(ملف خاص) دراما الوعي.. "القاهرة كابول" رحلة الكشف عن فساد المتطرفين وزهد المتصوفين وصراع العقول والضمائر

السبت، 15 مايو 2021 07:00 م
(ملف خاص) دراما الوعي.. "القاهرة كابول" رحلة الكشف عن فساد المتطرفين وزهد المتصوفين وصراع العقول والضمائر
حسن شرف

خطوط درامية متكاملة خففت من حدة الرسائل السياسية.. رسم شخصية حقيقية لضابط الأمن الوطني الحاسم.. ووضع يده على متناقضات أمراء الإرهاب 
 
 
خطوط درامية متوازية، كل خط منها يمكن أن يكون عملًا فنيًا متكاملًا، وفي "القاهرة كابول" كان الرابط بين هذه الخطوط بيت السيدة زينب الذي شب فيه ضابط أمن الدولة (الأمن الوطني حاليًا) الذي تربى على أهمية العدل والحق، والإعلامي الذي سّخر مواهبه وسلطاته لخدمة مصالحه الشخصية، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية، وذلك يفسره مشاهد الوالد الذي ظهرت فيها حبه للمال وحرصه عليه.
 
شبّ أيضا في نفس البيت، الإرهابي الذي آمن بفكرة فاسدة زرعها في عقله تكفيري متشدد، وكذلك الشخصية التي كانت محل جدل واسع لدى الجمهور، وهي شخصية الأستاذ حسن الرجل المتصوف صاحب الرؤية السليمة في أمور الدين والدنيا، وكذلك الفنان الذي غدر به الإرهاب.
 
بيت السيدة كان بمثابة الوطن، خرج من رحمه شخصيات مختلفة، وعلى القهوة المجاورة كان النقاش على الطاولة حاضرا في مسائل جوهرية بين فئات متعددة من الشعب.
 
"القاهرة كابول" عملٌ فني يناقش أهمية اللغة العربية، ويسلط الضوء على كتاب "المِلل والنِحل" (كتاب لأبي الفتح الشهرستاني وهو عبارة عن كتاب يتحدث عن الطوائف الإسلامية باختلافها ويتحدث عن الفرق الناجية في الإسلام)، كما يتطرق المسلسل إلى تمويل الولايات المتحدة الأمريكية لجماعات الإسلام السياسي والثقة المتبادلة بينهم.
 
كما يتحدث عن هزيمة يونيو 67، التي أمر رئيس تحرير جريدة شهيرة بأن تتحول إلى "نكسة"، و"الحصاد الدامي للإرهاب"، وعلاقته بالإسلام السياسي، وانحطاط قيادات الجماعات المتطرفة (رمزي يقوم بتصفية شقيق زوجته لأنه رفض مبايعته كخليفة للمسلمين وأميرًا للمؤمنين)، وحلم الخليفة بأن يحكم العالم من البيت الأبيض، ومكة مقراً للعرش، بينما تتحول مصر وسوريا والعراق إلى ولايات تابعة، والنظرة الدونية للمرأة (النساء خُلقن للجنس والمتعة بينما خُلق الرجال للجهاد).
 
أفكار وأطروحات على الشاشات
 
من اسم العمل "القاهرة كابول" انتظر الجميع عملا سياسيا يروي أحداثا مهمة تكشف الجوانب الخفية من الأحداث الواقعية، ونجح الكاتب عبدالرحيم كمال في تقديم وجبات دسمة يومية، كما أنه لم يغفل تقديم قيم إيجابية مثل التصالح مع النفس والغير، ورفض التطرف والمغالاة، وعدم الحكم على الآخرين، وهو ما كان يعد أشبه بمقالات مسموعة على لسان الأستاذ حسن (الفنان نبيل الحلفاوي).
 
نجح الكاتب في تقديم نقيضين، بين شخصية "رمزي" التي لعبها الفنان طارق لطفي، وهو التكفيري الذي يريد إعادة الخلافة لحكم العالم، بينما يزهق الأرواح، وتظهر في شخصيته ملامح الفساد، إذ يتعاون مع الأعداء "المخابرات الأمريكية" في السر، بينما يهاجمهم في العلن، وبين شخصية الأستاذ "حسن"، الحكيم صاحب الرؤية السليمة في الدين والدنيا، إذ يرى الخير في الإنسان، أيا كان مذهبه أو فكره، وأن التسامح مع الآخرين هو الحل،  وليس القتل وسفك الدماء، ليترك الكاتب للمشاهد حرية الحكم والاختيار بين الشخصيتين، وربما يكون توجه الكاتب في عدم مصادرة رأي المشاهد كان سببا من الأسباب المهمة في نجاح المسلسل وحجزه مكانا في مقدمة السباق الرمضاني.
 
المشاهد التي تخاطب عقول المشاهدين وقلوبهم، والتي اعتمدت السلاسة في الطرح، لا التلقين المباشر بهدف "غسيل المخ"- كانت هي البطل الرئيس في حالة الجدل التي صنعها المسلسل طول شهر رمضان، بين مؤيد ومعارض، وربما يعد هذا في حد ذاته نجاحا، إذ بهذا وصل المسلسل إلى مبتغاه وحقق هدفا مهما من أهدافه، وهو دفع المشاهد للتفكير، وأن يبحث هو أيضا عن إجابات، قد ينجح المسلسل في تقديم بعضها وقد لا ينجح، وفي بعض المشاهد والتي كان البطل في أغلبها الفكرة والمرادفات التي تعبر عنها، على لسان الأستاذ حسن، ربط البعض هذه المشاهد بالمنهج الصوفي، خاصة وأن الكاتب ولأول مرة في أعماله يتطرق إلى المنهج بهذا القدر من التعمق.
 
في مسلسله الخواجة عبدالقادر للنجم يحيى الفخراني، طرح "كمال" سؤالا على لسان أحد الممثلين: "أنت متصوف يا خواجة؟". فجاء الرد "شنو تصوف"، وفي "القاهرة كابول" سألت ريم "حبيبها": "حسن هو أنت صوفي"، فجاء مفهوم الرد متطابقا مع الرد الحقيقي للكاتب عبدالرحيم كمال إذ يقول: "أنا أحب الصالحين ولست منهم، ولكن دائما التقرب من الأرواح الإيجابية والتي تمتلك طاقة من نور مفيد جدا، وهذا ما أسعى إليه أن أتقرب من فكرة الحب والمحبة، والطاقات الإيجابية حتى لا أكون مزدوجا، لكن لا أزعم أني وصلت إلى شيئا، أنا في النهاية في طريقي في رحلة البحث عن نفسي التي اتخذت فيها منهج (البحث عن النفس عن طريق الحب)".
 
مشهد "البطانية" والصدام الفكري من الطفولة إلى الكبر
 
يتحدث الكاتب عن شخصيات نعرفها، وربما في حياة معظمنا شخصية منها، لأطفال 4 عاشوا في حي السيدة زينب، وحلقوا بأجنحة خيالهم فأقسموا "تحت البطانية" أن يظلوا أصدقاء، وأن يحكموا العالم؛ فأقسم رمزي (طارق لطفي) بالمصحف والسيف، وعادل (خالد الصاوي) بالحق والعدل، وطارق (فتحي عبدالوهاب) بالشهرة والثراء، وخالد (أحمد رزق) بحياة السينما، وبعدما تفرقت بهم السبل، أصبح الأول قياديا في جماعة تكفيرية، والثاني ضابطا في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا)، والثالث إعلاميا ذائع الصيت، والأخير مخرجا سينمائيا.
 
وفي لقاء بينهم من جديد، ظهر الصدام الفكري بعدما تبلور لكل منهم حلمه القديم، وأظهر النقاش مدى الصدام بين الضابط "عادل" والإرهابي "رمزي"، كما برهن على خواء الإعلامي "طارق"، وانتهى باغتيال المخرج "خالد"، بينما كان الضابط هو المستهدف بعملية الاغتيال.
 
انتقال بين الماضي والحاضر، ومزج بين الطرح الديني والسياسي والاجتماعي، وموقف الإسلام السياسي تجاه الفن، والقوى الناعمة، وتوظيف دقيق للوثائق التاريخية، ومشهد في بداية المسلسل عن لحظة ميلاد "رمزي"، مع إعلان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، تنحيه عن رئاسة الجمهورية، إبدان نكسة يونيو، واختيار والده اسمه، تيمناً بالفنان أحمد رمزي، ويالها من مفارقة.
 
المسلسل أيضا يأخذنا إلى الماضي للحديث عن اغتيال الشيخ الذهبي بإيدي متطرفين، وكذلك الرئيس محمد أنور السادات بأيدي المتأسلمين، لحظة الاحتفال بالذكرى السنوية لانتصار أكتوبر، وتنامي ظاهرة الإسلام السياسي.
 
نجح الكاتب في خلق حالة جعلت المشاهدين يتوحدون مع الأبطال والأسف على حال بعضهم، فالإرهابي كان شاعراً خجولاً، أحب منال (حنان مطاوع)، لكنه وقع في طفولته ضحية من أفسد عقله، ووجهه أن الاستماع لأم كلثوم "حرام"، والصلاة خلف أمه وأبيه "غير شرعية"، وأن عليه اعتزال "المجتمع الكافر". وتجسدت مأساة الإعلامي الذي استلهم كاتب المسلسل شخصيته من إعلامي شهير، في انتهازيته والزيف الإعلامي الذي يُقدمه، والمخرج، في فيلمه الممنوع من العرض، في وطنه، وضابط الأمن الوطني في انشغاله بعمله عن الاهتمام بأهل بيته.
 
طارق كساب والإعلامي الشهير
 
نحح باقتدار الفنان فتحي عبد الوهاب في تقمص شخصية "طارق كساب"، بعدما استدعى شخصية إعلامي شهير، عمل في قنوات عدة، بينما أبرز محطاته كانت قناة "الجزيرة"؛ فالتطابق بين الشخصية المكتوبة على الورق، والإعلامي الشهير، كبير بدرجة مُذهلة؛ سواء على صعيد المقابلات مع قيادات بارزة في تنظيم القاعدة، أو الاجراءات الأمنية، التي سبقت المقابلات (تهريب معدات التصوير واستخدام نفس الحقائب لتهريب الأموال للجماعة للإنفاق على العمليات الإرهابية) أو ما تعلق بالشكل (النظارة الطبية، الإيماءات الحركية، طريقة التقديم) فضلاً عن التقارب الكبير بين طبيعة البرنامج، الذي كان يقدمه "الإعلامي" على شاشة "الجزيرة"، والبرنامج الذي قدمه طارق كساب، عبر قناة "الصحراء" قبل أن ينتقل إلى القناة الوليدة التي فتحت مقرها الرئيس في مصر.
 
ووصل التطابق إلى ذروته في الحوار الذي دار بين "كساب" و"رمزي"، وانتهى بقول الأخير: "ابقى اكتب في مذكراتك إنك شربت سيجارة مع الخليفة"، وما ذكره "الإعلامي" في كتاب له، حول السيجارة التي تعاطاها، في حضرة رمزي بن الشيبة، رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة (يمني الجنسية مولود في عام 1972 ومعتقل في جوانتانامو)، وخالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتأكيده أنها أهم سيجارة دخنها على الإطلاق.
 
طريقة بناء ممتعة، وأسلوب سرد متميز وشائق، صور لنا القضية الشائكة وكأنها حدوتة مسلية؛ وهو ما ظهر في مشهد اجتماع الأصدقاء الأربعة، لأول وآخر مرة، خاصة وأن الحوار المتبادل بين "رمزي" المتطرف، و"عادل" ضابط الأمن الوطني، اتسم بالحيوية، حتى بدا وكأنها مناظرة، بفضل حركة الكاميرا المحسوبة بعناية. وبدوره أبدع المخرج حسام علي، في تقديم صياغة بصرية رائعة مستعينا بوثائق فيلمية في مراحل تاريخية عدة، أضفت على العمل مصداقية، وواقعية، فضلاً عن الشاعرية، والبساطة، من دون سطحية، أو خطابة تُفسد العمل، وتُسقطه في فخ التوجيه المباشر.
 
مسلسل "القاهرة كابول" من بطولة طارق لطفي، فتحي عبدالوهاب، خالد الصاوي، حنان مطاوع، نبيل الحلفاوي، خالد كمال، إسراء رخا، كريم قاسم سرور، شيرين، إيناس كامل، حسني شتا، محمد عز، بيومي فؤاد، رشدي الشامي، وتأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج حسام علي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق