ميزانية البنتاجون تقفز 20% في سنتين.. هل تحافظ واشنطن على قوتها أم تهدد العالم؟

الخميس، 02 أغسطس 2018 10:00 م
ميزانية البنتاجون تقفز 20% في سنتين.. هل تحافظ واشنطن على قوتها أم تهدد العالم؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
حازم حسين

تنفق الولايات المتحدة بمفردها نصف ما ينفقه العالم على الأنشطة العسكرية والتسليح. تبدو الأرقام مفزعة، خاصة في سياق صراعات سياسية متصاعدة يُحتمل أن تتطور لنزاعات مسلّحة في أي وقت.
 
بحسب تقرير "التوازن العسكري العالمي 2016" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، سجل إجمالي الإنفاق العسكري الأمريكي في العام 2015 ما قيمته 597.5 مليار دولار، في الوقت الذي سجلت فيه الدول العشر التالية 560 مليار دولار. وفي تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي في العام نفسه بلغ الإنفاق الأمريكي 596 مليار دولار من إجمال 1.7 مليار دولار أنفقها العالم على التسليح والجيوش.
 
الرقم الذي سجلته الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنتين خرج في صورته السابقة بعد ضغوط ومساومات من الكونجرس، خفّضته من مستوى يتجاوز 620 مليار دولار إلى 597 مليار دولار.. لكن رغم هذه الأرقام الضخمة فإن الإنفاق العسكري الأمريكي قفز مؤخرا إلى 716.3 مليار دولار بزيادة 118.8 مليار جنيه بنسبة 19.8%. هكذا يبدو أن الكونجرس تراجع بصورة كبيرة عن تحفظاته السابقة، وهو الأمر الذي لا يمكن رؤيته خارج سياق التعقيدات السياسية العالمية في الوقت الراهن.
 

%87 من نواب أمريكا يدعمون البنتاجون والتسليح
 
في الأسبوع الماضي ناقش مجلس النواب الأمريكي مشروع الموازنة الجديدة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والمقدرة بـ716.3 مليار دولار، بقبول 359 نائبًا مقابل اعتراض 54، وهي نسبة تقترب من 87%. وفي الساعات الأخيرة ناقش مجلس الشيوخ الموازنة وأقرها بالنسبة نفسها تقريبا، إذ وافق عليها 87 نائبا مقابل اعتراض 10 من المجلس الذي يضم 100 عضو.
 
ما أُثير خلال مناقشة الكونجرس بمجلسيه لمشروع موازنة البنتاجون، دار في جانبه الأكبر حول أهمية دفع عجلة الإنفاق العسكري بوتيرة أسرع مما كان عليه الأمر، في ظل التوترات السياسية الراهنة، والحضور الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية وعلى جبهة تايوان، والحرب التجارية المتنامية مع الصين، وحزمة العقوبات المرتقبة على إيران وتهديدات الأخيرة بالتصعيد، والأهم الموقف الأمريكي تجاه روسيا التي تخوض سباق تسلّح في الفترة الأخيرة، بشكل يقتضي تعزيز موقف الجيش الأمريكي، حسبما قال عدد من النواب خلال المناقشات.
 
موقف الكونجرس الداعم للبنتاجون قابله ترحيب واسع من وزير الدفاع جيم ماتيس، الذي قال في بيان صادر عنه: "أشعر بالامتنان لتصميم أعضاء الكونجرس من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، على تبنّي قانون موازنة الدفاع خلال وقت قياسي".. بينما يتضمن القانون إشارات عدّة بالغة الأهمية، أبرزها زيادة رواتب الأفراد 2.5%، وإتاحة حزمة تمويل ضخمة للاستثمار في تحديث الصواريخ والقوات البحرية والجوية، وأيضا الإفراج عن 69 مليار دولار لتمويل العمليات الخارجية في سوريا والعراق وأفغانستان والصومال. لكن أبرز بنوده النص على حظر تسليم أية مقاتلة (إف 35) لتركيا ما لم تُنهِ الأخيرة مفاوضات شراء منظومة (إس 400) الصاروخية المفتوحة مع روسيا.
 

أمريكا تنتزع نصف حصة العالم من الإنفاق العسكري
 
في تقرير معهد ستوكهولم كانت نسبة الإنفاق العسكري الأمريكي إلى إجمالي الناتج المحلي 3.9%، في وقت سجل فيه المتوسط العالمي 2.3% من الناتج، ولم تتجاوز ألمانيا 1.2%، وإيطاليا 1.3%، والصين 1.9%، وبريطانيا 2%، وفرنسا 2.1%، وتركيا 2.2%.. بالقفزة الجديدة التي شهدتها معدلات الإنفاق في الموازنة التي أقرها الكونجرس مؤخرا تصبح النسبة الأمريكية 4.2% تقريبا، وحوالي 40.5% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.. هنا يمكن السؤال: لماذا تنفق الولايات المتحدة على التسليح والشؤون العسكرية ما يُقارب نصف إنفاق دول العالم مجتمعة؟
 
الهدف الثابت دائما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على قوّتها العسكرية وتقدّمها لقائمة أقوى الجيوش في العالم. لكن الحقيقة أن واشنطن بإمكانها تحقيق هذا الهدف بنسبة إنفاق أقل من هذا، ما يُعني أن اعتمادها أكثر من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي لصالح البنتاجون ربما يكون مؤشّرًا على تنامي المخاوف الأمريكية من سباق التسلّح الروسي، وتصاعد التوترات في المناطق الملتهبة (سوريا والعراق وأفغانستان والصومال) وتطورات الأوضاع في فنزويلا، وتهديدات إيران لمنطقة الخليج العربي وإمدادات النفط.
 
وفق هذا التصور قد تمثّل القفزة الضخمة في موازنة البنتاجون ومخصصات تسليح الجيش الأمريكي تعبيرًا عن مخاوف حقيقية، أو استعدادًا لتصعيدات محتملة على واحدة أو أكثر من الجبهات الساخنة والمفتوحة. لا يبدو المشهد واضحًا بصورة كاملة، لكن حتى لو كان الدافع الأمريكي وراء إقرار موازنة بهذه الضخامة (716.5 مليار دولار) هو الخوف والتوجس، فإن الرقم نفسه سبب كافٍ لإثارة مخاوف الأطراف الأخرى، وربما في مقدمتها الصين وروسيا وإيران وتركيا وفنزويلا.
 
 
مخالب الدب الروسي ومخاوف الغول الأمريكي
 
في وقت سابق أقرت روسيا برنامجها للتسليح في عشر سنوات (2018/ 2027). بحسب البرنامج يشهد العام الجاري تطورات عسكرية مهمة ويصعب حصرها، لكن أبرزها زيادة عدد المتطوعين ليسجل 500 ألف ضابط وجندي، وتعزيز موازنة الجيش لتكون 46 مليار دولار بنسبة 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتدشين 11 منصّة ثابتة وذاتية الحركة من صواريخ "يارس" الحديثة العاملة بالوقود الصلب والمزوّدة برؤوس انشطارية، وتشكيل 7 وحدات جديدة وإمداد القوات البرية بـ3500 نموذج جديد من أسلحة حديثة ومتطورة، بجانب عربات الدعم "ترمينيتور" ودبابات (تي 80 - تي 90 إم - أرماتا).
 
تشمل التحديثات أيضا تزويد قوات الدفاع الجوي بمنظومات (تور- إم 2 - تور- إم 2 دي تي - فيربا المحمولة) قصيرة وطويلة المدى، وتسليم القوات الجوية 6 قاذفات مطوّرة حاملة للصواريخ (تو- 160/ تو- 95 إم إس) و6 مقاتلات سو- 34، وسرب من مقاتلات سو- 34 إس إم، وفوج من مروحيات "كا- 52" التمساح. إضافة إلى إحلال مقاتلات "ميج- 29 إس إم تي" بمقاتلات "ميج- 35" الخفيفة، وتوريد أول دفعة من مقاتلات الجيل الخامس "تي- 50" الشبح. ودخول مروحيات "مي- 28 إن إم" الخدمة، و10 قطاعات من منظومة "إس- 400" الصاروخية المتطورة و4 من منظومة "بانتسير" للدفاع الجوي. وفي العام نفسه تدخل 35 سفينة حربية الخدمة، إضافة لغواصة "الأمير فلاديمير" الاستراتيجية المزودة بصواريخ "بولافا" ذات الوقود الصلب، وفرقاطة أولى من مشروع 22350 وسفينة إنزال من مشروع 11711.

ما سبق ليس كل ما تتضمنه خطة التسليح الروسية. في مارس الماضي خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معلنا عن قائمة من الأسلحة الجديدة، واعتبر البعض خروجه عملا دعائيا مع استعداده وقتها للانتخابات الرئاسية للفوز بولاية ثانية، بينما رأى آخرون أنه رسالة للولايات المتحدة الأمريكية في ظل مناخ التوتر والشحن بين البلدين، واستمرار تحقيقات واشنطن ومُدّعي وزارة العدل الأمريكي روبرت مولر في مزاعم تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية التي جرت خلال نوفمبر 2016 وفاز فيها دونالد ترامب.. الرأي الأخير عزّزته مواقف الإدارة الأمريكية وتصريحات عدد من وجوهها البارزة، الذين علّقوا على ما أعلنه "بوتين" محذّرين من إشعال سباق تسلّح قد يزيد حدّة الصراع السياسي والعسكري ويضغط على الاقتصاد ومستويات النمو والاستقرار التي يشهدها العالم.

بطبيعة الحال لا يُمكن الجزم بأن واشنطن تخاف من موسكو، ليس فقط لأنها القوة الأولى عالميا، ولكن لأن جبهات الصراع عديدة ومفتوحة، وبطاقات المناورة والمساومة بين البلدين أكثر وأيسر من أن تقود لنزاع مسلّح. لكن حتى لو أقررنا بتوازن القوى البارد بما يكفي لردع أي من البلدين عن التفكير في تصعيد الأمور، يظل باب القلق مفتوحًا واحتمالات التطور الدراماتيكية للمشهد قابلة للتحقق، خاصة إذا سعى طرف منهما لفرض إرادته في ساحة من ساحات المواجهة الناعمة، سواء في سوريا أو غيرها.


الصين وفنزويلا وتركيا وإيران.. مَن الأكثر قلقًا؟

رغم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، لا يوجد ما يدعو للقلق من تطور الأمر لنزاع عسكري. حزمة الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على سلع صينية بقيمة 34 مليارات دولار، وردّت عليها الأخيرة بشكل دفع ترامب للتهديد بتوسيع مدى الحماية ليشمل سلعًا بقيمة 200 مليار دولار بنسبة رسوم 25%، من غير المتوقع أن تتطور كثيرا أبعد من هذا. الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الصين بما يتجاوز 375 مليار دولار، ما يجعل بكين الطرف الأضعف في حرب الرسوم الحمائية، وحتى مع دعم واشنطن لتايوان التي تسعى للانفصال وتعتبرها الصين إقليما تابعا لها، فلن يذهب البلدان في الغالب إلى الحرب، وعلى الأرجح ستنجح الإدارة الأمريكية في فرض وجهة نظرها والحصول على تنازلات اقتصادية من الصين، خاصة أن الأخيرة لا تملك سوقا داخلية قوية كالسوق الأمريكية، وتظل الطرف الأكثر عُرضة للتأثر جرّاء أي نزاع تجاري واسع وطويل المدى.

في فنزويلا لا يختلف الأمر، رغم الفروق الضخمة واختلال ميزان القوى قياسا على الحالة الصينية. البلد الذي يحتل واجهة أمريكا الجنوبية تعتبره الولايات المتحدة حديقة خلفية لها، ولا يُشكّل تهديدا مزعجا في واقع الأمر، وحتى تصريحات رئيسه نيكولاس مادورو عن استهداف واشنطن لبلده واستعداد الجيش الفنزويلي للرد، لا تخرج عن كونها استهلاكا محليا يستهدف أمرا من اثنين، إما تعزيز موقعه في المنافسات الرئاسية المرتقبة، أو التغطية على الفشل الاقتصادي مع تأثر صادرات النفط (المورد المالي الأهم للدولة) وتسجيل معدلات التضخم قفزات قياسية بتجاوزها 15000%.. وفي النهاية لن تتطور الأمور، وحتى لو تطورت فإن الولايات المتحدة لا تحتاج للاستعداد الاستثنائي أو زيادة إنفاقها العسكري للتعامل مع مواجهة بعيدة الاحتمال من بلد ضعيف كفنزويلا.

حالة تركيا قد تكون أكثر سخونة من الحالتين السابقيتن، في ظل تطلعات سياسية تقود إدارة أردوغان للاشتباك واسع المدى مع الملفين العراقي والسوري، وهما من الملفات المهمة بالنسبة للولايات المتحدة، ورغم تحرش الجيش التركي بقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (المدعومة من واشنطن) يظل الأمر قابلا للسيطرة والضبط. أخطر ما في علاقات البلدين محاولات أنقرة لتعميق قنوات الاتصال مع روسيا، الغريم اللدود للولايات المتحدة، وضغوط الأخيرة على نظام أردوغان للتخلّي عن هذه التطلعات، وتوظيف صفقة مقاتلات "إف 35" في هذه الضغوط برهن تسليمها لتركيا بتراجع الأخيرة عن توقيع عقد شراء منظومة الدفاع الجوي المتطورة "إس- 400". نقطة التوتر الوحيدة المرتقبة ستكون مع بدء سريان العقوبات الأمريكية على إيران، ومواصلة أنقرة شراء النفط والغاز منها، بجانب تسهيل تهريب تدفقاتها النفطية للخارج، كما فعلت في فترات العقاب السابقة. لكن حتى هذا الموقف لن يقود إلى نزاع عنيف، ويمكن للولايات المتحدة التعامل معه بالضغوط الاقتصادية والحصار السياسي وتقليم أظافر تركيا في سوريا والعراق، بشكل يردع أنقرة عن تماديها في التحدي والمعاندة.

هكذا يبدو القلق نصيبا مستحقا لإيران وحدها. فالبلد الذي يشهد نزيفا اقتصاديا دفع عملتها المحلية خطوات عديدة للخلف (الدولار سجل مؤخرا 122 ألف ريال إيراني) بشكل تسبب في اشتعال تظاهرات احتجاجية واسعة، شملت مؤخرا فئة التجار وصغار المستثمرين التي طالما عُرفت بولائها للمرجعيات الدينية ونظام الملالي، لا يبدو أنها تحتمل مزيدا من الحصار الاقتصادي في وقت تخسر فيها كثيرا من مناطق نفوذها، ولا تستطيع التراجع عن دعم النظام السوري والجماعات الشيعية في العراق وحزب الله اللبناني وجماعة عبد الملك الحوثي في اليمن. ما يُعني أن أي ضغط اقتصادي زائد سيُمثّل ضربة موجعة للبلد المغلق على نفسه، بشكل يزيد حدّة الاحتجاجات الشعبية، ويبتر أذرعها الممتدة خارج الحدود الإيراني، بما يحرمها من بطاقات تفاوض مهمة للضغط على واشنطن والبقاء في المشهد السياسي الإقليمي.

يزيد من سوداوية المشهد أن الولايات المتحدة تبدو مُصرّة على إنفاذ عقوباتها، وتمارس ضغوطا على كثير من حلفائها للاستجابة للأمر. في النهاية ستستجيب دول أوروبا والمنطقة العربية، وحتى مساندة روسيا وتركيا والصين لن تكون فعالة في تجاوز الآثار السلبية على الاقتصاد وقطاع الطاقة الإيرانيين. هذه المحنة قد تدفع طهران لتنفيذ بعض تهديداتها على سبيل الزحف الاضطراري لتقوية الموقف، كأن تحرك حزب الله اللبناني لشن ضربات صاروخية على بعض الأهداف الإسرائيلية، أو تُغلق مضيق هرمز أو توجه الحوثيين لاستهداف مضيق باب المندب بما يضغط على تدفقات النفط العالمية. هذا الأمر يُمثّل لعبًا متهورا بالنار، لن تصمت عليه واشنطن بطبيعة الحال، وقد يتبعه توجيه ضربات عسكرية خاطفة أو حتى شنّ عملية واسعة المدى على أهداف إيرانية داخلية أو خارج المدى الجغرافي للدولة.. يمكن القول إن إيران في موقف لا تُحسد عليه، تزداد قسوته ومآلاته الصعبة مع تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية ودعم موازنة البنتاجون بصورة تسمح للجيش الأمريكي بخوض صراع شامل دون كُلفة طارئة أو ضغط على الاقتصاد الأمريكي ومستويات عجز الموازنة المُحدّدة سلفًا.


جولة جديدة من الحرب الباردة

رغم اتّزان المشهد وفق طبيعة الملفات وأهداف اللاعبين البارزين فيها، باستثناء المشهد الإيراني، لا يمكن القول إن زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي بهذه النسبة الكبيرة حدث عادي أو عارض، ولا إنه سيمر بشكل هادئ ودون تدابير من الخصوم والغرماء التقليديين.

روسيا التي بدأت سباق التسلّح بينما كان الإنفاق العسكري الأمريكي لا يقترب من 4% من الناتج المحلي، لن تظل عند معدلات التسلح نفسها وقد قفزت موازنة الجيش الأمريكي إلى 4.2% من الناتج المحلي. الصين لن تظل على تركيزها في السباق الاقتصادي مع إهمال القوة العسكرية، وربما تزيد الإنفاق الذي لا يتجاوز 2% من ناتجها المحلي حاليا.. العالم بكامله قد يجد نفسه متورّطًا فجأة في سباق تسلّح، فأينما سارت الولايات المتحدة تتجه العيون ويسير الجميع لاحقا.

دخول سباق تسلّح جديد قد يُعني موجة جديدة من الحرب الباردة (دارت رحاها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 حتى انهيار الاتحاد في 1991)، ورغم أن هذه الحرب تُعني مزيدا من التجارة ودوران ماكينات المصانع، فإن فوائض القيمة الناتجة عن الأمر ستتركز بالدرجة الأكبر لدى الولايات المتحدة وروسيا (أكبر مصدرين للسلاح) مع حصص ضئيلة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا. هذا الأمر يُعني مزيدا من الصراع الأمريكي الروسي المكتوم، مزيدا من النمو والفوائض في البلدين، ومزيدا من الضغط على الاقتصاد العالمي ونسب النمو في كثير من الدول، حتى مع تحقيق معدل نمو عالمي إيجابي. الصناعات العسكرية ليست قاطرة جيدة للاقتصاد.

حال الاتجاه إلى هذا السيناريو بالفعل، ومن المرجح أن يحدث، فإن الأمر قد يُعني دورة جديدة من الحرب المكتومة، ودوامة واسعة من التباطؤ الاقتصادي والتضخم المصحوب باتجاهات انكماشية في عديد من الأسواق (ركود تضخمي) لتحتكر النمو دول التصنيع العسكري الكبرى، ويسقط ملايين من البشر على امتداد العالم في قبضة الفقر وتراجع مستوى المعيشة. لاحقا ستجد الولايات المتحدة وخصومها أنفسهم أمام أزمة اقتصادية، حتى مع تراكم الفوائض في خزائنهم، إذ إن كل ضغط على اقتصادات الدول النامية والفقيرة يُعني عجزا عن استيعاب فوائض الاقتصادات الكبرى ونواتج نموّها من السلع والخدمات، ووقتها قد يكتشف المتأهبون في حلبة الصراع أن الحفاظ على القوة أو تخويف الخصوم لا يضمنان الاستقرار طويل المدى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق