًا فقط.
 
الأزمة: حين تتحول الاستغاثة إلى أداة انتخابية
لم تكن الاستغاثة يومًا وسيلة طعن انتخابية، لكنها في هذه الانتخابات تحولت إلى موضة جديدة يستخدمها البعض كوسيلة ضغط سياسي. ظهر العشرات على البث المباشر عبر السوشيال ميديا يصرخون، يتهمون، ويستغيثون بالرئيس… لكن السؤال الأهم: هل كل من يستغيث مظلوم فعلًا؟ أم أن بعضهم يهرب من مسؤوليته القانونية بالصوت العالي؟
 
بعض المرشحين يعرفون جيدًا حجم التجاوزات التي ارتكبوها، وعندما بدأت الجهات المختصة اتخاذ إجراءات ضدهم، قرروا أن يلجأوا إلى أعلى سلطة في الدولة ليصنعوا لأنفسهم حصانة شعبية وهمية عبر الصراخ والبكاء واتهام الآخرين.
 
هذا النموذج يطرح خطورة كبيرة، هو يخلط بين المظلمة الحقيقية وبين ادعاء المظلومية، فيضيع الحق بين الاثنين.
 
الإعلام الرقمي: الضجيج الذي يسبق الحقيقة
في عالم السوشيال ميديا، لا يحتاج الشخص إلى دليل، يكفي امتلاك صفحة نشطة أو لجنة إلكترونية تصنع له مناخًا من التعاطف المصطنع، وتحول قضيته مهما كانت ضعيفة إلى تريند، وهنا يحدث الخلل، من يملك صوتًا عاليًا يتقدم المشهد، ومن يملك حقًا حقيقيًا يختفي وسط الضجيج، ومن يخالف يسبق بالشكوى ليبرئ نفسه، ومن يُتهم ظلمًا لا يجد مساحة للدفاع.
 
وأصبح السيناريو السائد، "ضربني وبكي، وسبقني واشتكي".
 
هل الدولة ستسمح باستمرار هذا المشهد؟.. المؤكد أن الدولة المصرية أكثر وعيًا من أن تُدار بالضوضاء أو تُبتز بالصوت العالي، وهناك فرق واضح بين مواطن يطلب حقه بالقانون، ومرشح يحاول الهروب من مواجهة القانون بالشكوى الإعلامية.
 
ومن الواضح أن مؤسسات الدولة بدأت بالفعل في رسم خطوط حمراء، فقبول الطعون كان خطوة جادة لضبط العملية الانتخابية، وليس استجابة للصوت العالي. والنظام القضائي تعامل مع كل دائرة بميزان قانوني دقيق وليس بناءً على الاستغاثات الفضائية.
 
الدولة تعلم أن الاستجابة للفوضى تضيّع حقوق أصحاب الحق الحقيقيين، وتُكافئ من يتلاعب بالرأي العام. لذلك من المتوقع أن تكون الفترة المقبلة بداية مرحلة جديدة، مرحلة تنظيم الخطاب الانتخابي، وربما وضع ضوابط واضحة للبثوث المباشرة والمنصات التي تحوّلت إلى ساحات للاتهامات بدون دليل.
 
المطلوب الآن: عودة الثقة وبناء وعي جديد، وإذا أردنا للخريطة السياسية أن تستقر، فهناك عدة متطلبات أساسية، استعادة الثقة بين المرشح والناخب عبر أدوات قانونية واضحة، وليس عبر صراخ السوشيال ميديا، توعية الشارع بأن الطعن الانتخابي مكانه القضاء، وليس اللايفات، تجريم استخدام المنصات الرقمية في التشهير أو تزييف الحقائق خلال العملية الانتخابية، تطوير آليات رقابية تفرّق بين المظلوم والمدّعي، وتعزيز رسالة الرئيس بأن الدولة منحازة للمواطن، وليس لصوت أعلى أو فريق أكثر ضوضاء.
 
خلاصة المشهد
ما يحدث الآن هو اختبار حقيقي لقدرة الدولة على إدارة انتخابات حديثة في عصر الفوضى الرقمية.، الخطر الحقيقي ليس في الطعون، بل في محاولات تسييس الاستغاثة، واستغلال اسم الرئيس كدرع يحتمي به البعض من القانون.
 
والمؤكد أن الدولة لا تنتصر للصوت العالي، بل للحق. ولا تخضع للضجيج، بل للقانون، وستظل خطوطها الحمراء واضحة في وجه كل من يحاول خلط الأوراق أو تحويل النزاهة إلى فوضى.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق