وهم الخلافة.. كيف تحولت فريضة الجهاد إلى نسخة جديدة للـ«غزو المغولي»؟

الجمعة، 08 مارس 2019 12:00 ص
وهم الخلافة.. كيف تحولت فريضة الجهاد إلى نسخة جديدة للـ«غزو المغولي»؟
الجماعات الإسلامية - أرشيفية
علاء رضوان

إن النظر في تاريخ الفقه الإسلامي يُظهر بوضوح مدى إستجابة هذا الفقه للمتغيرات الزمانية و المكانية التي طرأت عليه، ففقه المدينة ليس كفقه البادية، وفقه اليوم قد يختلف كثيراً عن فقه الأمس، وإذا كانت هناك بعض الأمور الفقهية التي زالت وتبدلت بمرور الزمن مثل تزويج الصغيرة وإخراج الزكاة نقداً بدلاً من إخراجها عيناً.

فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصد المسكوت عنه بالنسبة «لفريضة الجهاد» والتي صارت بمرور الزمن «تابو» محظور الحديث عنه حتى تمخضت لنا الثقافات المعروفة بالإسلامية بالجماعات والحركات الإسلامية التى تبنت تلك الأفكار من منظور خاطئ حتى ولدت لنا الإرهاب – بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد الشهير. 

تنظيم-القاعدة-في-اليمن

يكفيك أن تجرب البحث عن كلمة جهاد في عالم الإنترنت حتى تفاجئ بما لا يقبله عقل أو منطق، فكلمة الجهاد أصبحت عنواناً لكل ما هو مشوه في الفقه الإسلامى وأصبحت دليلاً على تأخر العقلية الإسلامية وعدم ملاحقتها لركب التطور العالمي.

وحتى نفهم حقيقة الجهاد ومدى الحاجة إليه الآن، فلا بد من العودة للتاريخ القديم حين كانت الممالك الكبرى تُبنى بالحروب وتتوسع على حساب الممالك المجاورة الأضعف منها، ولذلك لم يكن غريباً في عصور الخلافة أن يتم إستخدام القوة العسكرية لتمديد رقعة الدولة لأن واقع الحياة كان يتقبل ذلك، وحتى مع زعم أن التوسع كان بغرض نشر الإسلام فإن الأمر كان جائز الحدوث في ميزان التاريخ، أما الآن وبعد تبلور مفاهيم سيادة الدول وخضوع العلاقات الدولية لقوانين وأعراف ملزمة فلا يمكن تبرير بقاء فكرة الجهاد الحاضرة في ذهن الكثيرين من المنتسبين للدين الإسلامي – وفقا لـ«الشهير». 

31137-lkhlyflbgddy

إن الجهاد المعاصر له أسباب عديدة ولكن جميعها لا ترتبط بالوازع الديني، بل تستخدمه عنواناً لها تجذب به ضحاياها، و يمكن إيجاز هذه الأسباب في عدة نقاط:

1ـ الرغبة في السلطة وبناء دولة حربية توسعية تقوم على أنقاض غيرها من الدول بالمخالفة للأعراف الدولية.

2ـ الهروب من واقع اليوم بمحاولة إستدعاء أحداث تاريخية «حروب الخلافة» والعمل على إستنساخها بصورة معاصرة لتعويض الشعور بالتأخر الحضاري.

3ـ إستخدام الجهاد كحيلة نفسية لمواجهة الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعاني منها البعض و الهروب من واقعها إلى خيال النعيم الأخروي.

4ـ تلبية الرغبات الجنسية لدى الشباب المحارب وإبدال متطلبات الزواج التقليدية بمفاهيم الرق وملك اليمين من تعيسات الحظ اللاتي يتم أسرهن.

ولعل كل نقطة من النقاط السابقة تحتاج مقالاً منفرداً لبيان خطورتها وتأثيرها السلبي في صورة الإسلام لدى الغير، فجهاد اليوم أصبح دليلاً في يد البعض يدللون به على ما يُسمى بالثقافة العدائية الإسلامية ويؤكدون به إرتباط الإسلام بالأطماع التوسعية، والصورة الحالية لتنظيم داعش هى خير دليل على ذلك – الكلام لـ«الشهير». 

2015_2_16_20_8_29_141

لقد حول الجهاد المعاصر صورة الحروب الإسلامية إلى صورة قبيحة أشبه بالغزو المغولي للعالم المتحضر وهو الأمر الذي يثير حفيظة الديموقراطيات الغربية التي ينتابها التوجس من قيام أي نظام حكم عنصري أو فاشي وهو الأمر الذي يتوافر بشدة في التنظيمات الجهادية المعاصرة التي أجازت إسترقاق غير المسلمين وإستباحت دم مخالفيها بهمجية لم يعهدها العالم منذ القرون الوسطى.

إن إبطال أحكام الجهاد صار فرضاً على علماء المسلمين، ولا بد من قيامهم بدور توعية الشعوب الإسلامية بعدم وجود مجال لإعمال هذه الأحكام في ظل الإتفاق الدولي على معايير الحضارة الإنسانية الحالية و قيم حقوق الإنسان، ولا مجال لقول البعض أن الجهاد المعاصر هو ردة فعل على إساءة إستخدام الدول القوية لنصوص المعاهدات الدولية، فهو قول حق يراد به باطل، لأن الجهاد الحقيقي ضد الظلم يكون بإقامة العدالة داخل النفوس أولاً ثم إقامتها في علاقات المجتمع ثانياً، وقبل محاسبة الدول الكبرى على تدخلها العسكري في بعض الدول الإسلامية فلا بد من النظر أولاً في الأسباب التي دعت لهذا التدخل – هكذا يقول «الشهير». 

download-11

لقد حان وقت الصحو من سكرة الحروب التاريخة و وهم دولة الخلافة، و صار الأهم من ذلك هو نفي الصورة الذهنية العدائية الكامنة في عقول ثلاثة أرباع سكان الأرض، فتحديث الخطاب الديني لن يتم قبل وضع خطة واقعية قابلة للتحقيق تقوم على أسس حقيقية و مواجهة فاعلة للمسكوت عنه.

إن الجهاد المعاصر هو أسوأ ما حدث في التاريخ العربي والإسلامي وصار تجفيف منابعه فرض عين على مسلم سواء كان هذا التجفيف بالقوة المادية أو بالقوة الناعمة بمعطياتها الثقافية والإعلامية والمجتمعية، فكلمة الإسلام إصبحت في عقول الملايين عنواناً للدمار وعكساً لقيم الحضارة والمدنية.

ليس ذلك فقط بل أصبح إسمك العربي أو ملامحك الشرقية مبرراً كافياً للخضوع لنظرات الإرتياب والخوف من الغير، ولا نلوم من يفعل ذلك لأننا نحن من شوهنا الإسلام وقدمنا صورة ظلامية تحمل في جنباتها الأفكار الوهابية المتطرفة بكل ما فيها من فاشية وإقصاء للغير، ونحن من تركنا فقه المعاملات اليومية وفقه الأخلاق، ولهثنا وراء خرافة الدولة العظمى دون وجود أدنى معايير بناء هذه الدولة – طبقا لـ«الشهير».

إن الشعوب العربية جميعاً عليها مسئولية القضاء على ما يسمى بالجهاد المعاصر حتى يمكن قبولها ضمن منظومة الحضارة الأخلاقية التي تسعى الدول المتحضرة لبنائها بعيداً عن التعصب و التحزب و عقلية القبيلة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق