مصر وروسيا في كأس العالم والثقافة أيضا.. أدباء روس أثروا في المشهد الأدبي المصري

الثلاثاء، 19 يونيو 2018 10:00 م
مصر وروسيا في كأس العالم والثقافة أيضا.. أدباء روس أثروا في المشهد الأدبي المصري
الروائي المصري الراحل يوسف إدريس
وجدي الكومي

في الوقت الذي نحبس فيها أنفاسنا قبل مواجهة فاصلة مساء اليوم الثلاثاء، وستكون حاسمة، في مشوار منتخبنا الوطني ببطولة كأس العالم 2018، الذي يواجه البلد المضيف للبطولة "روسيا" في ثالث مباريات المجموعة الأولى، يعرف القليل من مشجعي منتخبنا الوطني أن أدباء هذا البلد الذي نواجهه اليوم، ونتمنى له من قلوبنا الخسارة أمام منتخبنا، ساهموا في المشهد الأدبي المصري.

احتل الأدب الروسي منزلة خاصة ومؤثرة بين الآداب العالمية التي أثرت في الأدب المصري، وذلك لقدم الكتابات المنشورة بهذه اللغة، وكذلك لقرب الدولة المصرية البالغ من روسيا أبان فترة "الاتحاد السوفيتي" وبالتأكيد لأن الآداب العظيمة يتلقفها الأدباء المجدون الذين يرغبون في تقديم أفضل ما لديهم.

وأبرز من ساهم في المشهد الأدبي المصري من الكتاب الروس، كان عملاق القصة القصيرة أنطون تشيكوف، وهو أحد مؤسسي هذا الفن، ووُلد أنطون تشيكوف في التاسع والعشرين من يناير عام 1860.

تشيكوف
تشيكوف

 

وبفضل المترجم الكبير  الدكتور أبوبكر يوسف، تعرفنا على أعمال القاص، والروائي، والمسرحي، عملاق الأدب الروسي، أنطوان تشيكوف، الذي لم تكن حياته سهلة، كانت روسيا تجتاز فترة حالكة من تاريخها، عاصرها تشيكوف، فالقيصر ألكسندر الثاني اغتيل عام 1881، وكان اغتياله فاتحة عهد إرهاب حكومي، على الرغم من أن هذا القيصر يعود إليه فضل إلغاء الرق في روسيا القيصرية، وتحولت البلاد إلى دولة تسيطر عليها أجهزة البوليس السري في عصر الكسندر الثالث، الذي كان رجعيا متعصبا، قضى على حرية الرأي، وعاصر تشيكوف هذه الأجواء، وصور هذه الأجواء في أعماله، ولم يتلاعب بالأفكار، أو ينحاز للديكتاتورية، كما لم يلتزم إلا بفلسفة الفن، الكتابة اليوم عن آثار تشيكوف لا تكفي في بضعة سطور، ولكن آثاره تركت بصمات في أقلام كافة المبدعين المصريين الذين تأثروا به وعلى رأسهم يوسف إدريس.

ديستوفيسكي
ديستوفيسكي

 

أما الأديب الروسي الثاني الذي لا تخلو مكتبة مثقف مصري من آثاره، فهو فيودور ديستوفيسكي، الذي كانت حياته شديدة الثراء، عامرة بالتجارب، مثلها مثل حياة "تشيكوف"، فالأول اشتهر بورطاته المالية، وكتابته أعمال خالدة، من أجل تسديد ديونه، والثاني اشتهر أيضا بـ"المقامر" أحد عناوين روايته، وكذلك "الجريمة والعقاب" إحدى اشهر روائع الأدب الروسي، وكان فيودور ديستوفيسكي قد تعرض للاعتقال عام 1849، لنشاطه السياسي، ونجا من الموت رميا بالرصاص بأعجوبة، ونفي في آخر لحظة إلى سيبيريا، حيث قضى 3 سنوات فيها يعاني من البؤس والعذاب، مما أثر عليه، وجعله يتحول إلى الدين والصوفية، وهو ما يظهر في أعماله، التي من أشهرها "الجريمة والعقاب" و"الأخوة كرامازوف".

حلقة الإذاعة المصرية نيقولاي جوجول
حلقة الإذاعة المصرية نيقولاي جوجول

 

أما ثالث عمالقة الأدب الروسي، الذي تزدان مكتباتنا بكتبه، فهو "نيقولاي جوجول" وهو أحد أكبر روائيي ومسرحيي الأدب الروسي، ولا يمكننا أن ننسى جوهرته "المفتش العام"، التي نشرها عام 1836، وبحق يستحق جوجول لقب "الأب الروحي للأدب الروسي"، فهو أحد مؤسسي المدرسة الواقعية في هذا الأدب، وكان حسه الساخر الكوميدي ظاهرا في أعماله، ومن أشهر كوميدياته المسرحية "المفتش العام" .

وتتسع القائمة لتشمل أدباء مهمين، كبار، مر عليهم الأدباء المصريون، وعلى إبداعاتهم، وتأثروا بهم، وذكروهم في لقاءاتهم، فالقاص الكبير الراحل يوسف إدريس، لم يخجل من أن يستدعي تشيكوف في حوارته، ولقاءاته الصحفية، بل والمرة الوحيدة التي ترجم فيها يوسف إدريس، أقدم على ترجمة قصة من قصص تشيكوف، حسبما كشف الشاعر شعبان يوسف في مقال له كتبه عن يوسف إدريس وضحايا عصره.

غلاف كتاب شعبان يوسف
غلاف كتاب شعبان يوسف

 

يقول شعبان يوسف: أجرى غالي شكري حوارا مع يوسف إدريس عام 1965، في مجلة "حوار" بمناسبة فوز إدريس بجائزة المجلة، وفي هذا الحوار قال يوسف إدريس لغالي شكري: لقد خضت مع تشيخوف بالذات تجربة، فعلا، ذلك يعني أنك عندما تقرأ تشيخوف، فإنك تصبح شئت أم أبيت تشيخوفيا، ولهذا، فعندما حاولت الكتابة بعد قراءتي لأعماله، أحسست أن رؤيته قد فرضت نفسها عليّ، ولكن برهافة إلي حد أنني كنت الوحيد الذي لاحظ ذلك، وطالما أن الأصالة تستند علي الرؤي الأصيلة، كان عليّ أن أناضل لأحرر نفسي من السيطرة ،  التي فرضتها رؤيته وأفكاره علي أعمالي، لقد كانت معركة شرسة ومريرة كلفتني عاما كاملا تقريبا هو عام 1955".
وفي حديث أدلي به للمستعرب م.ب كربر شوبك، والذي كتب "الإبداع القصصي عند يوسف ادريس"،وترجمه إلي العربية الشاعر رفعت سلّام، يقول ادريس عن كثرة  ما استوقفه في قصص تشيخوف "المفارقات الكوميدية بتناقضاتها الظاهرية الناعمة، غير الواضحة .
ورغم أن أحاديث يوسف ادريس لا تخلو من ذكر تشيخوف علي اعتبار أنه المؤثر الأعلي في كتاباته، إلا أنه كان يحلم دوما بتجاوزه، وتقديم ما لم يقدمه، وهو يري أنه قرينه الأكثر حضورا في العالم، وكان يري أن أي كاتب قصة قصيرة في العالم، لا بد أن يكون قد تأثر بتشيخوف.
ويشير شعبان يوسف في مقاله إلى أن هذا الشعور ظل طاغيا علي يوسف إدريس عندما كان في لجنة تحكيم مسابقة القصة القصيرة، التي نظمها نادي القصة عام 1956، وكانت اللجنة مكونة من يوسف السباعي، ويوسف إدريس، ومحمود تيمور، وكانت القصة التي فازت بالمركز الأول هي قصة "الطفل" للكاتب رؤوف حلمي، ونشرت القصة في مجلة "الرسالة الجديدة "في نوفمبر 1956، وجاءت كلمة المحرر تقول: "هذه القصة كانت اللجنة قد استبعدتها من الفوز بالجائزة الأولي، ثم تشكلت لجنة خاصة من الأستاذين يوسف السباعي ويوسف إدريس، واستقر رأيهما علي أن تكون هي القصة الثانية مكرر"،أما التقارير التي كتبها أعضاء اللجنة تقول: "يوسف السباعي: قصة ناعمة ذات تحليل لمشاعر الطفولة" أما يوسف ادريس فقد أعطاها 9 درجات 10، وجاء ضمن تقريره :"ولو أن الفكرة غير جدية، فقد طرقها تشيخوف، إلا أن العرض جيد جدا، والكاتب لديه استعداد طيب"، كما أن محمود تيمور أعطاها 9 درجات أيضا وقال عنها :"قصة عظيمة أثبت مؤلفها أصالة في فن القصة، لكأنها إحدي قصص تشيخوف، يجب الوثوق من أنها ممصرة".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق