قصة منتصف الليل.. رسالة إلى قبر أبى "لا تصدق أمى فأنا من صلبك"

الأحد، 14 أكتوبر 2018 10:00 م
قصة منتصف الليل.. رسالة إلى قبر أبى "لا تصدق أمى فأنا من صلبك"
قصة منتصف الليل
إسراء بدر

خرج إلى نور الحياة يحبو فى قلب أبيه قبل أن يلمس الأرض، كان يكتفى بلمسة حنونة من والده وابتسامة رضا وقبلة على الجبين تحمل كل معانى الحب، ورغم كل هذا الحنان إلا أن أمه كانت تحاول اختلاق المشاكل، ربما الغيرة الملعونة أصابت قلبها ولكن الأمر تخطى كافة الحدود الطبيعية للغيرة بين الأبوين والمشاكل تتزايد يوما بعد يوم، إلا أن هناك حائط سد لكافة هذه المشاكل، فكان يجد "عمر" فى أبيه السند والظهر فلم يترك مجال لأحد حتى الأم ليهز هذه العلاقة الربانية بين الأب وإبنه والتى طالما ضرب بها المثل بين الأهل والأصدقاء.

1
 

 

الأمر كان محير لـ "عمر" فإذا كان أبيه يحبه كل هذا القدر فهذا طبيعى ولكن ما سبب غيرة أمه لهذا الحد، ومع مرور السنوات تتزايد الصراعات واختلاق المشاكل التى تصنعها الأم لإيقاع "عمر" مع أبيه، إلى أن جاءت فى يوم ووضعت قطعة من الحشيش فى أحد الأدراج الخاصة بـ "عمر" وحاولت إدخال الشق فى قلب أبيه وعلى الرغم أنه رفض الفكرة وشدد على تأكده بأن "عمر" يستحيل أن يتعاطى مخدرات وأنه واثق فى سلوكه الطيب إلا أنهما دخلا الغرفة واستطاعت بخبث أن تخرج الحشيش لتظهره أمام والده.

 

وعلى الرغم أن الأب شاهد قطعة الحشيش تخرج من درج مكتب "عمر" إلا أنه لم يصدق على إبنه هذا الفعل، وانقلبت الطاولة على الأم، فهى من تريد إفساد العلاقة بين "عمر" وأبيه، كل هذه الأحداث لم يجد "عمر" لها تفسير واضح إلى أن مرض أبيه وأصابه إعياء شديد دخل على إثره المستشفى وظل "عمر" مع والده طوال الوقت يرعاه ويلبى احتياجاته على عكس الأم التى اكتفت بساعات الزيارة المحددة إدارة المستشفى، وهو ما استنكره "عمر" وظل محل تساؤل بداخله.

 

 

وبعد ثلاثة ليالى فى المستشفى طلب الأب أن يتحدث مع "عمر" بمفرده، وأخبره بالفاجعة التى كتمها فى قلبه طوال هذه السنوات، فقال والدموع تملأ عينيه "عمر أنا هارد على كل الأسئلة اللى كنت بتسألها لنفسك طول الفترة اللى فاتت، اللى متعرفوش إنى كنت متجوز قبل أمك والدكاترة قالولى إنى مقدرش أخلف وأمك عارفة كدا، وفجأة لقيتها جاية بتقولى إنها حامل فيك، حصلت مشاكل كتير ما بينا وكنت ساعتها بين نارين، الابن اللى كنت بحلم بيه ومراتى اللى كل كلامها بيقول إنها لسه على علاقة بالشاب اللى كانت بتحبه قبل ما تتجوزنى وأهلها رفضوه عشان مش جاهز للجواز".

 

وقع هذا الكلام كالصاعقة على رأس "عمر" فخاف الأب على إبنه وحاول تهدئته بلمساته الحنونة المعتادة، وطلب منه أن يسمع حديثه للنهاية "اللى خلانى أعيش مع أمك أخوات طول السنين اللى فاتت من يوم ما قالتلى انها حامل كان انت، مهما وصفتلك حبى ليك مش هاتقدر تتخيله، أنا صحيح مش أبوك الحقيقى لكن قلبى اعتبرك أكتر من ابنى، الأب مش اللى يخلف يا عمر، الأب هو اللى يحب ويربى ويرعى ويكبر ولاده، يمكن أبوك لو كان عايش معاك مكنش حبك كل الحب اللى حبيتهولك، انت ابنى اللى مش من صلبى لكن انت ابن قلبى".

 

قطع حديثهم أصوات الأجهزة التى أشارت إلى وجود خطر، فخرج "عمر" ليطلب المساعدة من الأطباء وعاد ليجد أبيه جثة هامدة، وعلى وجه إبتسامته الطيبة التى اعتاد رؤيتها ودموعها مازالت على خديه، لم يستطع "عمر" وصف مشاعره فالرجل الذى تعامل معه طوال حياته كأبيه علم فى لحظاته الأخيره أنه زوج أمه، كان يود أن ينهى صراع الأسئلة بداخله عن هذه العلاقة الأسرية العجيبة، ولكنه أثار بركان من الغضب وسيول من الأسئلة الأخرى.

3
 

 

أين والده الحقيقى؟، ومن هو؟، هل معنى ذلك أن أمه زانية؟، ما هذا الكم من الغش الذى عاشه طوال حياته؟، كل هذه الأسئلة وأكثر كادت أن تحطم جدران قلبه من الألم، فذهب مسرعا إلى أمه وقص عليها ما قاله الأب قبل وفاته بلحظات، كانت لهجته المهاجمة لتصرفاتها وعيونه المليئة بالتساؤلات التى غطت على دموعه جعلتها تقول حقيقة الأمر.

 

وبدأت حديثها بنتيجة تحليل تثبت أن زوجها هو أبوه الحقيقى، وهو الأمر الذى أخفته عن أبيه طوال هذه السنوات عسى أن يطلقها، فقالت بعيون مكسورة "أنا اتجوزت أبوك غصب عنى وكنت بحب واحد تانى وأبوك عارف الموضوع دا، وأهلى رفضوه عشان مش جاهز للجواز وأبوك كان جاهز بكل حاجة وعرفنى ما بينى وبينه فى بداية جوازنا إنه مبيخلفش وفجأة لقيت أعراض الحمل عندى فجريت للدكتور وأكدلى إنى حامل ولما عرفت أبوك شك فيا وسيبته يشك فيا يمكن يطلقنى لإنى مش قادرة أعيش معاه وأنا بحب واحد تانى لكن بردو مطلقنيش وكل اللى عمله هو أنه عاملنى زى أخته"

 

وبصوت متقطع من شدة البكاء استكملت حديثها "أول ما اتولدت عملت تحليل dna لانى كنت خايفة من اليوم دا وخبيت نتيجة التحليل طول السنين اللى فاتت عشان يفضل أبوك بيكرهنى يمكن يطلقنى لكن حبه ليك خلاه يستحمل كل حاجة ويستحمل إنه يعيش دور الأب لإبنه على إنه إبن حرام، وأبوك كل دا كان فاكر إنه مش بيخلف بسبب جوازته الأولى وكلام دكتور من سنين ميعرفش إن كلام الدكاترة كلام نظرى لكن ربنا أقوى من أى كلام وتحاليل".

4
 

 

وعلى الرغم من أن هذا الحديث أهدأ من روعه قليلا بأنه إبن شرعى ولكن موت أبيه الذى عاش لسنوات يتعذب دون أن يدرى به أحد وتحمل كل هذا من أجل حبه له كان أصعب من أى شعور آخر، فترك المنزل غاضبا وبعد عدة أيام من البحث عن "عمر" وجدته أمه جالسا أمام قبر والده لم يستطع الكف عن البكاء وكأنه يود أن يعود الزمن إلى الوراء ويخبر أبيه بالحقيقة، ونظر إلى يمينه فوجد أمه تشاهده من بعيد فلم يهتم بوجودها فعادت من حيث أتت وظل هو أمام قبر أبيه الحنون يبكى ألما وندما على شئ لم يفعله.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق