احمي أسرتك !

الأربعاء، 02 يناير 2019 01:00 م
احمي أسرتك !
د.ماريان جرجس تكتب:

من قواعد الطب العلمّية، قاعدة تقول أنه عندما تنتهي بعض الخلايا من عملها، تنُهى ذاتها بذاتها عن طريق عملية يُطلق عليها "الموت المبرمج"، ولكن هذا المصير يكون مصير الخلايا التي أنهت عملها أو الزائدة عن حاجة الجسم، ولو أصيب  ذلك الخلايا الحيوية المهمة لأصيب الجسم البشرى بأمراض صحية أو اعتلال ما.

ولأن الخلية دائمًا ما تذكرني بالأسرة في المجتمع التي هي خلية من الخلايا المكونة لمجتمعنا، كان لابد إلقاء الضوء على الجريمة الأسرية التي انتشرت مؤخرًا في المجتمع.


أصبح ذلك النوع من الجرائم البشعة التي يقشعر لها الأبدان، ظاهرة تتفشى في جسد الوطن، ظاهرة جديدة على مجتمعنا الحديث، وأحيانًا لا تكون بسبب صراع على أرث أو حادث عارض ولكن دوافعها تظل غامضة ، ربما مرض نفسي أصاب ذلك الفرد فحوله إلى مجرم؟ شطط عقلي أو انحراف عقلي ممنهج أصابه؟
الأسئلة كثيرة ولكن الإجابة ببساطة هي غياب المجتمع السوي الذي كانت يمّيز مصر في الخمسينيات والستينيات مع انتقاص حاد لبعض الفيتامينات المجتمعية التي تقي أي أسرة مصرية من ذلك الموت المبرمج.


المظلة المجتمعة  بأركانها المختلفة، ذلك الدفء الأسري وبساطة الحياة، المودة، ذلك التذوق بالفن وترابط العائلة والتفافهم حول بعضهم البعض في المناسبات والأعياد، مواجهة التحديات الاقتصادية  والحياتية الموجودة في كل عصر بآليات الأسرة وليس الفرد الواحد، نبذ كل أوجه التطرف الديني والمجتمعي والتمسك بأصول وتقاليد مليئة بالقيم والفضائل، كل تلك الأشياء البسيطة  التي سقطت  منا سهوًا في العصر الحديث كانت الحصن المنيع والمصل الفعّال ضد أي خلل مجتمعي قد يصيب خلية المجتمع.

أّمّا اليوم فحدث ولا حرج عن تلك الخلية التي تقّسمت وأصبح كل فرد بها بهُوية مختلفة شأنها شأن ذاتها، أصابها التفكك الأسرى وكل فرد أصبح دولة بمفرده بداخلها فيمكن أن تجد داخل الأسرة الواحدة كل الأطياف والفصائل ؛ المتطرف، المنفتح، السطحي، العالم ! ولا أحد يعلم عن الأخر - الذي أصبح مجرد جارًا مجهولا له - أي شأ، اختفت لغة الحوار تمامًا بسبب سوء استخدام التكنولوجيا وبدلا من استغلالها لخدمة الأسرة، أصبحت تفكك الأسرة باختلاف أهوائهم التكنولوجية


أصبحت الأسرة تواجه التحدي الاقتصادي بشكل مرعب، ولا يرجع ذلك لتفاقم ذلك التحدي بل هو قاسم مشترك بين كل الدول والأزمان، ولكن لان سلوك الأسرة اختلف، فمنذ عقود بسيطة كانت الأسرة تواجه ذلك التحدي بغّية الوصول للاحتياجات الأساسية وكفى ! ولكن اليوم تواجه الأسرة ذلك التحدي بغية الوصول لكل الأشياء ولأعلى المستويات ولأكبر كم من السلع الأساسية والغير أساسية حتى حد الإهدار وسوء الاستهلاك لأننا أصبحنا كلنا في مقارنة مع بعضنا البعض،  فمغريات الحياة أصبحت تأسر الجميع.


بالإضافة إلى تراجع نسب الفضيلة والقيم والعادات والتقاليد والأصول وإهمال الفن الراقي والقراءة والأدب والنظر إلى الآداب العامة من أبسط صورها لأكبرها وكأنها حماقة ليس علينا العبء بها، بل الاهتمام بتلك الحياة الرقمية والاستهلاك التكنولوجي المُفرط


إن الأسرة المصرية عليها اليوم أن تصلح ما أصابنا طيلة العقود الماضية أمّا ننتظر جميعًا لعنة الموت المبرمج
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق