حكاية التجربة الكورية في دعم وتنمية المشروعات الصغيرة.. إعفاءات وتخفيضات جمركية وسياسة محددة للاقتراض

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020 09:00 م
حكاية التجربة الكورية في دعم وتنمية المشروعات الصغيرة.. إعفاءات وتخفيضات جمركية وسياسة محددة للاقتراض

تعتبر الصناعات الصغيرة داعمة أساسية للاقتصاد، حيث إنها تخلق وظائف كثيرة وبتكلفة بسيطة، وبالتالي هي أحد الجوانب الرئيسية لمعالجة مشكلة البطالة، هذا ما اعتمد عليه اقتصاد كوريا الجنوبية قبل نهضتها الاقتصادية حيث كان يعاني من التخلف والركود وكان يتسم بخصائص من أهمها اعتماد الاقتصاد الكوري علي سلعة تصديرية واحدة وهي الأرز.

بالإضافة لندرة الثروات المعدنية بها، وضيق الساحة القابلة للزراعة ومعاناتها من الهجرة المستمرة من الريف إلى الحضر، وعمالة غير مؤهلة وغير مدربة، وبطالة عمالية عالية وانعام الاستقرار الوظيفي، ونصيب الفرد من الدخل القومي لم تجاوز الـ 87 دولار عام 1962، كان الشعب الكوري مصاباً بالإحباط وعدم الثقة بالنفس والشعور بالدونية والفقر والإتكالية والمحسوبية والارتشاء من أجل التوظيف، ولا توجد قاعدة صناعية ولا تتوفر مهارات في الصناعة والاعتماد في المعيشة على المساعدات الأجنبية.

وتعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمثابة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الكوري، وتشكل نسبة 99.8% من المجموع الكلي للمشاريع العاملة في كافة القطاعات الاقتصادية وتوظف نحو 87% من مجموع القوى العاملة في كوريا، وتمثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أيضاً نحو 99.4% من مجمل المشاريع العاملة في الصناعة التحويلية وتساهم بنحو 52.8% من إجمالي القيمة المضافة المتولدة في هذا القطاع.

ومنذ بداية السبعينيات تحولت الحكومة الكورية من تركيز سياستها على الصناعات الخفيفة كثيفة العمل إلى الصناعات الثقيلة والكيماوية، بسبب تأكل حصة كوريا من التصدير نظراً للمنافسة من قبل الدول النامية في أسواق المنتجات كثيفة العمل.

وبما أن تشجيع إقامة الصناعات الثقيلة والكيماوية يتطلب وجود صناعات مساندة متطورة جيداً أصبح تخلف الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمثابة نقطة اختناق في مجريات عملية التنمية الصناعية، لذا كثفت الحكومة جهودها منذ أواسط السبعينيات لتشجيع هذه المشاريع التي نمت وتطورت خلال هذه الفترة، بسبب اتساع صفقات التعاقد من الباطن مع الشركات الكبيرة التي عملت كمورد لهذه الشركات لاحتياجاتها من المكونات القطع اللازمة للصناعة.

تخفيضات جمركية
لقد أصبح تطوير الصناعات الثقيلة والكيماوية غير ممكن تطبيقه بدون تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تقوم بإنتاج القطع والمكونات والأجزاء الضرورية اللازمة للصناعات الثقيلة وكانت الأجزاء والمكونات الرئيسية ذات الصلة بإنتاج المنتجات النهائية تنتج تحت الرقابة المباشرة من قبل  شركات التجميع الكبرى.

وقد وفرت الحكومة الكورية العديد من الحوافز لهذه الصناعات منها الإعفاءات الضريبية وسياسة القروض بمعدلات فوائد مميزة وتخفيضات ضريبية للسنوات الأولى من عمر المشروع إعفاءات  وتخفيضات جمركية على الواردات التي لا تنافس الصناعة المحلية مثل المعدات الرأسمالية والقطع والأجزاء والمواد الخام، ودفع بدل اهتلال الأصول الإنتاجية.

ومن أجل تطوير الصناعات المساندة للصناعات الكبيرة، بدأت الحكومة بالتركز على تشجيع إقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير برامج وحوافز متعددة للمساعدة.

وبفضل سياسات الدعم المتنوعة ازداد أعداد المشاريع الجديدة بشكل مستمر خلال عقد التسعينات وتغيرت الريادة وبيئة الأعمال بشكل مثير منذ بداية عقد الستينيات فقد بثت الحكومة الروح الريادية لدى المواطنين وحثتهم على خلق أعمال جديدة، وهيأت البيئات المناسبة والأجواء الملائمة للمشاريع الريادية الجديدة وقد تغيرت أيضاً سلوكيات النخبة المتعلمة من الشباب، فقد كان يفضل هؤلاء الشباب سابقاً العمل في الشركات الكبرى أو القطاعات الحكومية كوظائف دائمة لهم، لكن تغير الوضع اليوم، فقد ازداد بشكل ملحوظ أعداد الشباب الراغبين في العمل بمشاريع خاصة بهم أو في المشاريع الصغيرة أو المتوسطة الواعدة ويعزي السبب في الإقبال على أعمال الريادة هو البطالة العمالية وعدم الاستقرار الوظيفي.

تنمية اقتصادية خمسية

ووضعت الحكومة الكورية في ذلك الوقت مجموعة من الخطط الاقتصادية بدأتها بخطة التنمية الاقتصادية الخمسية الأولى عام 1962 وكان اهم ما يميز خطط التنمية الكورية، في مطلع الستينيات هو ارتباطها بتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

حيث قامت بإنشاء بنك متخصص للصناعات الصغيرة والمتوسطة في اول أغسطس عام 1961، بهدف إلى دعم الأنشطة الاقتصادية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، عن طريق تقديم قروض وتسهيلات ائتمانية بالعملات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية في الأعمال الإدارية والفنية.

وأنشئت هيئة تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في عام 1978، وهي منظمة شبه حكومية تقوم بتشجيع ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير برامج متنوعة مثل المساعدة المالية وخدمات في الإدارة والتسويق والمعلومات، وخدمات التدريب، كما تقوم الهيئة بمساعدة الحكومة في وضع السياسات الاقتصاد المرتبطة بتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي تقوم مهمتها على تحديث وسائل الإنتاج وتقوية الأنشطة التعاونية بين المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء مدن صناعية وتوجيه الصناعات الصغيرة والمتوسطة نحو التصدير.

وقامت الحكومة الكورية عام 1975 بسن قانون تشجيع التعاقد من الباطن مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكان أهم الإجراءات التي اتخذت هو تخصيص منتجات بعض قطاعات الصناعة التحويلية واعتبارها منتجات للتعاقد من الباطن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مع الشركات الكبيرة، فكانت الشركات الكبيرة مطالبة أن تحصل على احتياجاتها من هذه الصناعات وتوريدها من المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعدم انتاجها في الشركات الكبيرة وتزود المشاريع الكورية الصغيرة والمتوسطة الشركات الكبيرة بنحو 60% من احتياجاتها من الأجزاء والمكونات اللازمة لصناعاتها.

قانون تشجيع الشراء
بالإضافة لـ سن قانون تشجيع شراء منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة عام 1981، من أجل تأمين التشغيل الدائم لهذه المشاريع من خلال الشراء الحكومي لمنتجات المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وفقاً لهذا القانون، فإن الحكومة والمنظمات العامة كانت مطالبة بعمل خطة سنوية لزيادة المشتريات من منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وبرنامج الدعم المخصص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة عام 1983، والذي يتم بموجبه اختيار 1000 من المشاريع الواعدة كل عام، والتي لديها إمكانيات عالية للنمو والتطوير، وتقدم لها مختلف الحوافز والتسهيلات وتحاط بمزيد من الرعاية والعناية، ويساهم هذا البرنامج في النمو السريع لهذه المشاريع بسبب المنافسة فيما بينها، حيث تحرص كل منشأة أن تكون من بين الألف منشأة التي تختار كل عام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق