خارج السرب

الأحد، 16 أغسطس 2020 04:06 م
خارج السرب
شيرين سيف الدين

 
اسمحوا لي أن أغرد خارج السرب وأن أعرض وجهة نظري في قضية كانت مثار حديث السوشيال ميديا الأيام الماضية، لن أختلف كثيرا لكن أيضا لن أؤيد، قد يعارضني البعض دون تكملة المقال ومحاولة فهم وجهة نظري الموضوعية، وقد أتعرض للهجوم وأنا على استعداد، حيث إنني من معارضي العشوائية ومن المنادين بدولة القانون على الجميع كبيرا وصغيرا، كما أنني أيضا من مناصري حقوق (الغلابة).
 
دعونا مبدئيا نتخيل أن يصحوا أيا منا وعندما يفتح باب شقته يجد أحد الباعة الجائلين واقفا مقابلا لبابه أو على سلمه، ويقف الغرباء على السلم يشترون ويتحدثون ويراقبون الداخل والخارج، وربما أصبح المكان هو ملتقاهم اليومي، هل سنتقبل الوضع ؟ أتمنى أن تكون الإجابة بضمير وصدق مع النفس.
 
ما دعاني للحديث هو فيديو انتشر لبائع جائل يقف على أحد الأرصفة وعلى سور مسكن مواطنين بمنطقة التجمع الخامس، وتظهر في الفيديو سيدة حاملة لجاروف تصر على تحطيم العربة وهو أسلوب غير مقبول بالطبع، إن كان هناك تقبلا من البائع لترك المكان دون أذاً مع عدم إصراره على مخالفة القانون، لكن لا أعلم ما هو الحل إذا لم يقبل البائع الانصياع للقانون الذي لا يسمح باشغالات الأرصفة، وهي المشكلة التي يشكوا منها أغلب مواطني مصر حيث لا يوجد رصيف للسير عليه، وأيضا ليس منطقيا أن يشغل البائع الجائل حارة من الشارع المخصص للسيارات مع إحداث عرقلة للمرور، أضف إلى ذلك أن ساكن العقار الذي يتواجد تحته وحوله البائع الجائل لا يشعر بالخصوصية ولا الهدوء، فالبائع طبعا يقف عنده المشترين ويحدثون ضوضاء، وعادة ما تبدأ المسألة ببائع واحد ثم يلحق به آخر إلى أن يتحول الحي السكني الهادئ والراقي إلى سوق شعبي، ولا أعتقد أنه من التحضر في شيء ولا من الأمان أيضا احتلال باعة جائلين لأرصفة وشوارع المناطق (السكنية) وأسفل العقارات، وهو الأمر الذي لم أراه في أي دولة متحضرة في العالم ولا يدافع عنه شعب إلا في مصر!
 
حقيقة لا أعلم من الذي قرن صعوبة الحال وضرورة مساعدة الآخرين باختراق القانون والحياة بشكل عشوائي وغوغائي؟.. ولا أعلم أيضا من الذي قرن الأغنياء والقادرين بفكرة الافتراء والسرقة؟.. دعونا نتحاور ونفكر بهدوء وعقلانية ..
 
إن الدولة مؤخرا تضع غير القادرين على رأس أولوياتها من حيث المعونات المادية كتكافل وكرامة وبطاقات التموين وتقديم الدعم وإيجاد مساكن آدمية للجميع، وإتاحة فرص عمل كثيرة في المشروعات القومية، وبناء أسواق جديدة وغيرها من سبل الدعم الذي يشارك في تقديمة أبناء المجتمع لذا لم يعد مقبولا اختراق القانون لأسباب وحجج واهية.
 
كما أنه وفي حقيقة الأمر فإن أغلب القادرين حصلوا على أموالهم بالعمل والشقاء، فمنهم من تغرب ليحصل على هذا المسكن، ومنهم من يعمل طوال يومه كي يدفع أقساطه، ومنهم من أنفق عليه أهله مبالغا طائلة ليتلقى تعليما جيدا يحصل به على عمل بدخل مرتفع، وهؤلاء هم أيضاً دافعي الضرائب الذين يساعدون الدولة في البناء وفي علاج وتعليم وإيجاد مساكن لغير القادرين، وأغلبهم أيضا يقدمون المساعدة لغير القادرين إما بشكل مباشر وفردي أو بالمشاركة في الصناديق والمبادرات الخيرية، أما رجال الأعمال - بعيدا عن البعض المثار حولهم لغط - فهم بشركاتهم ومصانعهم يساعدون الآلاف في إيجاد فرص عمل شريف وفتح البيوت، وكل هؤلاء لا يكلفون الدولة مليما في تعليم أو علاج أو تموين وغيره، ولا يزاحمون غير القادرين في الحصول على تلك الخدمات، بل على العكس هم من أهم مساعدي الدولة وباقي المواطنين .
 
وها نحن نرى الدولة تبني منازلا آدمية لسكان العشوائيات بشوارع مرصوفة ونظام حاكم لأسلوب معيشة محترم، حتى أن سكان الأحياء القديمة والراقية منها أصبحوا يتمنون رقابة مماثلة وشوارع ممهدة كتلك التي يتمتع بها سكان الأسمرات وبشائر الخير مثلا.
 
لذا أتمنى أن يعلم الشعب بكل فئاته أننا نكمل بعضنا البعض ولا أحد يعلو على آخر، والجميع شركاء في وطن واحد ويجب أن يراعوا مصالح بعضهم، وأن يتعايشوا دون نظرة تعالي ولا نظرة حقد ولكن بسلام وبرغبة في وطن متكاتف ومحترم.
 
علينا أن نعلم أيضا أن الرغبة في العيش في مجتمع منظم ونظيف وآمن لا تعني أن هناك جور على حق المحتاج، فالعشوائية التي طالت جميع الأحياء لابد لها من وقفة، حيث بدأ المتسولون في استغلال عطف الناس والتنكر في هيئة باعة جائلين لاحتلال الأرصفة، ومنهم من يدرس المنطقة ومراقبة حال سكانها وينتهي الأمر بترتيب جريمة إما خطف طفل أو سرقة منزل أو سيارة أو غيره وهو ما نسمع عنه مؤخرا بشكل كبير.
 
 المحزن والمخيف من وجهة نظري أن مسؤولي الأحياء باتوا يخشون اتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على تلك الظاهرة وإعادة الأرصفة للمشاة والهدوء والأمان للسكان، خوفا من التشهير بهم واتهامهم بالتعنت والتجبر على المساكين، لكن هل فكر أحد أو وضع ضمن حساباته الساكن المسكين الذي يحلم بأن يعيش في منطقة سكنية وليس سوقا؟
 
في النهاية أتمنى أن تحدد الدولة في كل منطقة أسواقا وأماكن مخصصة للباعة الجائلين كي تساعدهم على العمل الحلال يلتزمون به ولا يحق لهم التواجد خارجه والتعدي على حرمات الأرصفة والشوارع والبيوت.
 
وتعليقا على الفيديو المتداول .. فمن وجهة نظري أن التصرفين خاطئين وكان يجب محاسبة الطرفين وإجراء تحقيق لفهم ملابسات الأمر، بداية بالمسؤولة إن لم تكن اتبعت الاجراءات القانونية ومحاولة إخلاء المكان بالحسنى أولا، وأيضا البائع شاغل الرصيف لأنه خالف القانون ، كما يجب وضع آلية قانونية تتيح للمسئول القدرة على وقف ظاهرة الباعة الجائلين في المناطق السكنية وإيجاد مناطق بديلة لهم، فلا ينقطع رزقهم ، ودون التعدي أيضا على حق المواطن الساكن في العيش بلا إزعاج ولا عشوائية، فليس لدى الجميع القدرة على الحياة في( فقاعة) كومباوند كي ينعم بحياة آدمية، ومن هنا نحتاج لقانون منظم وفعال حيث لا ضرر ولا ضرار .
 

 

تعليقات (1)
فعلاٌ و حقاٌ
بواسطة: حسين
بتاريخ: الثلاثاء، 18 أغسطس 2020 01:32 م

كالعادة أصبت القلب. إنها من تجليات ما كان من شبه الدولة و ما تم هدمه يستغرق أضعاف الجهد و الوقت لإعادة بنائه بفرض التكاتف الكامل بيننا كلنا. أولاٌ: لا أجد حرجاٌ من إبداء تقديرى و شكرى لموظفة الدولة لتأدية واجبات وظيفتها و لو بحماسة أكثر من المطلوب. ثانياٌ: لاينكر عاقل أن المواطن ( سواء كان مالكاٌ أو ماشياٌ أو بائعاٌ أو من محترفى التسول أو حتى مجرماٌ بحكم القاضى) له كرامته التى لايجوز المساس بها من أى مخلوق. و لنا أسوة حسنة فى سلوك المحترم كامل الوزير فى بداية توليه أمر السكة الحديدية وإن كان الأمر حينها حياة و موت. الفارق هو كيفية التعامل و إدارة الموقف بلا ضرر و لا ضرار كما أسلفتم مما أجهض محاولات محترفى (اللت و العجن) سواء بحسن أو سوء نية. لابد من لفت الإنتباه إلي مافعلته ومازالت تفعله الدول التى سبقتنا فى هذا المضمار فترى التوجيه المباشر و غير المباشر لشعوبها عبر الحرص على إطراء السلوكيات البناءة وبيان كيف يفوز أصحابها وأيضاٌ العكس من خلال الأفلام و الإعلانات وكل ما يتم بثه للناس حتى كلمات المسئولين الكبار التى يصطف الناس لسماعها حتى يتعظ من له عقل. أمثلة قناة دولة عمان أو قناة الإذاعة البريطانية. و المثل الأقرب لنا "إعلانات" الست سنية و مكافحة الجفاف لكريمة مختار و كلمتىن و بس لفؤاد المهندس و إلخ. إنها علوم متشابكة لايقدر عليها إلا الراسخون. عذراٌ للإطالة و لكنك فتحت جرحاٌ عميقاٌ.

اضف تعليق