«ولقد همت به وهم بها».. قصة كتاب عن النبي «يوسف» أثار الجدل بين أروقة الأزهر

الثلاثاء، 02 أبريل 2019 10:00 ص
«ولقد همت به وهم بها».. قصة كتاب عن النبي «يوسف» أثار الجدل بين أروقة الأزهر
كتب محمد أسعد

«براءة نبي الله يوسف من الهم بالسوء والفحشاء» عنوان لكتاب تلقاه مجمع البحوث الإسلامية، قبل أكثر من 10 سنوات، يتناول قصة نبي الله يوسف وحكايته مع امرأة العزيز، وعلى مدار تلك الفترة تسبب في إثارة الجدل، خاصة مع رفض الأزهر نشره وطباعته لما احتواه من أخطاء عملية ومنهجية.

مؤلف الكتاب ويدعى محمد الصادق شعلان،  يقول إنه تناول فيه تفسير الآية الكريمة  «ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين» من سورة يوسف الآية 74، وأنه في مؤلفه في الفصل الأول من الباب السابع عقد مقارنة بين أفعال امرأة العزيز وأفعال سيدنا يوسف وبين هم امرأة العزيز وهم سيدنا يوسف، وأنه بين في كتابه ما أثبته الله لسيدنا يوسف وهو أن همه بامرأة العزيز كان بصرفها عن نفسه، وهذا للتقوى التي التزمها سيدنا  يوسف ولأنه عندما راودته عن نفسه استعصم ولم يتجاوب معها، وأنه بين مخالفة المعاني التي جاءت في بعض التفاسير عن قوله تعالي "وهم بها " ومخالفتها لعصمة الأنبياء ولما أثبته القرآن بأفعال سيدنا يوسف.

WhatsApp Image 2019-04-01 at 14.33.21 (1)

أضاف أن مقصده من الكتاب هو دعوة عامة الناس والمؤمنين خاصة إلى فهم هم سيدنا يوسف بما يتناسب مع عصمة الأنبياء عن الهم بالسوء والفحشاء، وأن من مقاصده أيضاً نشر فضيلة العفة والحياء كخلق من أخلاق الإسلام «عفة الفكر والنفس والجوارح» ومصدرها أم الفضائل وهي التقوى، وأنه كان يتعين على الأزهر الشريف نشر كتابه لعدم مخالفته للنظام العام والآداب.

 

الكتاب الذي جاء في 160 صفحة، تقدم به المؤلف إلى الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لفحصه ومراجعته، وتمت مراجعته عن طريق الأستاذ الدكتور عبد الفتاح عاشور أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر من الناحية الشرعية والعلمية، وخلص في تقريره إلى عدم الموافقة على نشر وطباعة الكتاب، لما احتواه من أخطاء علمية ومنهجية.

WhatsApp Image 2019-04-01 at 14.33.21

وجاء في أسباب رفض الكتاب عدم إلمام المؤلف بقواعد اللغة العربية مما أوقعه في كثير من الأخطاء، وأدى إلى عدم ترابط الأفكار، وأن الكاتب خاض غمار بحر وهو غير مؤهل للسباحة، وقد قال في كتابه  أنه لا يرقى إلى درجة علماء التفسير ولا إلى درجة علماء اللغة،  فجاء عمله على هذا النحو من الضعف والضحالة، وذكر الفاحص بعض الأخطاء اللغوية التي وقع فيها الكاتب، مضيفاً أنه لا خبرة له في تأليف الكتب وعمل البحوث حيث نقل الفهرس بالكامل في المقدمة وجعله خطة البحث ثم قسم البحث بعد الإهداء والتمهيد والمقدمة إلى ستة أقسام وفي كل قسم عدد من الأبواب جعلها مسلسلة فوصلت إلى ستة عشر باباً، وفي كل باب عدة فصول وبعض هذه الفصول لا يتجاوز صفحتين.

 

وتضمنت أسباب الرفض أيضًا أن الباحث ظن بأنه أتى بما لم يسبقه إليه أحد فتراه معتزاً بنفسه يعبر عنها بأسلوب المعظم لنفسه ويتهم جمهور المفسرين بعدم القدرة على بيان المعنى الصحيح لهم يوسف بامرأة العزيز لأنهم فسروا الآيات آية آية وكلمة كلمة، وأن الكاتب فهم عصمة الأنبياء خطئاً وساوى بين عصمة المؤمنين وعصمة الأنبياء، وادعى الكاتب أنه لابد من عدم الالتزام بقواعد وأساليب اللغة العربية إذا تعارضت مع  الأسلوب القرآني، ولم يذكر أي دليل على هذا التعارض وكيف يمكن أن تتعارض  آيات القرآن مع قواعد وأساليب اللغة العربية والقرآن نزل بلسان عربي مبين، كما أنه ذكر في أكثر من موضع أن البرهان الذي رآه يوسف هو ما ألقاه الله في قلبه من التوجه إلى باب من أبواب المكان الذي كان فيه مع امرأة العزيز حتى فتحه، وهذا الفهم لم يرد على بال أحد، وأنه يكرر العبارات كثيراً، ونفى الكاتب نفياً قاطعاً أن يكون قوله " ذلك  ليعلم أنى لم أخنه بالغيب....  والآية التي تليها من كلام امرأة العزيز، مدعياً أن هذا من كلام يوسف، وما نفاه هو ما عليه جمهور المفسرين... إلى غير ذلك من التكرار الممل للكلمات والأفكار في كثير من الصفحات، وما قاله مما ظنه جديداً في فهم هم سيدنا يوسف ليس بجديد إنما ذكره كثير من المفسرين لا بالطريقة التي ذكرها وإنما بطريقة علمية منهجية تبريء ساحة هذا النبي الكريم بن الكرام مما تقوله المغرضون.

WhatsApp Image 2019-04-01 at 14.38.09

 

هنا، أضطر الكاتب ومؤلف الكتاب إلى عرض الموضوع على القضاء، وأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا قضائيًا نهائيًا، بتأييد قرار الأزهر الشريف برفض نشر الكتاب.

 

تأييد القضاء للأزهر الشريف جاء على أساس أن الدستور اعتبر الأزهر الشريف بهيئاته المختلفة هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، وهو المسئول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وأن حرية الرأي والتعبير مكفولة بمقتضى الدستور الذي خول كل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وأن المشرع أوسد إلى الأزهر الشريف -باعتباره الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى- حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، والعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن  والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس  في الدنيا وفي الآخرة، وأنيط بالأزهر العمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية.

 

أضاف، أن مجمع البحوث الإسلامية يعد أحد هيئات الأزهر وهو يمثل الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، ويقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، ويعمل المجمع على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واختص المشرع مجمع البحوث الإسلامية بالقيام بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والتأليف، وأنيط بإدارات المجمع تنفيذ مقرراته ونشر بحوثه ودراساته وإعداد ما يلزم لهذه البحوث والدراسات من بيانات .

WhatsApp Image 2019-04-01 at 14.38.10 (2)

ذكرت كذلك أن الاجتهاد في فهم الآيات القرآنية أو تفسيرها إنما يلزمه ابتداءً فهم قواعد وأصول اللغة العربية، إذ بدون ذلك لن يستطيع المجتهد الوصول إلى رأي أو تفسير مقبول من الناحية الشرعية أو الدينية، وكان الثابت في هذا الشأن أن مؤلف الكتاب غير متخصص في اللغة العربية وغير ملم بقواعدها، مما أوقعه في أخطاء لغوية أثرت على فهمه لمعان قرآنية، وقد ثبت للمحكمة ضعف المصنف الديني واحتوائه على أفكار غير مترابطة أو واضحة واستخدام  مؤلفه أساليب وعبارات غير متبعة في مثل هذا النوع من المصنفات الدينية والتي يلزم  فيها التخصص والفهم اللغوي والديني على حد سواء.

 

وقالت المحكمة  كما أن المؤلف ظن في كتابه أنه فهم معنى المراد بهم يوسف عليه السلام دون باقي المفسرين المتخصصين في علوم القرآن والتفسير، وأنه أتى بتفسير جديد  للآية الكريمة بما لم يأت به أحد من قبله من جمهور المفسرين، وخلط في فهم عصمة الأنبياء بالله وعصمة المؤمنين، وأن ما قاله من أنه لابد من عدم الالتزام بقواعد وأساليب اللغة العربية إذا تعارضت مع  الأسلوب القرآني، إنما يشكل خطأ فادح ، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين وبلغة أهل العرب، وأن قواعد القرآن هي التي تحكم قواعد اللغة لأن الأخيرة إنما وضعت بعد نزول القرآن، وهو ما يعني أن قواعد اللغة العربية مطابقة للقواعد القرآنية ولا تخالفها، وأن المفسرين في كثير من الأحوال يلجئون لفهم قواعد اللغة من خلال الآيات والنصوص القرآنية، ولذلك فلا يجوز القول بالتعارض بين أساليب وقواعد اللغة العربية والأسلوب القرآني.

 
WhatsApp Image 2019-04-01 at 14.38.10

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق